تتمتع العلاقات الروسية-التركية بالاستقرار والقوة خاصة في الجانب الاقتصادي، فرغم وجود العديد من نقاط الخلاف السياسي بين البلدين، إلا أنهما اتفقا على تنحية كل الأزمات والخلافات جانبا بهدف الحفاظ على الروابط الاقتصادية التي تجمع البلدين، فالأزمات السياسية والتصريحات النارية بين رئيسي الدولتين لا تؤثر على العلاقات الاقتصادية فيما بينهما، وهنا يكمن سر التعاون الشديد بين البلدين منذ أكثر من خمسة قرون. الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" يبدأ اليوم الاثنين زيارة رسمية إلى تركيا سعيا لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، فيما لا تزال هناك خلافات سياسية بين القيادتين أهمها الأزمة السورية، وتتسم زيارة "بوتين" إلى أنقرة بأهمية كبرى بالنسبة لروسيا بعد العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو جراء الأزمة الأوكرانية، كما تمثل أهمية قصوى لتركيا حيث تسعى أنقرة لتخفيض أسعار الغاز الروسي والحصول على كميات أكبر مع حلول فصل الشتاء، ومن المقرر أن تتم هذه الزيارة ضمن إطار مجلس التعاون رفيع المستوى، وهو مؤتمر بين حكومتي البلدين تأسس في عام 2010. تتضمن زيارة "بوتين" إلى أنقرة، والتي تستمر يومًا واحدًا فقط، إجراء مناقشات حول العلاقات الاقتصادية والتجارية، ومشروعات الطاقة، والتطورات في قطاع السياحة، وكانت أنقرةوموسكو قد حددتا في بادئ الأمر هدفا يتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري بينهما ليصل إلى 100 مليار دولار أمريكي في عام 2015، ولكنهما قامتا بتعديل الموعد النهائي لتحقيق الهدف إلى عام 2020. من ناحية الاستفادة الروسية من تركيا، فقد أكد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" أن موقف الحكومة التركية إزاء العقوبات "يفتح فرصا جديدة لزيادة التجارة الثنائية، وأضاف "نحن نقدر بشدة القرارات المستقلة التي اتخذتها تركيا بما فيها التعاون الاقتصادي مع روسيا، فقد رفض شركاؤنا الأتراك التضحية بمصالحهم من أجل طموحات سياسية لشخص آخر". أما من ناحية الاستفادة التركية من روسيا، فتبحث أنقرة عن سبل خفض الفاتورة التي تدفعها مقابل الغاز الطبيعي، وتستعد لمطالبة الجانب الروسي بالنظر في خفض أسعار البيع، فعقد الغاز الخاص بخط أنابيب "بلو ستريم" سينبغي تجديده العام المقبل حيث تطلب تركيا ضخ مزيد من الإمدادات في هذا الخط، ولم يتم التأكد بعد مما إذا كانت روسيا ستوافق على خفض أسعار الغاز المصدر إلى تركيا، كما ترغب روسيا في المشاركة في بناء مشروع محطة الطاقة النووية الثالثة في تركيا، وتقوم شركة "روساتوم" الروسية حاليًا بإنشاء أول محطة طاقة نووية تركية برأسمال مساهم قدره 20 مليار دولار في منطقة "أكويو" بمدينة "مرسين". يتناول الجانبان أثناء الزيارة، مراجعة نظام إلغاء التأشيرات الذي أقر في أبريل عام 2011، ففي الوقت الراهن، تسمح تركيا للسائحين الروس بالإقامة لمدة شهرين في تركيا بدون تأشيرة، فيما تسمح روسيا للزائرين الأتراك بالإقامة شهرا واحدا، وستطلب تركيا من روسيا زيادة مدة الإقامة إلى شهرين. العلاقات الاقتصادية والتاريخية القوية بين البلدين لم تمنع وجود خلافات سياسية عالقة بينهما، حيث تختلف البلدين حول الكثير من الأزمات السياسية، ففي الأزمة السورية مثلا، يطالب "أردوغان" بتنحي الرئيس السوري "بشار الأسد" من الحكم، وتدعم المعارضة المسلحة هناك وتقدم لها الأسلحة والتدريبات والملاذات الآمنة، فيما تعارض روسيا بشدة مثل هذا التحرك، ويُعتبر الرئيس الروسي أكبر الداعمين الدوليين لبقاء الرئيس السوري في منصبه. وفي الأزمة الأوكرانية فقد شكل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم والحرب الأهلية الدائرة في شرق أوكرانيا مصدرا آخر للاحتكاك بين البلدين، فأنقرة لا تعترف بعملية الضم، وتركز على ضرورة الحفاظ على سلامة أراضي أوكرانيا، وعبرت عن قلقها على مصير أقلية التتار فيها الناطقة باللغة التركية. أما في أزمة القوقاز فيدور الخلاف بين البلدين حول مرتفعات "قره باغ" في أذربيجان، إذ تقف تركيا بجانب الحكومة الأذربيجانية ضد الانفصاليين الأرمن في هذه المناطق، وتتهم تركياروسيا بعدم الضغط بصورة كافية على أرمينينا لوقف دعهما للانفصاليين. وفي مصر، لم تكن أنقرة بالطبع راضية عن الإطاحة بحكم "الإخوان المسلمين"، فهي الجماعة التي جعلت تركيا تشعر باستعادتها الإمبراطورية العثمانية، فأخذت تطلق الاتهامات على الجيش المصري وتهاجم السلطة الحالية وتتهمها ب"الانقلاب على الشرعية" مما جعل العلاقات المصرية التركية تتدهور، فيما تزدهر العلاقات المصرية-الروسية، من خلال تعاون القاهرة مع موسكو متجاهلة تمامًا تركيا، حيث زار الرئيس المصري "السيسى" روسيا مرتين، وينتظر الآن زيارة "بوتين" إلى مصر مطلع العام المقبل.