قوات الاحتلال تداهم عددًا من المنازل خلال اقتحامها بلدة جيوس شرق قلقيلية    4 توصيات ل«اتصالات النواب» لسلامة الراكبين بشركات النقل الذكي    أسعار الدواجن واللحوم اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    زاخاروفا تعلق على التصريحات الأمريكية حول قرار الجنائية الدولية    مساعد وزير الخارجية الإماراتي: لا حلول عسكرية في غزة.. يجب وقف الحرب والبدء بحل الدولتين    الصحة: منظومة التأمين الصحي الحالية متعاقدة مع 700 مستشفى قطاع خاص    احذروا الإجهاد الحراري.. الصحة يقدم إرشادات مهمة للتعامل مع الموجة الحارة    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    فرنسا: ندعم المحكمة الجنائية الدولية واستقلالها ومكافحة الإفلات من العقاب    «بلاش انت».. مدحت شلبي يسخر من موديست بسبب علي معلول    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    اعرف موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة المنيا    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «كداب» تقترب من 2 مليون مشاهدة.. سميرة سعيد تنجح في جذب انتباه الجمهور ب الصيف (فيديو)    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    دونجا: سعيد باللقب الأول لي مع الزمالك.. وأتمنى تتويج الأهلي بدوري الأبطال    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    واشنطن: نرفض مساواة المحكمة الجنائية الدولية بين إسرائيل وحماس    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    اتحاد منتجي الدواجن: السوق محكمة والسعر يحدده العرض والطلب    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    مراقبون: قرار مدعي "الجنائية الدولية" يشكك في استقلالية المحكمة بالمساواة بين الضحية والجلاد    إصابة شخصين في حريق شب بمزرعة بالفيوم    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    متى تنتهي الموجة الحارة؟ الأرصاد الجوية تُجيب وتكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء    على باب الوزير    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في زيارة «البديل» ل «بيت المهندس».. «هد يا جدع».. شعار المرحلة في تعامل الدولة مع الآثار والتراث.. (بالصور)
نشر في البديل يوم 19 - 12 - 2014

د. شهيرة محرز: ضياع تراثنا يسيء لسمعة مصر أمام العالم.. وإذا فشلنا في حماية الآثار سوف توضع مصر على القوائم المهددة للتراث العمراني
رئيس حي وسط: البيت لا هو طراز معماري ولا قصر ولا فيلا بناء على فحص عدة لجان أوصت بهدمه لخطورته
- أرسلت تقارير اللجنة للدكتور جلال السعيد منذ نوفمبر الماضي للنظر في خطورة المنزل ولم يرد حتى الآن
- وزارة الآثار لم تسأل عن سقوط منزل أثري مسجل انهار منذ أيام ومتمسكة ببيت المهندس غير الأثري!
خبير الآثار بالمعهد الفرنسي: "بيت المهندس" أثر رغم أنف جميع الجهات التي تتنصل من تسجيله والاعتراف به
والبيت كان يتمتع بحالة ممتازة وتعرض لإتلاف متعمد من الملاك الحاليين
محامي ملاك "بيت المهندس": هناك قرار صدر من حي وسط برقم 28 لسنة 2014 بهدم البيت حتى سطح الأرض لخطورته الداهمة
الدرب الأحمر، سوق السلاح، باب زويلة، المغربلين، المعز، والقلعة، وغيرها كتير.. إنها القاهرة المحروسة بشوارعها وأحيائها التراثية العريقة.. إنه التاريخ مجسدًا في المساجد والبيوت القديمة التي لا تملك سوى الانحناء والتقدير أمامها لأجدادنا الذين تركوا لنا هذه الثروة الغالية التي لا مثيل لها. ولكن كل هذا الجمال معرض للزوال طالما لا يوجد من يحافظ عليه أو يهتم به، طالما وجدت البيروقراطية المصرية التي سوف تقضي على الأخضر واليابس، وتعري القاهرة من أبهى ثيابها التراثية؛ لنقف جميعًا مخذولين أمام عيون القاهرة وهي تلومنا وتستنكر إهمالنا وتفريطنا في تاريخها.
"هد يا جدع".. بلا أي مبالغة هو شعار المرحلة لمؤسسات الدولة الآن، سواء بين المحليات ووزارة الآثار وموظفي الأحياء وجهاز التنسيق الحضاري والثقافي لآثار القاهرة التاريخية، وبدون مبالغة هي أزمة "بيت المهندس " الكائن بشارع سوق السلاح بالدرب الأحمر، والذي تحول إلى خرابة بعد هدمه وإتلافه، وهو البيت الذي يعود للعصر المملوكي، ويتميز بطراز معماري فريد.
البيت حقه ضاع وغرق بين اللجان التي تلد كل لجنة فيها وتنبثق عنها لجنة أخرى، غاب عن تسجيل جهاز التنسيق الحضاري بوزارة الثقافة؛ لنجد الآثار تكتفي باللوم، وتنفي مسئوليتها عن عدم تسجيله، في النهاية التراث ضاع وأصبح أحجارًا وخرابة مليئة بالقمامة والقاذورات.
"البديل" تزور بيت المهندس، وتجول في أرجائه، وتنقل صرخات الحجر الذي لو كان بشرًا لتحدث عن بشاعة الإهمال الذي لحق به، وليوجه للمسئولين استغاثة إذا كانت لديهم آذان باقية للاستماع: بأي ذنب يهدم بيت المهندس؟ بأي ذنب تقتلون التاريخ والحاضر والمستقبل؟ بأي ذنب تحرمون الأجيال والحضارة الإنسانية كافة من الاستمتاع بالتراث؟
يقول اللواء وجدي مسلم – رئيس حي وسط القاهرة – إن البيت ليس أثرًا، لا هو طراز معماري ولا قصر ولا فيلا، بل إن البيت خرجت بشأنه عدة لجان لفحص حالته، وجميعها توصلت إلى أنه يمثل خطورة داهمة، زلا بد من هدمه، وهي عدة لجنة منها لجنة الخبراء ولجنة نائب محافظ القاهرة للمنشآت الآيلة للسقوط، وكانت بتاريخ 1 اكتوبر 2014، وأقرت بأن العقار حالته شديدة الخطورة ويلزمه هدم لسطح الأرض.
وأضاف مسلم أنه في 5 نوفمبر 2014 تلقى حي وسط إشارة من قسم الدرب الأحمر في تمام الساعة 11 مساء تبلغ بانهيار أجزاء من العقار، وبالفعل نزل سكرتير الحي ومهندس تنظيم الدرب الأحمر والمهندس النوبطشي، ضابط قسم الدرب الأحمر، عسكر وأمين شرطة، وتم استدعاء مقاول الحي لإزالة الخطورة.
وأعرب عن أن خطورة البيت رقم 67 بشارع سوق السلاح أنه يقع في طريق ثلاث مدارس، وهي: الرافعي وخطاب السبكي والسادات، مشيرًا إلى أنه تفقد بنفسه ثاني يوم البلاغ صباحًا الانهيار مع مهندس من مديرية الإسكان، وتم توصية المقاول بفتح الطريق الذي أغلقته الحجارة المنهارة، ثم تم تشكيل لجنة أخرى لدى نائب محافظ القاهرة؛ لفحص حالة البيت، وأوصت مرة أخرى بإزالته من سطح الأرض.
وتابع "وبالفعل أرسلنا تقارير اللجان إلى محافظ القاهرة؛ ليتخذ قرارًا بشأن العقار، خاصة بعد تعليماته المباشرة بعدم هدم أو التعامل مع أي بيت بالقاهرة التاريخية دون الرجوع إليه شخصيًّا، وانتظرنا رد المحافظ والذي لم يرد حتى واقعة 4 ديسمبر 2014، والتي تفقدت فيها شارع سوق السلاح، ووجدت الحالة السيئة جدًّا للبيت رقم 67 وكان يلزم إزالته، إلى أن حدثت الشوشرة الإعلامية والضجة والادعاء بأن البيت أثري".
وبسؤاله عن قرار محافظ القاهرة بتحويل ملف العقار للنائب العام والذي يؤكد أن البيت أثري وأن هدمه كان قرارًا خاطئًا، نفى رئيس حي الوسط قائلاً "إن المحافظ أحال مدير إسكان حي وسط للنيابة العامة، متعجبًا من الآلة الإعلامية التي تمتلكها وزارة الآثار حول بيت سوق السلاح وعدم تحركها وسؤالها إلى الآن عن انهيار البيت رقم 5 بحارة السلاب بالدرب الأحمر، رغم أنه أثر ومسجل كطراز معماري، حيث انهار البيت، وأفسد مرافق عقار رقم 28 بشارع المغربلين، وذلك كان يوم 2 ديسمبر 2014، وحتى الآن لم تستفسر وزارة الآثار عن العقار ولا أحد كلمني شخصيًّا"!!!!
وأضاف رئيس حي وسط أن البيت رقم 67 بسوق السلاح ليس مسجلاً له اسم ولا رقم ولا أحد يعرف اسمه في الشارع قبل هذه الضجة بأنه يسمى "بيت المهندس"، فهو معروف بالعقار رقم 67 بشارع سوق السلاح فقط، وكان يقطنه مالكوه قبل سنة ونصف، ثم باعوه للملاك الجدد، مشيرًا إلى أن هناك حكايات كثيرة تروى حول تخريب المالك الجديد للبيت ليهدمه أو يحصل على قرار إزالة له، لكنها تظل حكايات، حيث لا توجد محاضر أو أوراق رسمية تؤكد صحة هذه الروايات المتناقلة، فالبعض سرح بخياله أن المالك حفر نفقًا بين العقار 67 و68، وإلى الآن لا صحة لمثل هذه الأقاويل.
وأكد مسلم أن الحي تعامل مع البيت بمنتهى الشفافية وبكافة الإجراءات القانونية والتي بدأت بطلب صاحب البيت لرخصة هدم، تم التحقق منها وفحصها من خلال اللجان المختلفة، مشيرًا إلى أن صاحب العقار تقدم بالعديد من البلاغات لقسم شرطة الدرب الأحمر منها في 12 فبراير 2014 يخلي مسئوليته من انهيار العقار، بالإضافة إلي أكثر من إنذار لمحافظ القاهرة ورئيس حي وسط يخلي فيه مسئوليته من سقوط العقار، ويطالب المحافظة والحي باتخاذ الإجراءات القانونية نحو العقار الآيل للسقوط.
بينما قال محمد أبو العمائم – مهندس آثار في المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة – إن البيت الكائن رقم 67 بشارع سوق السلاح بالدرب الأحمر والمعروف باسم "بيت المهندس" هو أثر رغم أنف جميع الجهات التي تتنصل من تسجيله والاعتراف به، وأولها وزارة الآثار التي ترفض تسجيل البيت؛ حتى لا يصبح عبئًا عليها في المتابعة والتفتيش، وما حدث في المنزل من هدم وإتلاف هو وصمة عار في تاريخ هذا الجيل الذي يقضي على الآثار والتراث الذي تحرم منه الأجيال القادمة.
وأكد أبو العمائم أن حالة البيت جيدة، وأن كلام رئيس الحي عن خطورته الداهمة وأنه آيل للسقوط هو وصف غير صحيح، فالبيت تعرض لإتلاف متعمد، "وهو ما عرفته من الجيران وبعض سكان الحي، فالبيت كان يتمتع بحالة ممتازة، ولم تسقط الخارجات والواجهات رغم العنف المستخدم معه بالبلدوزر لهدمه عمدًا، وجميعها كانت محاولات لتخويف أهالي الشارع وإيهامهم بأن البيت معرض للانهيار على المارة".
وأوضح المهندس الأثري القيمة التاريخية والتراثية لبيت شارع سوق السلاح في حزن شديد وحسرة على خراب البيت، قائلاً إن البيت هو أحد المنازل الكبرى في منطقة الدرب الأحمر، والذي يقع في آخر شارع سوق السلاح عند مفترق الطرق؛ ليتقابل مع شارعي باب الوزير والتبانة، وهي شوارع رئيسية كانت معبرًا للسلطان من القاهرة الفاطمية إلى القلعة، وكانت تسير فيها المواكب، ونظرًا لأهمية هذه الشوارع كانت تحوي بيوت الأمراء وكبار الأعيان في العصر المملوكي؛ لأنها شوارع رئيسية متميزة، حيث كانت تسير المواكب من باب زويلة ثم الدرب الأحمر ثم شارع التبانة ثم باب الوزير ثم شارع المحجر وصولاً إلى القلعة.
وأضاف أن البيت رقم 67 كان لأحد أمراء العصر المملوكي، ثم انتقلت ملكيته تدريجيًّا في العصر العثماني إلى أمراء آخرين، وظل مستعملاً كمنزل لأحد كبار الشخصيات حتى عصر محمد علي باشا، وهو عهد تجديد البيت، حيث ترجع واجهاته إلى هذا العهد، إلا أن أجزاء كبيرة من الداخل تعود إلى العصر العثماني، ويتميز المنزل من الداخل بالأسقف المذهبة والملونة.
أما عن مساحة البيت فيقول أبو العمائم إنه يصل إلى فدان، فهو يقع على مساحة كبيرة للغاية، والدليل أنه يمتد من شارع سوق السلاح وحتى حدود بيت السلطان قيتباي المعروف حاليًّا باسم بيت الرزاز، والذي تم تسجيله كأثر في ستينيات القرن الماضي، مشيرًا إلى أن البيت المذكور رقم 67 تقلصت مساحته بعد استقطاع جزء كبير لعمل دار سينما محمد علي، والتي تم تحويلها إلى مصنع "البلاد" فيما بعد.
وأشار إلى أن البيت حاليًّا معروف باسم "بيت المهندس"؛ نسبة إلى آخر عائلة سكنت فيه، وهي نفس عائلة الفنان فؤاد المهندس، ولكن حتى القرن 19 كان يعرف باسم "بيت صالح بك" أحد الأمراء آنذاك، ثم تناقلت ملكية البيت لعدد من الأمراء من عهد محمد علي ثم خلفائه.
وتساءل أبو العمائم في حسرة: كيف يصل البيت لهذا الخراب والتدمير في ظل تقاعس وإلقاء المسئوليات بين وزارة الآثار وحي وسط القاهرة والجهاز القومي للتنسيق الحضاري الذي لم يسجل البيت ولم يضعه على لائحة المباني ذات الطراز المتميز؟!
وأشار إلى أنه "منذ أكثر من عشر سنوات قام بحصر لأكثر من 800 أثر للتسجيل على مستوى محافظة القاهرة، وكان وقتها أحمد قدري رئيس هيئة الآثار، وبالفعل تم تشكيل لجنة تحت مسمى "لجنة حصر المباني ذات القيمة الفنية والتاريخية"، عملت خلال سنتين 1996 – 1997، وتوليت رئاستها، وتم حصر آنذاك عدد كبير من العقارات ذات الأهمية التاريخية والمعمارية والعمرانية، إلى أن تجمد نشاط اللجنة واستبدلت بلجنة أخرى من موظفين ليسوا على دراية بالهدف ولا القيمة من حصر العقارات الأثرية والتراثية، وهو الأمر الذي أدى للإهمال والتدمير الذي تعرضت له آثار القاهرة التاريخية، نظرا للبيروقراطية واللامبالاة للموظفين الذين لا يعنيهم تسجيل الآثار".
وبمواجهته بتصريحات رئيس حي وسط بأن بيت المهندس خرج بشأنه العديد من تقاير اللجان الهندسية بالحي التي تؤكد خطوة البيت الداهمة على أراوح السكان، غضب بشدة أبو العمائم قائلاً إن البيت كان بحالة ممتازة، ولكن وردت إليه معلومات بأن المالك الحالي كان يقوم بأعمال مريبة في البيت من حفر وتخريب أسفل البيت أدت إلى انهيار مسجد المغربي المقابل لبيت المهندس، وهو مسجد قديم لم يتم تسجيله كأثر أيضًا، وتجدد في القرن 19 وقد سكنه المهاجرون بعد حرب 1967، وكان به ضريحان لشيخين من الأولياء أحدهما يسمى سيدي عبد الله، وتم تدميرهما أثناء الحفر بحثًا عن الكنوز بالأسفل.
واختتم حديثه أبو العمائم بأن أزمة بيت المهندس ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة طالما الدولة تعتمد على موظفين بيروقراطيين، ليس لديهم أي خبرات فنية ولا أثرية في تقييم البيوت الأثرية، وتصدر قرارات عشوائية من رئيس الحي أو مهندس الإسكان بسرعة "هد يا جدع"، معربًا عن أنه قضى خمس سنوات في فرنسا للبحث والدراسة، وكان من المستحيل أن يمس بيت أثري بهذه السرعة، ويصدر قرار بهدمه دون وجود لجان تضم كوكبة من التشكيليين والفنيين والأثريين والتطبيقين والباحثين ومهندسي معاهد الأبحاث المعمارية والأثرية المختلفة وخريجي فنون جميلة؛ لأنها لجنة استشارية متخصصة، وكانت في النهاية لن تخرج بقرار الهدم، بل كانت ستلزم الدولة بالترميم والحفاظ على أثر فني كبيت المهندس. أي جاهل كان سيقول عليه إنه أثر، ويجب الحفاظ عليه.
بينما نفى أحمد عبده – محامي مالك بيت المهندس – أن تكون للمنزل أي علاقة بأسرة فؤاد المهندس من قريب أو من بعيد، فهو معروف منذ عشرات السنين بأنه عقار رقم 67 بسوق السلاح، وأن البيت "ما شافش عمره فؤاد المهندس، فهو ليس أثرًا ولا مسجلاً بأي جهة رسمية كتراث معماري"، حيث جاءت لجنتان في عامي 2005 و 2008 من الآثار والطراز المعماري، وأكدت في تقاريرها أنه ليس طرازًا معماريًّا متميزًا وغير مدرج لدى الآثار، فهو ملكية خاصة ومسجل بالشهر العقاري لأصحابه.
وأضاف أن الحالة الإنشائية للبيت خطيرة وتهدد بالسقوط في أي لحظة، حيث يحده من اليسار مدرسة سوق السلاح بنات ومن اليمين مدرسة عمر بن الخطاب المشتركة، وهو ما يشكل خطورة على نحو 1000 طفل، معربًا عن أن الهدم لم يتم عشوائيًّا، ولكن بإجراءات بدأت بقيام صاحب البيت الحاج صبري يوسف بسداد رسوم فحص طلب ترخيص هدم، وذلك في 4 نوفمبر 2014، بالإضافة إلى أن البيت خرج له قرار هدم كلي رقم 28 لسنة 2014 من حي وسط، وجاء في تقرير المعاينة وفحص المنشآت الآيلة للسقوط كما هو مصور بالمستند:
"أن العقار المذكور يتكون من دور أرضي واول فوق الأرض مبني من حوائط حاملة وأسقف خشبية وبه شروخ طولية نافذة وهبوط بأرضية العقار وبه انهيار جزئي، والعقار ليس فيلا أو قصرًا أو طرازًا معماريًّا، والعقار ليس أثرًا، وللمحافظة على الأرواح والمنقولات يقضي هدم العقار وجميعه حتى سطح الأرض تحت إشراف مهندس نقابي".
وتساءل محامي الملاك عن أسباب الضجة المثارة حول البيت واتهام موكليه بأنهم رد سجون قاموا بالاستيلاء على البيت، معربًا عن أن صاحب العقار لو بلطجيًّا لما ذهب إلى قسم الدرب الأحمر، وتقدم ببلاغ للحفاظ على حياة المواطنين وإلزام المحافظة بمسئوليتها تجاه منزل آيل للسقوط واتخاذها الإجراءات اللازمة.
أما عن موقف وزارة الآثار فألقى الدكتور محمد عبد العزيز - مدير مشروع القاهرة التاريخية – المسئولية على الجهاز القومي للتنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة والذي لم يسجل بيت المهندس كطراز معماري متميز، مشيرًا إلى أن البيت غير مسجل كأثر، معربًا عن أن ما حدث فيه من هدم وإزالة هو جريمة في حق التراث.
وأضاف عبد العزيز أن قانون حماية الآثار يحتاج إلى تعديلات تمكن وزارة الآثار وتمنحها صلاحيات من أجل الحفاظ على النسيج العمراني للقاهرة، مشيرًا إلى أن القانون يحتاج أن يدعم العلاقة بين المؤسسات والهيئات والجهاز القومي للتنسيق الحضاري وبين الآثار والمحليات؛ حتى لا تعمل كل جهة في جزيرة منعزلة عن الأخرى.
وأشار إلى أن عقاب صاحب المنزل أو إعدامه وتحويل المسئولين بحي وسط إلى النيابة وتوقيع أقصى العقوبات لن يفيد بعد ضياع وتهدم عقار سوق السلاح، مؤكدًا أهمية توعية أهالي هذه المناطق الأثرية، وأن يسلط الإعلام الضوء على أهمية هذه المناطق، بالإضافة إلى الارتقاء بالمستوي الاجتماعي والاقتصادي لسكانها؛ لنحجمهم عن هدم هذه البيوت والمساجد الأثرية، وتوعيتهم بأن التراث الحضاري المصري ملك للإنسانية كافة وليس للأجيال القادمة فقط.
الدكتورة شهيرة محرز – أستاذ السياحة والإرشاد بجامعة حلوان سابقًا – قالت إنه من المؤسف أن يصل الإهمال والقسوة في التعامل مع تراثنا لهذا الحال الذي وصل إليه بهدم بيت المهندس الذي يعود لتراث العصر المملوكي، صارخة في حزن: هل يعقل أن القاهرة التي تعتبر من أقدم مدن العالم المسكونة منذ 1000 عام تصبح الآن مهددة بضياع تراثها ومعمارها الفريد المتميز؟!
وأضافت محرز أن ضياع تراثنا يعني أننا دولة فاشلة، وهو ما يسيء لسمعة مصر أمام اليونسكو والعالم أجمع، الذي ينظر للتراث والتاريخ على أنهما ملك الحضارة الإنسانية كافة، مطالبة بسرعة تسجيل كل الآثار والبيوت والمباني ذات الطراز المعماري المتميز في كافة أرجاء الجمهورية؛ حتى لا توضع مصر على القوائم المهددة للتراث العمراني، بعد أن كانت القاهرة مسجلة ضمن قوائم التراث العالمي للنسيج العمراني المحتفظة بأصالتها منذ العصور الوسطى، مشيرة إلى أن هذه القائمة لا تقيم الأماكن بعدد آثارها، ولكن باحتفاظها بشكل عام بالحالة التراثية من بيوت سكنية وأسواق وأنشطة تدار حول الآثار الموجودة منذ القرن 17 و18، فمنطقة سوق السلاح تشكل هذه الحالة على سبيل المثال، فهي تضم البنايات المعمارية التراثية، وما زالت تحتفظ بمهنها القديمة من الصناعات المختلفة المرتبطة بالعصور الماضية.
وأشارت محرز إلى أن مجموعة من النشطاء المدافعين عن الآثار والأدباء والمؤرخين تقدموا بخطاب للنائب العام من خلال اللجنة القومية لإنقاذ التراث التي يرأسها جمال الغيطاني والدكتورة جليلة القاضي وأمنية عبد البر والدكتورة منى زكريا، وشهيرة محرز؛ من أجل إنقاذ آثارنا وسرعة تسجيلها والحفاظ عليها من الضياع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.