على سلالم قبة جامعة القاهرة، وقف عشرات من أوائل كلية حقوق؛ محتجين على تعسف الدولة تجاههم، فعلى الرغم من كفاءتهم التي تصل بهم إلى أعلى مناصب النيابات والجهات القضائية بمصر إلَّا أنهم ما زلوا يحملون مهنة ولقب "عاطل"، فبعد التحاقهم بكلية الحقوق سيطر عليهم حلم النيابة العامة فعملوا لأجله على قدم وساق، رافضين الاستسلام للواقع المصري القائم على الوساطة والمحسوبية في تبوء تلك المناصب.. وفور تقدم هؤلاء الأوائل بأوراقهم إلى النيابة فوجئوا برفض طلب حصولهم على وظيفة في النيابة؛ فقط لعدم حمل والديهم شهادات من المؤهل العالي. فعلى الرغم من أن الدستور المصري يتحدث عن المساواة الكاملة بين المواطنين بمقتضي حق المواطنة، والقانون أيضًا، لكن الواقع يناقض الدستور والقانون، والتمييز بين المواطنين يأخذ أشكالًا عديدة صارخة تستدعي التدخل السريع لإصلاح هذا الخلل. 2011 بداية الأزمة البداية كانت مع دفعة 2011 من خريجي الحقوق، حيث تقدم منها 602 للتعيين كمعاوني نيابة عامة، وأجروا المقابلة فى المجلس الأعلى للقضاء، وتمت الموافقة عليهم، وصدر قرار في 24 يونيو العام الماضى، وكانت الخطوة الأخيرة إمضاء الرئيس المعزول محمد مرسي عليها، لكنه طالب وزير العدل بتأجيلها. في الوقت الذي وافق فيه رئيس المجلس الأعلى للقضاء خلالها المستشار محمد ممتاز، على التحاقهم بالنيابة العامة، لكن فيما بعد حل محله المستشار حامد عبد الله، وهو الذي رفض الموافقة على تعيينهم رغم اجتيازهم الاختبارات والخطوات. مع تولي المستشار عدلى منصور الرئاسة المؤقتة، أعاد قرار التعيين للمجلس الأعلى للقضاء مرة أخرى بعد مرور خمسة أشهر على إصداره، وطلب تحريات الأمن الوطني عن هذه الدفعة. وأثتت هذه التحريات انتماء 73 للإخوان المسلمين، وتم استبعادهم، إلَّا أنهم فوجئوا باستبعاد 138 آخرين مؤخرًا؛ لأن أهلهم ليسوا من حملة المؤهلات العليا. أوائل حقوق: الصراع الحالي بين أولاد الباشوات والفلاحين وعن ذلك يقول محمود الطاروري، المتحدث باسم ال138 عضو نيابة عامة الذين استبعدوا من التعيين لعدم حصول والديهم على مؤهلات عليا: إن استبعاد أوائل حقوق من مناصب في النيابة بسبب مؤهلات والديهم إهانة كبيرة في حقهم، متسائلًا: هل مؤهلات آبائنا ستؤثر في نزاهة القضاء في شيء أو سيكون لها علاقة بالأمر؟ وتابع: إن المحتجين صدر لهم قرار تعيين ولم تستكمل إجراءات تعيينهم؛ لاشتراط مجلس القضاء الأعلى ضرورة حصول الوالدين على مؤهل عالٍ، معتبرًا أن المجلس بذلك يتجاوز المادة 53 من الدستور المصري والتي تجرم التمييز. وأضاف أحمد صابر، أحد الطلاب الأوائل الذين رفض تعينهم في النيابة: إن هذا التمييز الاجتماعي لا يليق بمصر، التي كانت رائدة شعوب العالم في تذويب الفوارق بين الطبقات وفتح كل الأبواب أمام أبنائها للتفوق والصعود علميًّا واجتماعيًّا، استنادًا إلى قاعدة تكافؤ الفرص، مشيرًا إلى أن العمل في النيابة وسلك القضاء يتطلب تقديم شهادة الحالة الاجتماعية لتعيين الطلاب، وفقًا لمهن عائلاتهم وممتلكاتهم ومكانة الوالدين والأقربين، ما يخالف الأعراف الدستورية كافة. وتابع "صابر" سادت خلال العقود الأخيرة ظاهرة توريث المناصب، بحيث يدخل ابن القاضي حتى لو لم يكن حاصلًا على مجموع يؤهله، ويمنع أبناء الفقراء مهما كان تفوقهم، مطالبًا الدولة بضرورة التدخل والتراجع عن تلك القرارات. خبير قانوني: ما يحدث مخالف لمبادئ استقلال القضاء من الناحية القانونية أكد دكتور محمد عبد الفتاح، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة: إن هذا التصرف يطعن فى سمعة الدولة المصرية، ومبادئ الأممالمتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية، التي تنص المادة الأولى منها أن يكون معيار الكفاءة الأساسى والوحيد لاختيار من يتم تعيينهم. وأوضح عبد الفتاح أن ذلك مخالف للأعراف الدستورية في مصر، فالمادة 53 تنص على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم، كما أن قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 أيضًا لم يشترط معايير محددة لكيفية اختيار معاوني النيابة العامة، حيث جاءت المادة 38 من القانون بالنص على أنه «يشترط فيمن يولى القضاء أن يكون متمتعًا بجنسية جمهورية مصر العربية، وكامل الأهلية المدنية، وألَّا يقل سنه عن ثلاثين سنة إذا كان التعيين بالمحاكم الابتدائية، وعن أربعين سنة إذا كان التعيين بمحاكم الاستئناف، وعن ثلاث وأربعين سنة إذا كان التعيين بمحكمة النقض.