شرعت الإدارة الأميركية في اغسطس الماضي لتأكيد ثوابت المصالح الأميركية في علاقاتها بمصر، والتي شدد عليها الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه الاستراتيجي في اكاديمية "ويست بوينت" العسكرية في يونيو الماضي، وهي أمن إسرائيل المرتبط بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، سلامة الملاحة في قناة السويس، محاربة التطرف والإرهاب، والتأكيد على أن ذلك لابد أن لا يتعارض مع جهود دفع الإصلاح وحقوق الإنسان. وأعتبر البعض أن خطاب أوباما وقتها بداية لتحسين العلاقة مع مصر ما بعد الثلاثين من يونيو، وعلى أساس السابق وفي ظل خطوطه العريضة. وبعد ذلك أتى "التحالف ضد داعش" وأهمية أن تكون مصر جزء من عملية إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة، وما خُتم بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الولاياتالمتحدة ولقائه بنظيره الأميركي. وبخصوص ما بين القاهرةوواشنطن في هذا السياق لا يوجد وضع أدعى لتعجيل التوافق وتطويره أكثر من وضع سيناء الراهن، الذي يرتبط بكافة محددات العلاقة الاستراتيجية بين البلدين. في هذا الصدد، نشر الباحثين الأميركيين، "ديفيد شينكر" و"إريك تراجر" المختصان بالشأن المصري، ورقة بحثية لهما نشرتها شبكة فوكس نيوز الأميركية، طرحوا فيها رؤيتهم عن ضرورة تعزيز التعاون من جانب واشنطن تجاه النظام المصري الجديد، وإنهاء النقاط الخلافية المتعلقة أكبر بحقوق الإنسان، واعطاء الأمن ومكافحة الإرهاب في سيناء وليبيا الأولوية القصوى وما يتبع ذلك من توسيع شراكة متبادل بين القاهرةوواشنطن. وفيما يلي نص المقال: في أواخر الشهر الماضي هدم الجيش المصري 800 منزلاً في مدينة رفح، وتدعي القاهرة في هذا السياق أن هذا الفعل ثقيل الوطأة -الذي أعقب هجوم 24 أكتوبر الذي قتل فيه 31 جندياً في شمال شبه جزيرة سيناء- كان ضرورياً لوقف تدفق الأسلحة والمسلحين من قطاع غزة إلى شبه الجزيرة. إلا أن تكتيك "الأرض المحروقة" هذه أدت إلى توجيه الأممالمتحدة إدانة فورية وعززت دعوات واشنطن لإعادة التفكير في دعمها للجنرالات. ما حدث في رفح يعقد كذلك عملية تسليم المساعدات العسكرية الأمريكية إلى مصر. فقبل أن تستطيع الولايات صرف 575.5 مليون دولار الدفعة الأخيرة من أصل 1.3 مليار دولار، لا بد لوزير الخارجية جون كيري من أن يؤكد أن مصر تتخذ الخطوات اللازمة نحو تحقيق الديمقراطية. غير أن النزوح السريع لأكثر من 1100 أسرة يجعل الوصول إلى هذا المعيار أكثر صعوبة. ولكن يجب على واشنطن أن تولي اهتماماً أكبر في مساعدة مصر على هزيمة الجهاديين بدلاً من معاقبة القاهرة على النهج القمعي الذي تتبعه في سيناء. ففي النهاية، لقد قتل الإرهابيون الذي يتخذون سيناء مقراً لهم أكثر من 500 عنصر من الجهاز الأمني المصري في خلال السنوات الثلاث الماضية، وشنوا هجمات عبر الحدود ضد إسرائيل، وفي بعض الحالات، حاكوا تكتيكات قطع الرؤوس التي يتبعها تنظيم"داعش"، الإعلان الأخير عن مبايعة "أنصار بيت المقدس"، الجماعة الجهادية الأكثر فتكاً في سيناء، لتنظيم "داعش" يجعل من الضروري لواشنطن أن تبدأ في العمل بشكل أعمق مع مصر في مكافحة الإرهاب. من المؤكد أن الانتقادات الموجهة للفعل الذي اتخذه الجيش المصري كانت مستحقة، فالهدم الكبير للمنازل برفح عملية معتمة بشكل استراتيجي. وبينما ألقت القاهرة اللوم في تصاعد موجات العنف على حركة "حماس المسيطرة على غزة، إلا إن الجهادية المتمركزة في سيناء تتكون من السكان المحليين نتيجة لعقود طويلة من سياسة الإهمال التنموي والحكم القمعي من الحكومة المصرية تجاه شبه الجزيرة، فتخاطر القاهرة من خلال أعمالها الأخيرة في إبعاد هؤلاء السكان بصورة أكثر، وهم الذين ينظرون أصلاً إلى الدولة بانعدام شديد للثقة، مما قد يشجع المزيد من المواطنين في سيناء على دعم الجهاديين. لكن نادراً ما تُسمع هذه الانتقادات في مصر لأن الجمهور المصري يرى على نطاق واسع أن الدولة القوية، وحتى القمعية، ضرورية لمعالجة مجموعة واسعة من التهديدات. فعلى المستوى المحلي، يواجه المصريون تصاعداً كبيراً في نسبة الإرهاب في اتجاهات متعددة: من الجهاديين المستقرين في سيناء شرقاً ومن المقاتلين المستقرين في ليبيا غرباً. كما وأن المصريين يخشون عودة جماعة "الإخوان المسلمين"، التي قامت كوادرها وفقاً للتقارير بإغلاق الطرق ومهاجمة مراكز الشرطة وتخريب أبراج الكهرباء منذ أن استجاب الجيش للاحتجاجات الحاشدة عبر الإطاحة بزعيم "الإخوان" السابق محمد مرسي من القصر الرئاسي في يوليو الماضي. وعلى الصعيد الإقليمي يشاهد المصريين بيئة الاضطراب هو الوضع العادي مع تداعي "الدولة" في ليبيا وسوريا والعراق واليمن. هذه المخاوف يجب أن تبين أن الأمن لا الديمقراطية هو ما يشكل الأولوية القصوى لقطاع كبير من المصريين، الذين يروا أن الحملة التي يشنها جيشهم في سيناء هي أساسية لهزيمة الإرهاب في الداخل وتجنب نزعة الفوضى التي تسود اقليم. وبالنظر إلى الطبيعة المميتة للتهديدات التي تواجه المصريين فستفسر دوماً الاستنكارات الغربية لتكتيكات الجيش في سيناء باعتبارها خطوة عدائية. ولهذا السبب، إذا أرادت الولاياتالمتحدة من مصر أن تحارب الإرهابيين في سيناء مع أخذ حقوق الإنسان في الاعتبار بدرجة أكبر، والأهم من ذلك أن تحاربهم بفعالية أكبر، يترتب على واشنطن أن تلعب دورها كشريك، وليس كلاعب يبقى على الهامش. وكحد أدنى، ستتطلب الشراكة الحقيقية قيام الإدارة الأمريكية باتخاذ الخطوات اللازمة لضمان تقديم المعدات العسكرية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب إلى مصر من دون أي تأخير غير مبرر. التأجيل المطول الذي شهده هذا العام في تسليم 10 طائرات هليكوبتر من طراز أباتشي لم ينتج عنه إحباط القاهرة وعن قيام اضطراب في العلاقة الثنائية فقط، بل عن إضعاف حملة مكافحة الإرهاب في سيناء. وبالتالي، فإن منع تسليم هذا النوع من المعدات الضرورية لا يخدم المصالح المصرية ولا الإسرائيلية ولا الأمريكية في المنطقة. أما بعد تخطي الإطار الزمني المناسب لتقديم أنظمة التسليح والذخيرة، فيمكن للولايات المتحدة تزويد الجيش المصري بالمساعدة التقنية، وربما الكشف عن المعلومات الاستخباراتية التي تفيد عمليات الاستهداف، بغية المساعدة على التقليل من الأضرار في سيناء. لعل الأهم من ذلك، ولمساعدة مصر في تأمين سيناء، أن تساعد واشنطنالقاهرة في وقف تدفق الأسلحة والأفراد من ليبيا، التي أصبحت دولة فاشلة منذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي في عام 2011. وبالتحديد يجب على واشنطن أن توسع مساعدتها التقنية والمادية الموجهة لحل إشكالية هذه الحدود، بما في ذلك برنامج التدريب الذي تموله الولاياتالمتحدة المتعلق بالتدخل البحري (السريع). وفي الوقت نفسه، يجدر بواشنطن أن تكون أكثر حذراً في محاولاتها الحد من العمل الوقائي المصري الناشط في ليبيا. ففي أعقاب الغارة الجوية المشتركة بين الإمارات العربية المتحدة ومصر التي استهدفت إرهابيين عبر الحدود في شهر أغسطس، اشتكت الإدارة الأمريكية من أن "التدخل الخارجي في ليبيا يؤدي إلى تفاقم الانقسامات الحالية ويضعف عملية التحول الديمقراطي في ليبيا". وعلى الرغم من وصف الإدارة هذا، فإن ما يحدث الآن في ليبيا شبيه بالحرب الأهلية أكثر من كونه "تحولاً ديمقراطياً". فبدلاً من محاولة تقييد مصر، ينبغي على واشنطن أن تثني بهدوء على روح المبادرة لدى القاهرة، وهي خطوة قد توفر فرصة لصياغة خطوات مستقبلية شبيهة، بدلاً من أن تشكل هذه الأخيرة عامل دهشة. وأخيراً، فبالإضافة إلى تزويد مصر بالأدوات اللازمة لتحقيق حل عسكري للوضع الراهن، يجب على واشنطن أن تقيم شراكة مع القاهرة لمساعدتها في وضع خطة اقتصادية لجعل سيناء والصحراء الغربية بيئتين أقل استضافة للإرهابيين. وفي حين أن التنمية الاقتصادية وحدها لن تؤدي إلى هزيمة المقاتلين الاسلاميين، إلا أنها قد تؤدي بمرور الوقت إلى التقليل من بعض العداء تجاه الدولة في نفوس هؤلاء المصريين الغاضبين. ومن غير الواضح اليوم ما إذا كانت مصر تفوز في حربها ضد الإرهاب. لكن نظراً إلى أهمية العلاقة الاستراتيجية التي تربط مصر والولاياتالمتحدة منذ مدة طويلة، وحيث أن كلا الدولتين تقاتلان جهاديّ تنظيم "الدولة الإسلامية"، فقد حان الوقت لتضع واشنطن ثقلها في حل القضية. لقد أثبت النظام المصري الحالي التزاما فريداً من نوعه في محاربة الإرهابيين ولا بد لواشنطن من أن تساعد القاهرة في شن تلك الحرب بفعالية أكبر، وكذلك بإنسانية.