«حرية التعبير» مصطلح أرهق الحكومات والشعوب معًا، فالأخير يحارب ليدافع عن حقه في التعبير بالموافقة أو الرفض على قرارات الحكومة التي هي في الأصل تقع عليه سواء بالسلب أو الإيجاب، في المقابل تسعى الأولى إلى فرض سيطرتها على الشعوب حتى تصبح "خاتمًا في يدها" ولا تجد من يقول لها "لا". على الصعيد العربي كثيرًا ما نعاني تكميم الأفواه، لكن بنظرة على بلدان العالم الأخر نجد أنهم أيضًا لا يحترمون حرية التعبير ولا يرغبون فيها، رغم مع يروجونه من إعلاء شعائر الحريات منتقدون حكوماتنا العربية لأنها لا تحترم شعوبها. مؤخرًا نشرت جريدة الجاريان البريطانية، تقريرًا صحفيًا يشير إلى أن هناك حملة إعلامية شنتها الصحف القومية التركية ضد كلًا من: الروائية أليف شافاق والفائز بجائزة نوبل، أورهان باموك، متهمة إياهم بالخيانة والعمل لصالح الغرب، إذ أدعى رئيس الوزراء التركي «رجب طيب أردوغان» في مقالته الأخيرة، أن هذان الروائيان ينتميان لمنظمة تسمى «لوبي للأدب العالمي» تهدف إلى استقطاب الروائيين من مختلف البلدان لانتقاد حكوماتهم بما يخدم المصالح الغربية. «لم أسمع عن ما يسمونه ب"لوبي الأدب العالمي" من قبل، وليس جديد علي أن اتُهم بالتجنيد من قبل منظمات غربية لانتقاد الحكومة التركية، فقد اتُهمت في الماضي بخيانة القومية التركية لاعتراضي على مذبحة الأرمن، فكلما كتبت شيئًا وإن كان بسيطًا أنتقد فيه السياسة التركية اتُهم بالخيانة والعمالة للغرب، فدائمًا ما تسيطر نظريات المؤامرة في تركيا»، بهذه الكلمات بسيطة ترد «شافاق» على الاتهامات سالفة الذكر، مشيرة إلى أن هذه "الإدعاءات" نوع من جنون العظمة المصاب به أردوغان. حالة استغراب تنتاب «شافاق» بعد سماعها هذه الاتهامات، قائلة: هل يتخيل أحد، أن لدينا هذه السلطة التي تدعي افتراءً أن هناك منظمة أدبية عالمية تسمى "اللوبي" تجند الروائيين لانتقاد حكوماتهم، حقيقي هذه السلطة تقدم نموذجًا فريدًا في بث خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي. جو جلانفيل- مدير نادي القلم الدولي والمنظمة العالمية لحرية الأدباء، رأى أن إدعاءات الصحافة التركية بانتماء «إليف» و«أورهان» لمنظمة أدبية تجند الروائيين لانتقاد حكوماتهم حتى يفقدوا مصدقيتهم عند القراء "محاولة يائسة"، قائلًا: هذه الأساليب لا تجدي مع مثقفين مستقلين أمثال «إليف» و«اورهان» لديهم رصيد كبير من الثقة عند الجمهور، واصفًا ما حدث بال"ممارسة الروتينية التي ترتكبها الحكومة للترهيب" وكأنها ترسل إنذار لأي شخص ينتقدها أنها سوف تستخدم أنصارها في الإعلام لتشويه سمعته. أضاف مدير القلم الدولي: قامت الصحافة التركية باستعراض ملخص لرواية أورهان «غربة في ذهني» الذي انتقد فيه وضع النساء في المجتمع التركي، كدليل تقدمه على خيانة حائز نوبل بانتقاده لمجتمعه وتشويه صورته، مدعية أن الواقع ليس كذلك وللنساء قدر كبير من الاحترام والحرية، الغريب هنا أن هذا الدليل الذي تقدمه الصحف الموالية لحكومة أردوغان، يتناقض مع تصريحاته التي أدلى بها الشهر الماضي، التي أعلن فيها أنه لا يمكن المساواة بين النساء والرجال في تركيا، لأن هذا ضد الطبيعة، فالرجل خلق للعمل والمرأة للأمومة. تابع جلانفيل: هذه التصريحات أثارت استيائي، فما هي إلا بيانات طائشة، لكن الأمر المزعج هنا عدم اعترض المواطنين الأتراك عليها، وأصبح الصمت سيد الموقف، حتى الصحفيين لم يجرأ أحد على نقده حتى لا يفقد وظيفته، وهو ما يعد مؤشر خطير لتراجع حرية التعبير في تركيا.