ناقد أدبى صعيدى حتى النخاع، لا يعرفه الكثيرون من نخبة الفضائيات، ولكن تكمن شهرته في الوسط الثقافى ببنى سويف والصعيد الفقير ماديًّا وخدميًّا والغنى عقليًّا وفكريًّا. قام بتأليف الكثير من الكتب منها على سبيل المثال "حول الاسلام والتأسلم ومشروعنا النهضوى – عام 2008″، "قراءة فى نصوص عامية معاصرة – 2014″، "التكتيك والاستراتيجية فى نجاح البعثة المحمدية (التجارة)، و"سقوط إمبراطورية الإخوان فى بنى سويف (تحت الطبع)". شارك فى الكثير من المؤتمرات والندوات والأمسيات الثقافية، عضو بمؤتمر أدباء مصر، وأمين عام موتمر اليوم الواحد. "البديل" أجرى حوارًا معه للتعرف على جوانب الثقافة بالصعيد المهمش والمشكلات التى تعانيها قصور الثقافة. فى البداية نريد التعرف منك على أسباب تأخر الثقافة المصرية ونشرها بجانب الإهمال الذى تعانيه الثقافة المصرية؟ من أهم مشكلات الثقافة المصرية مشكلة "الشللية والمرتزقة التى أسسها نظام مبارك ووزير ثقافته فاروق حسنى، حينها تم تدجين المثقفين والسيطرة عليهم وربط كل مجموعة ببعض المكاسب الصغيرة على حسب نوعيتها. وهذا الأمر جعل دور المثقف بالمجتمع محدودًا جدًّا، إضافة إلى وجود مؤسسات تمثل عبئًا على العمل الثقافى ويعد وجودها إهدارًا للمال العام كالمجلس الأعلى للثقافة والذى يتلخص دوره فى وضع استراتيجية للثقافة ومتابعتها، وكيف يحدث ذلك وهو خاضع لوزير الثقافة نفسه؟ فكيف يكون المجلس معينًا ويتابع ويراجع ملاحظات الوزارة أو الوزير؟ لذلك نرجو من صانع القرار وحفاظًا على المال العام تقليص مهام "المجلس الأعلى للثقافة" للمهام المنوط بها مع تبعيته لمجلس الوزراء مباشرة. أما دور "هيئة قصور الثقافة" فحدِّث ولا حرج، فميزانيتها من المفترض أن توزع على جميع المحافظات؛ لكى يستطيع المثقفون والأدباء توصيل الخدمة الثقافية لكل مركز وقرية ونجع، وحتى نستطيع محاربة الأفكار المتطرفة. ويأتى الأهم أن ميزانية الثقافة يهدر أغلبها فى بند "المرتبات" وبعض الأنشطة غير الفاعلة فى المجتمع، فيجب زيادة الميزانية على أن تنال هيئة قصور الثقافة 80 % منها بصفتها المتلاحم الأول مع الجمهور والشعب المصرى مع القضاء على الروتين والبيروقراطية اللذين يعرقلان العمل. ويأتى جانب مهم أيضًا وهو أن أغلب المحافظين لا يقدمون النسبة المئوية التى يجب أن تقدم من مدخلات المحافظة لدعم وتفعيل العمل الثقافى، ويرون أن الثقافة نوع من "الترف"، وأنه يجب عليه أن يقدم الطعام والصرف الصحى… الخ، وكأن الإنسان آلة أو نوع من المخلوقات التى لا يجب عليها أن تتثقف، وإنما تأكل وتشرب فقط. كيف ترى أهمية الثقافة بالنسبة للمواطن العادى البسيط؟ لقد قام العرب المسلمون بفتح البلاد وكان لديهم حضارة وتاريخ وثقافة وما زال العرب مستمرين بثقافتهم، والمتابع جيدًا للغزوات، سيجد أنه لولا وجود ثقافة لدى العرب لما أمكنهم فتح البلاد، والذين لم يكن لديهم ثقافة ذهبوا إلى زوال، فما فعله البعض ببغداد خير شاهد على ذلك، فالثقافة مهمة للمواطن العادى مثل المأكل والمشرب؛ لذلك إن لم تستخدم القوى الناعمة فى تطوير المجتمع وبنائه ومحاربة الأفكار الظلامية المتخلفة، فنحن بالتالى نضع عبئًا ثقيلاً على كل الأجهزة الأمنية، ولو أنفقنا فى الثلاثين عامًا الماضية ما يساوى 25% مما أنفق على الأجهزة الأمنية لكانت مصر أفضل حالاً. الجميع يتذكر الصالونات الثقافية وأهميتها ومساهمتها فى أكتشاف النابغين، لماذا لم يعد لها وجود حاليًّا؟ غياب فكرة الصالونات الثقافية التى ساهمت فى تطوير فكر النخبة الثقافية بسبب سيطرة مبدأ "السبوبة أو السمسرة"، فانشغل الجميع بحياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وفى بنى سويف تم عمل تجربة مماثلة لتلك الصالونات بعد واقعة حريق مسرح بنى سويف، وتم عمل ورشة نقدية بحزب التجمع، وسوف تتم إعادة إحيائها بحزب التحالف الشعبى الاشتراكى لجذب المبدعين وبعض النقاد من خارج المحافظة؛ لزيادة التفاعل والتطوير وتبادل الخبرات، وكلنا عزم على إقامة صالون أدبى ثقافى، واستجاب للفكرة الكثير من المثقفين، وسوف نعقده مرة واحدة شهريًّا؛ وذلك لتحريك المياه الراكدة بالثقافة. من وجهة نظرك هل أنت راضٍ عن التواجد الفعلى للمثقفين المصريين على الساحة العربية والإفريقية؟ مصر تعتبر رائدة الحركة الإبداعية والثقافية بالعالم العربي، فنحن نقلنا الرواية والمسرح والقصة القصيرة للدول العربية التى تستعين بالأدباء المصريين والمفكرين والمثقفين، وما زال تواجد المثقف المصرى خارج حدود الوطن مؤثرًا وفعالاً، فما من محفل أدبى أو ثقافى فى العالم العربى إلا ويكون به كوكبة من المثقفين المصريين. أما إفريقيا فللأسف غابت وسائل الاتصال بها طيلة الفترات السابقة بسبب قطع النظام السابق لشرايين سبل الاتصال والحوار مع القارة الإفريقية، والآن أصبح على أجندة المثقفين المصريين وباتحاد الكتاب المصريين تم عقد مؤتمر بعنوان "الأدب والإبداع الإفريقي فى عيون المصريين" بمحافظة أسيوط، ونرجو مزيدًا من الفعاليات المؤثرة كهذا الموتمر، وليت الحكومة تتبنى مشروعًا لاستضافة المبدعين الأفارقة بقصور الثقافة المصرية وكسر حدة القطيعة مع الإخوة الأفارقة قريبًا. كيف ترى التهميش الممنهج والذى تم خلال السنوات الماضية للمثقفين وظهور ما يعرف بالنخب التى لا تعرف شيئًا عن هموم المواطن البسيط؟ ببساطة السبب فى هذا الأمر هما الثنائى فاروق حسني وجابر عصفور اللذان اعتبرا الثقافة للنخبة الثرية فقط ولا وجود للأقاليم رغم أن الأقاليم هى سبب مشكلات مصر، والذى يحرك الشعب هم مجموعات متحركة ومتلاحمة مع الشعب وتعمل معه فى كل شيء، ومن أضاع ثمار الثورتين النخب الثقافية والسياسية، ففي ثورة 25 يناير سلموا مصر للإخوان، وحتى الآن لا يقومون بدورهم لتطوير وبناء الوطن فى الوقت الحالى، وأغلب هذه النخب التى تراها بوسائل الإعلام من مرتزقة الأنظمة مهما اختلفوا. ما هو تقييمك للمستوى الذى وصلت إليه دور الثقافة والمسارح؟ الثقافة مثل المريض الذى يجب أن يعالج أولاً داخليًّا، فيجب تغيير المنظومة الثقافية كلها والاعتماد على مثقفى الأقاليم العضويين، ويكون الهدف هو توصيل الخدمة الثقافية لكل مواطن مصرى؛ ليزداد الوعى وأهمية تعريفهم بدورهم فى بناء مشروع نهضوى حقيقي من القاع إلى القمة وليس العكس، فالمشروعات الكبرى التى اعتمدت على القمة جميعها فشلت كمشروعى جمال عبد الناصر ومحمد على باشا. الفنون الشعبية وجميع الفرق الشعبية تعانى من قلة الميزانيات؛ مما يعرقل نشاطها ووصولها لقطاع عريض من الشعب المصري. ونوادى الأدب تعانى نفس ما تعانيه الفرق الشعبية، وتفتقد إلى من يوجهها ويحتويها وينزل بها إلى الشعب المصري؛ حتى لا يصبح الأدباء عبارة عن مجموعات تسمع بعضها بعضًا فقط! بصفتك ناقدًا أدبيًّا صعيديًّا نريد منك إلقاء الضوء على الثقافة الصعيدية؟ الصعيد غنى بتراثه الثقافى، والملاحم التاريخية والرموز الثقافية خير دليل، ومن بعضها السيرة الهلالية والفن الشعبى الصعيدى باستخدام الربابة وغيرها، ومن أعلام الثقافة بالصعيد طه حسين ومحسن على بدر والعقاد. ولكن كما ينال الصعيد تهميش اجتماعي واقتصادي يناله أيضًا تهميش ثقافي منقطع النظير رغم أن نسبة التطرف والعنف بالصعيد أكثر من القاهرة الكبرى والوجه البحري. منذ عهد الرئيس المخلوع مبارك، ومرورًا بفترة المجلس العسكرى وعهد الرئيس المعزول محمد مرسى، ونهاية بفترة حكم الرئيس السيسى، ما هو تقييمك لأداء وزراء الثقافة ومدى نجاحهم؟ جميع وزراء الثقافة السابقين ساروا على نفس النمط التقليدى بدون تطوير حقيقى للثقافة ونشرها على أرض الواقع باستثناء الدكتور عماد أبو غازى، فهو لديه رؤية ثقافية ثاقبة، ولكن للأسف لم تمتد فترة وجوده بالوزارة كثيرًا. كيف ترى تعامل الدولة وبالأخص بالموازنة تجاه "الثقافة" ومدى رضاك عن بنود الثقافة بالدستور المصرى؟ ميزانية الثقافة بموازنة الحكومة ضعيفة جدًّا، فلك أن تتخيل أن نصيب المواطن المصرى هو 30 قرشًا، فماذا سيحدث إذا قمنا بخصم الأجور والحفلات منها؟ نحن نريد زيادة الموازنة لتفعيل النشاط الثقافى، وأنا راضٍ إلى حد كبير بمواد الدستور التى تعطى حرية الفكر والإبداع، ولكن للأسف الرقابة تضع يدها على كل شيء! الثقافة ببنى سويف تحديدًا أين هى الآن على الخريطة الثقافية المصرية؟ لدينا ببنى سويف قصر ثقافة، بالإضافة إلى ثلاثة بيوت للثقافة كبرى بمراكز "الفشن – ببا – إهناسيا المدينة"، ونجد الجميع يحاول بقدر المستطاع تقديم خدمة ثقافية متميزة وراقية، ولكن المثير للغرابة هو الوضع المزرى لبيت الثقافة بمركز ببا، فهو مغلق منذ 7 سنوات بسبب تراخى الدولة مع المقاولين ونقص الموارد المالية لاستكمال إصلاحه، خاصة أن هذا البيت الثقافى قد شهد ظهور كوكبة من المبدعين الذين هجروه ومنهم "أحمد عادل – الشاعر خالد حسان". وما هو دور مجدي البتيتي محافظ بنى سويف تجاه ملفات الثقافة بالمحافظة؟ فى الفترة الأخيرة استجاب محافظ بنى سويف لطلب الأدباء لعقد مؤتمر الأديب "محمد أبو الخير"، ولكن نتمني منه المزيد من العطاء، فنحن نطالبه بإصدار قرار باعتبار فعالية "محمد أبو الخير" احتفالية سنوية كرمز من رموز الثقافة ببنى سويف، بجانب أملنا فى تبنيه مؤتمر الفلاح الفصيح، إضافة إلى توفير شقة لاتحاد الكتاب؛ لتكون فرعًا له ببنى سويف. فى النهاية نريد التعرف منك على دور رجال الأعمال بالمحافظة لدعم الثقافة؟ للأسف رجال الأعمال ليس لهم دور فى دعم الحركة الثقافية ببنى سويف، فدورهم غائب عن المشهد تمامًا، الكثير منهم يهتم ب "البزنس" على حساب الثقافة رغم أهميتها، ولا يعرفون قيمة العمل الثقافى، وأدعو الجميع لدعم الحركة الثقافية بالمحافظة.