مصر جزء لا يتجزأ من القارة الأفريقية، وبدأت أهمية القاهرة في القارة السمراء بشكل خاص مع ثورة 23 يوليو 1952، فبرغم أن الدور المصرى فى القارة قديم بقدم جغرافيتها داخل القارة ، إلا أن ثورة يوليو تعتبر هي البداية الحقيقية التي انطلقت منها أواصر العلاقات المصرية الأفريقية تعتبر هي الجذور التي حفرت مصر في قلب أفريقيا ومرت تلك الفترة بعدة مراحل بلورت العلاقات بين الطرفين، لا سيما خلال عهد الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" حيث كان يتطلع الي آفاق عدة متناهية الطموح لمصر مستعينا في ذلك بصدامات لها صدى دولي واقليمي ومحلي تعزز من نفوذ مصر، حتى قال وزير الخارجية الأمريكي "جون فوستر دالاس" في ذلك الوقت لن تستطيع الولاياتالمتحدة اختراق القارة الأفريقية سوى بإقصاء عبد الناصر أو اغتياله. لم تكن جهود "عبد الناصر" منحصرة فقط في قضايا تحرير دول القارة الأفريقية ، بل كان عبد الناصر قاسم مشترك في كل قضايا القارة الهامة، ففى كل المؤتمرات والمحافل الدولية يندد بشدة بسياسات التمييز العنصرى وخاصة تلك السياسة التى تمارسها حكومة جنوب إفريقيا..وقد كانت مصر قد قطعت علاقاتها مع دولة جنوب إفريقيا فى 1 مايو 1961 بسب ممارستها العنصرية.. وكان الزعيم الجنوب إفريقى نيلسون مانديلا قد زار القاهرة والتقى جمال عبد الناصر قبل أن يتم القبض عليه فى أغسطس 1962، كما كان عبد الناصر حائط صد منيع داخل القارة في وجه إسرائيل فقد فضح الدور الذى تلعبه إسرائيل فى بعض من الدول الإفريقية لحساب دول كبرى لها أغراضها فى النيل من خيرات القارة السوداء..وكانت إسرائيل تعمل فى إفريقيا على إلغاء قضية فلسطين من اهتمامات الأفارقة مستندة على أن فلسطين ليست فى إفريقيا، لكن عبد الناصر تمكن من طرح القضية الفلسطينية فى كل المؤتمرات الإفريقية..واستطاع أن يضع فلسطين فى قلب غالبية الأفارقة وعندما جاءت حرب يونيو 1967 كانت غالبية الدول الإفريقية قد قطعت علاقاتها مع إسرائيل ووقفت جميعها وراء عبد الناصر. لم يكتف ناصر بقيادة أفريقيا نحو التحرر، بل واصل كفاحه داخل القارة وتوطيد دور مصر بعد تحرر القارة من الاستعمار بتحقيق إنجاز إفريقى فى يوم 25 مايو 1963 يوم صدور ميثاق"منظمة الوحدة الإفريقية"، حيث لم تكن منظمة الوحدة الإفريقية وليدة مؤتمر واحد..بل كانت نتاجًا لجهد وفكر وإعداد استمر لسنوات طويلة وحتى اللحظات الأخيرة التى سبقت التوقيع على الميثاق وكانت هناك مؤتمرات بمثابة محطات رئيسية مرت بها المنظمة إلى أن تم تأسيسها فى مايو 1963. بعد رحيل "ناصر"، جاء من بعده "أنور السادات" بسياسة مغايرة تماما، حيث اكتسب إلى حد ما صداقة الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب فعادته الدول العربية وقطعت علاقاتها مع مصر وابتعدت الدول الإسلامية عن مصر وتجاهلت الدول الافريقية مصر وتجاهلتها مصر، الأمر الذي أضعف من نفوذ القاهرة داخل القارة السمراء وعزز من المحاولات الهادفة لقطع أواصر العلاقات بين القاهرة ودول القارة الأفريقية. مع تولي الرئيس المخلوع "حسني مبارك" حكم القاهرة، اتبع سياسة ثالثة مخالفة لسياسة سابقيه واتبع سياسة هادئة ومهادنة لا تتدخل في شئون الدول الأخري مهما كانت الظروف ولا يتخطى حدود مصر، خاصة بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها في أديس أبابا 1995 أخذت مصر في الابتعاد عن القارة واغتربت عن مشاكلها فخلف هذا الاهمال فجوة ملأ فراغها الدول المعادية كإسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها وبدت القارة ملعباً استراتيجيا واقتصاديا ضد مصر ومصالحها داخل القارة السمراء. مع اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، مرت القاهرة بعدة اضطرابات داخلية، الأمر الذي أدى لتراجع علاقات القاهرة مع دول القارة، خاصة مع صعود الإخوان المسلمين للسلطة، حيث وقعت مصر ضحية لسياسة غير ممنهجه، بل تغيرت صورة مصر في عيون العالم بسبب ارهاصات الإخوان التي جعلت الدول الإفريقية تستهين بمصر ولا تعيرها الاهتمام المعهود، بل وصل الأمر لحد الاستخفاف عندما حولت إثيوبيا مجرة نهر النيل الأزرق بعد عودة الرئيس المعزول "محمد مرسي" مباشرة من أديس أبابا. بعد الاطاحه ب"محمد مرسي" من الحكم علق الاتحاد الإفريقي عضوية القاهرة على أساس أن ما حدث بمصر انقلابا عسكريا، وظل الأمر كذلك حتى مراجعة الاتحاد لقراره والاعتراف بأن ما حدث في القاهرة لم يكن انقلابا صريحا، وعلى إثر ذلك تقرر رفع تعليق عضوية القاهرة في الاتحاد الإفريقي، ومنذ ذلك الوقت بدأت تستعيد مصر دورها الطبيعي في القارة السمراء، حيث أجرى الرئيس "عبد الفتاح السيسي"جولة أفريقية في أولى زياراته الخارجية تضمنت ثلاث دول فى مقدمتها الجزائر ثم غينيا الاستوائية وختمها بالسودان. مشاركة مصر فى قمة الاتحاد الإفريقي التي عقدت بغينيا شهر يونيو الماضي، فتحت صفحه جديدة فى علاقاتها الإفريقية، وهذا ما كشفت عنه المباحثات الهامة التى أجراها "السيسي" فى العديد من الملفات الشائكة التى كانت تؤثر سلبا على علاقات مصر ببعض الدول وفى مقدمتها أزمة سد النهضة والتعاون والتنمية مع عدد من الدول الإفريقية وعودة الدور المصري فى إفريقيا، ولعل أبرز الإنجازات التي تحققت هي تمكنه من تغيير مسار السياسة الخارجية إذ نجح في إقناع الدول الإفريقية لتغيير سياساتها ومواقفها تجاه ثورة 30 يونيو، فكانت أجندة الزيارات الخارجية للرئيس السيسي مهمة في التوقيت والاتجاه. وفي إطار بذل الجهود المكثفة لعودة دور مصر الرائد داخل القارة أعلنت مصر عن تدشين وكالة التنمية الأفريقية التي تهدف إلى التركيز على دعم المشاريع التنموية الكبرى في البلدان الأفريقية والدول النامية الأخرى التي تربطها معها علاقات ودية، و ستركز وكالة الشراكة من أجل التنمية المصرية أساسا على المجالات التي تحتل فيها القاهرة ميزة نسبية وخبرة كبيرة، من بينها مجالات الاتصالات والنقل وتكنولوجيا المعلومات، فضلا عن الصحة والزراعة والطاقة. مؤخرا، بدت الكثير من المؤشرات التي تؤكد على عودة القاهرة إلى القارة السمراء مجددا، حيث تكثفت لقاءات الرئيس "السيسي" مع الرؤساء الأفارقة وتم تبادل الزيارات مع عدد من دول الجوار الأفارقة، كان آخرها زيارة رئيس جنوب السودان "سلفاكير" إلى القاهرة الجمعة الماضية، كما قامت مصر مؤخرا بشكل فعلي تدريب 22 دبلوماسيًا من جنوب السودان في مصر تحت إشراف وكالة التنمية، كذلك التقى "السيسي" بوفد الكوميسا الشهر الماضي لتذليل أي خلافات مع دول القارة الإفريقية خاصة مع أثيوبيا لحل أزمة سد النهضة في ضوء التطلعات التنموية الإثيوبية مع الحفاظ على حقوق مصر المائية في نهر النيل.