تعتبر هجرة اليهود إلى فلسطينالمحتلة حجر الزاوية لإستمرار الكيان الصهيوني داخل منطقة الشرق الأوسط، حيث يلعب العنصر البشري دور محوري في القضية الفلسطينية، وكثيرا ما حاولت تل أبيب استغلال الأزمات الإقليمية والعالمية لتحقيق مكاسب خاصة بها في القضية الفلسطينية عبر السعي لجذب اليهود من مناطق الصراع إلى الأراضي المحتلة. خلال الفترة الأخيرة الماضية، تسعى تل أبيب لجذب يهود إقليم كردستان العراق من أجل توسيع البعد الديموغرافي تحت مسمى الدولة اليهودية، بالإضافة إلى أن جلب يهود جدد للأراضي المحتلة يمكنها من بناء المزيد من المستوطنات الغير شرعية. وفي هذا السياق تشير الدراسات البحثية إلى أن الحركة الصهيونية استطاعت جذب نحو 650 ألف مهاجر يهودي حتى مايو عام 1948، وبعد الإعلان عن قيام إسرائيل في العام المذكور، سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على جذب مهاجرين جدد من يهود العالم، فاستطاعت جذب أكثر من أربعة ملايين يهودي خلال الفترة 1948-2013، بيد أنه هاجر من فلسطينالمحتلة نحو 20% منهم نتيجة عدم قدرتهم على التلاؤم مع ظروف مختلفة عن بلد المنشأ في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها. تسعى المؤسسة الإسرائيلية منذ سنوات إلى ترسيخ فكرة يهودية إسرائيل على الأرض من خلال تهويد الزمان والمكان في فلسطين، سعيا لتهيئة ظروف أكثر جذبا ليهود العالم باتجاه فلسطينالمحتلة، لأن الهجرة اليهودية هي العامل الحاسم لقلب الميزان الديموغرافي لصالح إسرائيل على المدى البعيد، وهذا يعتبر الهدف الأسمى لفكرة يهودية إسرائيل. ومع تطور الأوضاع في الشرق الأوسط ودخول داعش إلى العراق، بدأت مخاوف يهود كردستان العراق في الظهور، حيث قال موقع "اليجماينر" الأمريكي إن مئات اليهود في المجتمع الكردستاني قلق للغاية بشأن تقدم تنظيم داعش الإرهابي في منطقتهم، ويطالب الكثير منهم إسرائيل ودول أخرى بالتدخل لإنقاذهم. ويشير الموقع إلى أن المئات منهم جزء من الثمانية ملايين كردي حول العالم والذين يشاركون في المعركة ضد داعش، حيث يقول "سامي" وهو مواطن يهودي في أربيل إنه يتشارك في مشاعر عدم اليقين المستقبلية مثل العديد من المواطنين الذين فروا، ويضيف:" داعش على بعد 20 كيلومتر من اربيل، وكل اليهود فروا من منازلهم متجهين إلى الجبال"، وطلب من وزارة الداخلية توفير تصاريح الهجرة للشباب إلى إسرائيل. هناك تعاون منذ فترة طويلة بين الأكراد وإسرائيل، حتى قبل إنشاء الدولة الصهيونية، فقد كشفت الوثائق والصور التي ظهرت في كتب وتقارير من بينها كتاب "شلومو نكديمون" وهو يهودي أمريكي تابع هذا الملف الكردى الإسرائيلي في كتابه "الموساد في العراق ودول الجوار"، "انهيار الآمال الإسرائيلية الكردية"، حيث يقول "نكديمون" إن هدف الأكراد منذ سنين طويلة هو بناء الدولة الكردية، وقد بدأ الملا مصطفى البرزاني الزعيم الكردي السابق العمل لتحقيق هذا الهدف منذ عام 1943 وهو العام الذي هرب فيه من السليمانية إلى برزان مسقط رأسه وأعلن عن العمل ضد حكومة العراق، وبدأ بحرب العصابات ضد الجيش العراقي والجندرمة العراقية ونجح في احتلال بعض المواقع الحدودية. بدأت الاتصالات بين اسرائيل وأمريكا لمعرفة أهداف ونوايا البرزاني وأطلق عليه أبا يبان وزير خارجية اسرائيل وقتها لقب البرزاني الأحمر عام 1959، ورغم ذلك نشطت العلاقات بينه وبين جهاز المخابرات الإسرائيلي، وعلى إثر المعارك التي خاضها ضد الجيش العراقي عام 1961 طلب من إسرائيل أسلحة وذخائر وأدوية لمعالجة الجرحى الأكراد وتقديم المساعدة لإنشاء محطة إذاعة كردية جديدة، وفي هذه الفترة كانت الاتصالات مع تل أبيب تتم عن طريق نشاط الأكراد في أوروبا مع السفارات الإسرائيلية وعلاقة البرزاني بصديقه القديم "موريس فيتشر" سفير إسرائيل في روما. مؤخرا عبر كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" ووزير خارجيته "أفيجدور ليبرمان" بحماسة واضحة عن تأييدهما المطلق لحق كردستان العراق في الاستقلال، ووعد "نتنياهو" هذا التطور بمثابة "ضمانة استقرار في مواجهة القوى المتطرفة التي تريد العبث بالمنطقة"، وإن كانت العلاقات السرية بين إسرائيل وأكراد العراق، والتي توطدت في ستينيات القرن الماضي، ليست سرا، إلا أنها المرة الأولى التي يبادر فيها كبار المسؤولين الصهاينة للتعبير عن موقف سياسي داعم لأكراد العراق، حيث ظل صناع القرار في تل أبيب يخشون أن يؤثر الإفصاح عن طابع العلاقات مع الأكراد سلبا على مستقبل هذه العلاقات. لا يوجد خلاف في تل أبيب على أن استقلال كردستان العراق وإعلانها دولة مستقلة يمثل تحولا جيواستراتيجيا، يعزز الأمن القومي الإسرائيلي بشكل كبير، فمنذ تفجرت ثورات الربيع العربي، دعت محافل التقدير الاستراتيجي ومراكز التفكير الرائدة في الكيان الصهيوني صناع القرار في تل أبيب إلى المساعدة على تدشين دولة كردية كبيرة، تشمل الأكراد في العراق وتركيا وسوريا وإيران. اعتبر السفير الإسرائيلي الأسبق في عمان وبروكسل "عوديد عيران" والذي يعتبر أحد أبرز الباحثين في مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، و"عوفرا بانجو" الباحثة في مركز دايان للأبحاث الاستراتيجية التابع لجامعة تل أبيب، أن تدشين كيان كردي مستقل في شمال العرق "يمثل ذخرا استراتيجيا من الطراز الأول لإسرائيل، لأن ولادة مثل هذا الكيان ستؤدي إلى إضعاف دول قومية في حالة عداء، أو توتر مع إسرائيل، وهي، إيرانوالعراق وسوريا.