«حروب الجيل الرابع».. عبارة رددها الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ شهر أغسطس الماضي، خلال لقائه برؤساء التحرير والإعلاميين المصريين، ووصفها بأنها المخطط الشيطاني الذي يضر بملصحة مصر، كررها مع بداية الأسبوع المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، خلال زيارته لجامعة القاهرة، محذرا من حروب الجيل الرابع، عبر مواقع إلكترونية تنشر أخبار خاطئة، وقنوات تحمل مخططات إرهابية. وفكرة «الجيل الرابع» تعتمد على نوع من «التمرد» الذي تستخدم فيه مجموعات غير نظامية كل الوسائل التكنولوجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية؛ بهدف إجبار العدو «قوة عسكرية نظامية» على التخلّي عن سياساته وأهدافه الاستراتيجية، وفقًا لورقة بحثية قدمها العسكري الأمريكي أنطوليو إتشيفاريا، الذي شغل مناصب رفيعة في مؤسسات بحث وتدريب تابعة للجيش الأمريكي. وتنتقل الحرب في هذه المرحلة من صراع مُسلح بين قوتين عسكريتين نظاميتين، إلى صراع بين «دولة» ومجموعات غير نظامية لا تستهدف تحطيم القوة العسكرية للدولة، بل إجبارها على الدخول في حالة من عدم الاستقرار وضعف السيطرة، والفشل في النهاية. نظرية «حروب الجيل الرابع» ليست كلامًا مرسلاً، فهي تعتمد على الكثير من الباحثين والأكاديميين ومحاولاتهم لإسقاطها على الواقع، خاصةً في دول أمريكا اللاتينية، لكنها كذلك ليست حقيقةً علمية مُثبتة، ولا مؤامرة معروفة، ونقدها وتفنيد حججها هو الغالب الآن في الدوائر العسكرية التي نشأت منها في الأساس. يرى الكثير من الباحثين أنها استُخدمت بشكل أساسي في تبرير فشل الحكومات الأمريكية المتعاقبة في احتواء خطر «الإرهاب»، والتعامل مع المجموعات المسلحة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والتقطتها عدة جهات في العالم الإسلامي لتشكيل صورة «المؤامرة» التي تُحاك ضدها، أو لدعم خططها، بنفس العبارات والألفاظ، بداية من تنظيم القاعدة نفسه. يقول أحمد عبد ربه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، إن نظرية الجيل الرابع، ما هي إلا تبرير للفشل المخابراتي والعسكري الأمريكي، وتعبير عن عدم الاعتراف بحقيقة تطور الفاعلين من غير الدول، وضعف قدرة الدولة على احتكار وسائل العنف التقليدية وغير التقليدية أمام عالم متعولم وشبكات علاقات بين فاعلين قادرة على تخطى الحدود التقليدية، وتم ترديدها كما هي للتخلص من أي مظاهر تعددية وديمقراطية، والتخلص من الخصوم السياسيين والحركات الثورية. وأوضح "عبد ربه" أن نظرية الجيل الرابع في مصر تكاد تكون منعدمة، وما هي إلا شبح يحاولون به فقط سيطرة الفكر الأمريكي دون فهم لترديد تلك المصطلحات الرنانة. من جانبه، قال الدكتور محمود سلمان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الرئيس السيسي، صعد بتلك النظرية منذ فترة الانتخابات الرئاسية، بحجة أن هناك مؤامرة للسيطرة على عقول الناخب المصري من خلال تمويل مواقع إلكترونية جديدة؛ من أجل ضرب الاستقرار في مصر، مشيرًا إلى أن نظرية الحروب الرابعة بدأت تدخل منذ ذلك الوقت في الإعلام المصري، حيث بدأ الجميع يتساءل عن حقيقتها وطبيعتها. وأكد "سلمان" أنه تم استخدام هذا المصطلح أيضًا في العمليات الأخيرة الخاصة بالشرق الأوسط، رافضا تسمية ما يحدث في مصر "حروب الجيل الرابع"؛ لأن تلك الحروب يكون لها هدف معين متمثل في نشر فوضى خلاقة، وهذا لم يحدث في مصر. وفى نفس السياق، قال الدكتور يسري العزباوي، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية، إن "حروب الجيل الرابع" تقوم على الشائعات، وتضخيم بعض الظواهر بشكل غير واقعي، واستخدام الجماعات الجهادية والمتشددة، سواء من قبل الإرهابيين أو بعض الدول في إثارة الفوضى داخل البلاد؛ لتفكيك المجتمعات والدول. وأضاف "العزباوي" أن أدوات هذه الحرب إعلامية تتمثل في "السوشيال ميديا" على وجه التحديد، واستخدام معلومات مغلوطة ونشرها في المجتمع على أنها حقائق، مشيرا إلى أن مصر حاليا تواجه حروب الجيل الرابع، بل هناك من يتحدث عن حروب الجيل الخامس المتمثلة في الحرب بالوكالة، كاعتبار جماعة بيت المقدس تخوض حروبا في مصر لصالح تنظيم داعش.