للديمقراطية والديكتاتورية بداية ونهاية واحدة؛مَعَنىًولَفْظًا،وبينهم تحكم الشعوب باسم العدالة تارة والحرية تارة أخرى. فى عام1783بعد حرب الاستقلال وجدت أمريكا نفسها في أزمة هوية وتناقض. بل لن نبالغ إذا قولنا إنها وجدت نفسها أمام موت قبل ميلاد. فكان التأسيس للديمقراطية كفكرة عام 1857ثم التنفيذ عام 1970وهذا حسب ما ذكره المفكر الغربي غيران ثيربون، فكانت الديمقراطية بالنسبة لأمريكا أداة احتواء للداخل ثم تحول ونفوذ بالخارج. لقد وظفت أمريكا ديمقراطية اتخاذ القرار كعلم وإجراء لا غاية وشعار، وديكتاتورية النفوذ والوجود كغاية لا إجراء، وإن اختلط على العالم الأمران. وهذا يتجلى بقول (نعوم تشومسكي) المفكر اليهودي الشهير والملقب ب"ضمير أمريكا" في هذا الصدد: "طالما أن ميل الملعب يضمن فوز الناس الذين يجب أن يفوزوا، أما إن حاولت جموع الرعاع رفع رءوسها، فيجب أن يضربوا إلى أن يخضعوا بشكل أو بآخر". ثم انتقلت أمريكا إلى مرحلة تصدير الديمقراطيات المغلوطة لشعوب ما يسمى ب"العالم الثالث".. الذي جسد عنصرية ديمقراطيتهم في لفظة فكانت ربما أشبة بالتالي.. سنجعلهم يتصورون كونهم يحكمون أنفسهم.. وسنمنح حكام تلك الدول امتيازات وتفهمات ضمنية، ولكن شريطة أن يعتمدوا الجهل والتجهيل منهجًا في الحكم بقصد ضمان بقائهم، وسنجعل الأنظمة في تلك الدول تعمل بمعزل عن مواطنيها وهذا سيجعلها بالضرورة تعمل على إنتاج علماء وإعلام للتنظير لجهلها وعجزها. وبهذا اعتمد الغرب على الديمقراطية كعلامة تجارية جيدة لإدخال حصان طروادة في بلاد الجهل وكان.. العراق.. ليبيا.. سوريا.. السودان.. اليمن.. ومصر. وعجز الغرب وأقر بديمقراطيات القوة، الصين.. روسيا.. الذي ينفى نظامها السياسي وصفها بكونها ما تدعى. خلاصة الأمر أن حجم المعاملات التجارية والتحركات العسكرية لأي دولة كفيل بأن يجعلها ديمقراطية أمام أمريكا والغرب. وللدلالة على ذلك فقد دعمت أمريكا بلد الديمقراطية ثوار الكونترا ضد حكم شرعي ديمقراطيّ؛ لأنّ النظام لا يدور في فلكها! ودعمت طالبان وقت احتلال السوفيت لأفغانستان. وبريطانيا بعد الحرب العالمية تبيع (بولندا) الديمقراطية للاتحاد السوفييتي الشيوعيّ، مقابل مصالح مشتركة استعمارية في (اليونان)! ورغم كل محاولات التنظير للديمقراطية إلَّا أنها لم ولن تتجاوز حيز التوصيف لا التدقيق. التوجيه لا القناعة، فهي بليغة باللفظ مجردة بالمعنى. فالديمقراطية كمصطلح تم استدعاؤه من التاريخ لمهمة محددة، هي إيجاد إطار لصورة من عدم.. وديمقراطية العالم اليوم لا تختلف كثيرًا عن ديمقراطية أثيناالأرستقراطيةقبل الميلاد فتلك استبعدت العبيد والفقراء ليحكم السادة. والأخرى استبدلتها بالتبعية ليسود رأس المال. ويمكننا أن نقول وبكل ثقة ديمقراطيات العرب إما مجهضة بدعم الخارج. مؤجلة باسم الضرورة، أو مستهلكة بالصراع، وليس هذا بموجب جهل الشعوب أو ثوراتهم العاجزة بقدر ما هو قصور في نظرية وفلسفة الحكم والإدارة فيها والتي جعلت من الدولة نظامًا ومن الثورة هتافًا. ومن الموروث مستقبلًا ومن الدخيل عليها والمستورد إيديولوجيات تتصارع؛ ليصبح الوصول للحكم غاية في ذاته لا مشروع. كل ما نريده هنا أن نوصف الديمقراطية في حجمها كإجراء لا غاية، كفكرة لا فكر، وإن غابت الغاية والفكر عن فكرة الإجراء تحول إلى إجراء عاجز، سيبحث عن غايته في دولة الفرد لا المشروع، مؤسسات البقاء لا النهوض. أي أنها ستنتج دولة ضرورة الظرف لا حتمية المستقبل.. ما ينبغي أن نعتقد فيه أن الحرية حق لا امتياز يمنح باسم الديمقراطية، وأن لا حرية قبل علم ولا حرية بعد جهل.. ويظل في بلادنا للجهل علماء.