أدت أعمال العنف والهجمات المتتالية التي تقوم بها منظمة بوكو حرام المتطرقة في شمال شرق نيجيريا إلى فرار آلاف المواطنين النيجيريين إلى دولة النيجر المجاورة، ومنذ منتصف عام 2012 وحتى اليوم يعاني أغلبهم من أوضاع إنسانية صعبة ونقص شديد في توافر السلع الأساسية، في ظل تباطؤ حكومة النيجر غير المقصود في تقديم المساعدات الإنسانية وفي عملية تسجيل النازحين النيجيريين كلاجئين داخل دولة النيجر. وقالت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة إن الهجوم الذي شنته جماعة بوكو حرام على داماساك، المدينة الواقعة شمال شرق نيجيريا، على الحدود مع النيجر، مؤخراً أجبر ثلاثة آلاف شخص على الفرار إلى النيجر بعد سقوط خمسين قتيلا. وقال أدريان إدواردز، الناطق باسم المفوضية التي تتخذ من العاصمة السويسرية جنيف مقرا لها، إن "فريقنا في ديفا بالنيجر يقول إن الناس ما زالوا يصلون من نيجيريا". وأوضح أن معظم النازحين ينتظرون مراكب ليعبروا نهر "كامادوغو يوبي" الذي يفصل بين البلدين في حين يحاول بعضهم عبوره سباحة، مشيرا إلى أن السكان المحليين تحدثوا عن حصول حوادث غرق، على حد قوله. ويتزامن هذا مع إعلان الجيش عن مقتل 35 شخصا بينهم 5 جنود، شمال البلاد، في انفجار ناتج عن عبوة ناسفة، مساء أمس الأول. وكانت جماعة بوكو حرام المتطرفة قد استولت، الاثنين الماضي، على مدينة داماساك بعد أن تسلل مسلحوها إلى هذه المدينة الواقعة على بعد نحو مائة كلم من الضفة الغربية لبحيرة تشاد، متنكرين كتجار ويخفون أسلحتهم في حزم البضائع، ولم تعلن أبوجا حينذاك حصيلة الهجوم بدقة لكن مسؤولين محليين في البلدة، قالوا إنه أوقع العديد من القتلى والجرحى. ويشير مراقبون إلى أن شمال نيجيريا يشهد أزمة غير معهودة بسبب الأسلوب الذي تنتهجه هذه الحركة وربما يتفاقم الوضع أكثر ما قد يتسبب في كارثة إنسانية حقيقية مع تواصل غياب سيطرة سلطات البلاد على المناطق التي يتحكم فيها مسلحو بوكو حرام. ومنذ مايو من العام الماضي، أعلنت الحكومة النيجيرية حالة الطوارئ في ولايات بورنو ويوبي وأداماوا في شمال شرقي البلاد بهدف الحد من خطر بوكو حرام التي بات يتنامى في غياب استراتيجية واضحة من أبوجا لمكافحته. وخلال الأشهر الأخيرة، سيطرت الجماعة التي بايعت زعيم "داعش" على العديد من البلدات والقرى في تلك الولايات معلنة إياها جزء ممّا تصفه ب"أرض الخلافة الإسلامية". وجدير بالإشارة أن أكثر من ستة ملايين نيجيري على الأقل شرّدوا من مساكنهم منذ أن بدأت الجماعة حملتها العنيفة في العام 2009، وذلك وفقا لتقارير دولية. وكانت أحدث أعمال العنف التي نفذتها منظمة بوكو حرام أول أمس في أحد الأسواق التجارية قد أدى إلى فرار ألفين من السكان، كما أدت أحداث عنف مماثلة يوم 26 يناير الماضي إلى مقتل أكثر من مائة شخص في قريتي كاووري وداجاشاكوا في ولايتي بورنو وأداماوا على التوالي في شمال شرق نيجيريا، كما أدت هجمات يوم 18 من الشهر ذاته إلى فرار أكثر من 500 فرد من قرية غاشاكار بولاية بورنو إلى النيجر، عابرين نحو 2كيلومتر من نهر كومادوجو، الفاصل بين دولتي نيجيرياوالنيجر، للوصول إلى قرية جاسيري بالنيجر، حيث يقول كيلي بوستاف، الباحث بوكالة الأممالمتحدة لغوث اللاجئين، إن هناك ثلاثة أطفال لقوا حتفهم خلال عملية عبور النهر بسبب عدم قدرتهم على السباحة. يؤكد شهود عيان من قرية غاشاكار لشبكة الأنباء الإنسانية، التابعة لمكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن بوكو حرام تعمدت مهاجمة القرية وإحراق العديد من المنازل والمحلات التجارية ليلاً لأن شباب القرية قاموا بتشكيل قوة ذاتية للدفاع عن القرية التي كانت موضع استهداف من بوكو حرام، وهم مع ذلك لم يتمكنوا من المقاومة أو صد هجماتها، واضطروا إلى الفرار إلى أماكن أخرى داخل نيجيريا أو إلى النيجر. تكتظ مساكن قرية جاسيري في النيجر بأكثر من 20 شخصًا داخل المنزل الواحد بعد نزوح آلاف النيجيريين إليها، في وقت لا تتحمل فيه مساحة المنازل هذا العبء، ويتأخر وصول المساعدات الغذائية التي لا تكفي احتياجات النازحين حتى الآن، والذي يعد معظمهم من عرق الكانوري، وهو ذات العرق الذي ينتسب إليه سكان جاسيري، بينما هناك أكثر من 120 شخصًا من عرق الهوسا لجأوا إلى جاريندوجو على بعد 1.5 كم من الحدود بين الدولتين، ويعيش غالبية سكان عرق الكانوري في شمال شرق نيجيريا وجنوب شرق النيجر وغرب تشاد وشمال الكاميرون، وهم لا يشعرون بغربة صعبة داخل النيجر المجاورة، ولكن أوضاعهم الإنسانية تزداد صعوبة، حيث يقول أوسيني بوكار، عمدة بلدية جاسيري، "الحياة هنا صعبة للغاية.. لا يمكن توفير طعام من أسرة واحدة لأكثر من 10 أفراد فأكثر، على الرغم من قيام مفوضية الأممالمتحدة للاجئين بتقديم بعض المواد الغذائية وصفائح المياه والحصير لنحو 60 أسرة بالقرية". يؤكد كل من برنامج الغذاء العالمي ومفوضية شئون اللاجئين بالأممالمتحدة أن مراكز التغذية في المواقع الرئيسية لإيواء السكان المشردين داخل النيجر تعاني من أعلى معدلات سوء التغذية الحادة منذ مايو 2012 حينما بدأ تدفق آلاف اللاجئين عبر نهر كومادوجو، مما زاد من حدة الأزمة وتوقف حركة النساء النيجيريات اللاتي كن يقمن بعبور النهر إلى نيجيريا للحصول على الدقيق المطحون والعودة به إلى أماكن اللجوء،حيث أضحت مخاطرة عبور النهر عالية جدًا في ظل انتشار أعمال العنف وغياب الأمن على الجانب الآخر في نيجيريا، كما تضخمت أعداد الدارسين في الفصل الدراسي الواحد في قرية جاسيري والقرى المجاورة ليصل إلى 72 تلميذًا على الأقل، وتتمثل المشكلة الأكبر في أن وكالات الغوث الدولية وحكومة النيجر لم يتمكنا بعد من الوصول إلى جميع النازحين في أكثر من 20 قرية بالنيجر، حيث يقول دانيال حاجي عبده، مدير مكتب مفوضية غوث اللاجئين في بلدية ديفا بالنيجر، إن "عملية التسجيل الرسمي صعبة جدًا، إذ يتطلب الأمر الانتقال مسافة تتجاوز مائة كيلومتر بسيارات الجيب لتعبر الطرق الرملية الوعرة للوصول إلى مدينة بوسو لإتمام عملية تسجيل اللاجئين، ولهذا تظل الأرقام الفعلية للنازحين أكبر كثيرًا من 37 ألف لاجئ تم تسجيلهم بشكل رسمي حتى سبتمبر 2013، حيث لم يتم تحديث البيانات أو توفير فرصة تسجيل جديدة منذ وقت طويل". ثمة مخاوف أخرى تتعلق بتخوف حكومة النيجر من فتح عملية التسجيل دون ضوابط صارمة، حيث يمكن أن ينتقل بعض أفراد منظمة بوكو حرام إلى النيجر كمسجلين من اللاجئين لارتكاب أعمال تخريب داخلية، بل ما يزيد من تعقيد عملية التسجيل أن أطفالاً نيجيريين ممن تزوجوا بنساء من النيجر، واختاروا الجنسية النيجيرية، قد يسجلون أنفسهم كلاجئين رسميين، للحصول على مساعدات إنسانية، كما يقول إبراهيم عبده، ممثل مكتب ديفا بمكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في مدينة ديفا.