من اكثر الحروب فى التاريخ الحديث التى لا تتوفر عنها معلومات مؤكدة هى حرب أفغانستان التى خاضها المجاهدين الأفغان ضد الجيش الروسى فى الفترة ما بين 1979 و 1989 أو ما سمى بحرب التسعة سنوات وكان هذا الخلط الغريب فى المعلومات نتيجة ان القوى التى تتصارع على الارض لا تملك كل مفاتيح اللعبة ويكمن خلف الستار العديد من القوى الاخرى التى تدير الحدث وتؤججه فى اطار تحقيق مصالحها بدأت القصه فى عام 1973 بعد استيلاء الأمير محمد داود على الحكم وإنهائه الحقبة الملكية ولكن الامر لم يستتب له طويلا بسبب تنازع الاحزاب على السلطة وتنامى الحكات الشيوعية التى رفضها المجتمع الاصولى المحافظ مما ادى لحدوث انقلاب عسكرى عام 1978 لتصبح السلطة فى يد مجلس عسكرى ثورى يمثله فى الحياة السياسة حزب الشعب الديمقراطى الذى يسيطر عليه الفكر الشيوعى أيضا وبذلك اصبحت افغانستان محط انظار العالم بقوة وهى التى تجاور إيران وباكستان وهى الدولة القريبة من الخليج العربى والمحيط الهادى حيث منابع البترول وطرق التجارة العالمية وهنا بدأت الولاياتالمتحدة تستشعر الخطر من هيمنة سوفيتية قادمة لا محالة على افغانستان وربما تدخل عسكرى قد يمتد لجارتها لإيران التى سقطت بها حكومة الشاه الموالى لأمريكا وقامت جمهورية أسلامية تعادى الغرب وترفض الهيمنة وبعكس العداء التى اظهرته امريكا للحركة الإسلامية فى ايران فقد اظهرت الود والمحبة للحركة الاسلامية المتشددة فى جارتها افغانستان التى كانت ترفض بطبيعة الحال الفكر الشيوعى وترى ان التدخل الروسى فى بلادها من شانه طمس وتغيير الهوية الاسلامية ومعادة للفطرة والمنهج الالهى القويم ونتيجة الاضطرابات الشديدة والحنق المتصاعد فقد تورط الجيش الافغانى الضعيف فى صراع مع تلك القوى المتشددة التى يدعمها نظام قبلى صارم وأعراف مجتمعية لا تلين وكم هائل من المساعدات الامريكية الموثقة فى مجالى التسليح والاتصالات وبالفعل تداعت اواصر ذلك الجيش وخر قادته تحت اقدام الدب الروسى طالبين المساعدة ولكن الكريملين رفض بشدة هذا التدخل العسكرى اكثر من مرة برغم الالحاح الشديد من حكومة الرئيس الافغانى تراقى الموالى لروسيا ولكن لم يلبث هذا الرفض ان تغير بعد ان تم اغتيال تراقى عن عودته من احدى زيارته لروسيا واستلام رئيس وزراءه حفيظ الله امين للسلطة التى شكت وقتها المخابرات الروسية ان يكون عميلا لأمريكا او على الاقل موالى لها وخاصة بسبب خطابه الانفتاحى نحو الغرب فأمرت بسرعة تحرك قوات من الجيش لأفغانستان للسيطرة عليها وضمان الولاء وظن متخذى القرار ان الامر لن يستغرق ألا بضعة أسابيع او حتى شهور قليلة ولكن امريكا ابت ألا ان تلعب دور محورى فى الصراع وأعلن الرئيس كارتر فى احدى المؤتمرات الجماهيرية ان الغزو العسكرى السوفيتى لأفغانستان اخطر تهديدا للبشرية منذ الحرب العالمية الثانية وخاضت امريكا الحرب لحماية مصالحها وذلك بدماء الشعب الافغانى وتضحيات رجاله كما صرح مصدر امريكى قائلا " يجب ان نحمى مصالحنا ولكن بدماء غيرنا " ولعل المشهد العبثى الذى صور لأحد ضباط المخابرات الأمريكية يقف بين المجاهدين بشعرة الاشقر ونظارة شمسية وهو يقول لهم عن طريق مترجم " هذه اراضيكم التى ستسردونها بعون الله من المحتل الغاشم فقضيتكم عادلة والله فى صفكم " أصدق دليل على فحوى السياسة الامريكية فى تلك الحرب وبدأت الولاياتالمتحدة فى شراء الاسلحة لصالح المجاهدين من مصر وسوريا والصين وبلجيكيا بل وحتى من روسيا التى كان ينتشر بها الرشوة والفساد بل ودربت الحدادين على صنع بنادق الكلاشنكوف فى القرى الجبلية ليذوق الجيش الروسى حرب عصابات مرة فى جبال وعرة وممرات ضيقة وكهوف مظلمة ضد اكثر من 22 فصيل مختلف أحرجت الجيش الروسى ودفعت جنوده للارتماء فى احضان الحشيش والأفيون الافغانى الفاخر هربا من الواقع العسكرى المؤلم حتى تقرر روسيا الدفع بأعداد أكبر وجنودا اكثر تدريبا وتغير خطتها القتالية بالكامل لتعتمد على الأسلحة الثقيلة وطائرات الهليكوبتر والألغام الارضية والقوات عالية التدريب والتى يقابلها تطور نوعى ايضا فى تقنيات المجاهدين على يد أحمد شاه مسعود الذى نجح فى توحيد اكثر من فصيل تحت لواء واحد ليصبح جيش صغير قادر على توجيه ضبات اكثر قوة وخطورة وهنا قرر الرئيس جورباتشوف الذى لم يجد طائل من الحرب ان ينسحب تكتيكيا من أفغانستان محاولا ان لا يكون جيشه محل سخرية كما كان الجيش الامريكى عقب الأنسحاب من فيتنام واتفق مع اطراف الصراع الخفية متمثلة فى امريكا وبعض الدول الاوربية على ان يسحب جيشه مقابل توقف المساعدات التى تتدفق للمجاهدين وعلى ان يتولى رئاسة أفغانستان الرئيس محمد نجيب الله الموالى لروسيا وبالفعل انسحبت روسيا تدريجيا من افغانستان جراء اتفاقية عرفت باتفاقية جنيف وقدرت اجمالى خسائر الجيش الروسى من خمسة عشر الفا الى اربعين الف مقاتل وخسائر الجانب الافغانى لتصل الى ما يزيد عن 2 مليون قتيل وملايين الجرحى والمشردين لتغرق تلك البلاد فى حرب اهلية طويلة انتهت بسيطرة المجاهدين على كابول عام 1992 ثم سيطرة طالبان عليها عام 1996 وقامت بعد هذا طالبان وتنظيم القاعدة باغتيال أحمد شاه مسعود فى 9 سبتمبر 2011 قبل يومين من حادثة برج التجارة العالمى لتتورط الولاياتالمتحدةالامريكية فى صراع طويل مع حلفائها السابقين التى تولت تدريبهم وتسليحهم ولكنها استعانت بجيشها هذه المرة وضحت بدماء ابنائها