تعد العلاقات التركية–الروسية،نموذجا لتطوير العلاقات الثنائية مع دول المنطقة، وبرغم الخلافات السياسية العميقة حول القضايا الإقليمية والدولية، تتمتع العلاقات التركية–الروسية بالاستقرار والقوة في المجال الاقتصادي. هذه العلاقات مبنية على أساس السياسة الواقعية، فعلى الرغم من التباين في فهم العديد من قضايا السياسة الخارجية إلا أن البلدين لم يترددا في اتخاذ خطوات التعاون لتعزيز علاقاتهما، وما يؤكد ذلك هو زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا على رأس وفد مكون من عشرة وزراء، بما يمكن معه القول بأن العلاقات التركية-الروسية تمثل نموذجا لسياسة عقلانية وواقعية وصلت إلى مستوى أكثر تقدما وكفاءة في التاريخ الحديث. وتحرص أنقرة وموسكو على إيلاء أهمية بالغة للعلاقات الاقتصادية والتجارية ووضعها على أولويات القضايا بين البلدين، وتنحية الخلافات السياسية وعلى رأسها الخلاف في الآراء حول العديد من القضايا، ومنها الملف السوري، حيث يطالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم، فضلا عن دعم تركيا للمعارضة المسلحة هناك، فيما تعارض روسيا بشدة هذا التحرك. وإضافة للملف السوري، تعتبر أوكرانيا وضم روسيا لشبه جزيرة القرم والحرب الأهلية الدائرة في شرق أوكرانيا مصادر أخرى للخلافات بين البلدين. وبالنسبة لأرمينيا، تقف تركيا إلى جانب الحكومة الآذربيجانية ضد الأرمن وتتهم تركياروسيا بعدم الضغط بالشكل المطلوب على أرمينيا لوقف دعمها للأرمن، وبالنسبة لقضية جورجيا، تتهم روسياتركيا باحتضان وتدريب المقاتلين الشيشان في مدينة "سقاريا" وإرسالهم إلى روسيا، وهي الاتهامات التي ترفضها تركيا. أما بالنسبة للموقف في مصر، فقد أعربت تركيا عدة مرات عن موقفها المناهض للنظام الحالى وهو ما دفع العلاقات التركية–المصرية إلى التدهور، بينما تتطور العلاقات المصرية–الروسية من خلال التعاون الثنائي بين القاهرة وموسكو، مع تجاهل تام لأنقرة، حيث زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي روسيا مرتين وينتظر حاليا زيارة بوتين إلى مصر في بداية العام القادم. الأمر المؤكد هو أن أنقرة وموسكو لا تنويان التضحية بمصالحهما التجارية والاقتصادية بسبب الخلافات حول القضايا الإقليمية والدولية، بل يهدف البلدان إلى رفع حجم التبادل التجاري بينهما من 33 مليار دولار هذا العام إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2020. ترتبط تركيابروسيا بدرجة كبيرة في مجال النفط والغاز الطبيعي، فضلا عن تزايد الاستثمارات التركية في روسيا والعكس، إلى جانب الزيادة في أعداد السياح الروس القامين إلى تركيا لتصل إلى خمسة ملايين سائح. وإلى جانب ذلك، فإن منح مناقصة إنشاء المفاعل النووي التركي برأسمال قدره 20 مليار دولار في منطقة "آككويو" في مدينة مرسين بجنوبي تركيا والمطلة على البحر المتوسط إلى شركة روسية بلا شك سيمثل نموذجا يحتذى به للشراكة الاستراتيجية في ظل التصميم والعزم الواضحين لحكومتي البلدين على تقوية التعاون، بعيدا عن المواقف المتناقضة في العديد من القضايا الإقليمية والدولية. ويعتبر العامل الأهم في التطور المتسارع لعلاقات تركيا مع روسيا هو استبعاد الخلافات والتوجه للتعاون في تحقيق مكاسب تجارية ، فمن ناحية الاستفادة الروسية من تركيا أكد الرئيس الروسي بوتين أن موقف الحكومة التركية إزاء العقوبات يفتح فرصا جديدة لزيادة التبادل التجاري بين البلدين، مؤكدا أن بلاده تقدر القرارات المستقلة التي اتخذتها تركيا، بما فيها التعاون الاقتصادي مع روسيا، حيث رفض الأتراك التضحية بمصالحهم من أجل طموحات سياسية لشخص آخر، ومن ناحية الاستفادة التركية من روسيا، فقد توصلت أنقرة إلى خفض الفاتورة التي تدفعها مقابل الغاز الطبيعي إلى نسبة 6% اعتبارا من شهر يناير المقبل.