حين يغتال شيخ أزهري ويحرق المجمع العلمي، فإن المجلس العسكري يشيع الدين والدنيا مع الشهداء ويقول لمن تبقى من “شعب مصر العظيم”، كما اعتاد أن يسمينا في بياناته ذات الخلفية السوداء، موتوا بغيظكم. ولا يتبقى إلا مذبحة واحدة ليمازح المشير زوراه قائلا حين يخبرونه أن شبابا معترضا يقتل ويسحل في الشارع أو أن فتاة تنتهك وتصبح فرجة العالم: خليهم يتسلوا. وهذه هي الجملة التاريخية التي نطق بها المخلوع في مجلس الشعب في 19 ديسمبر 2010، أي قبل سنة بالتمام والكمال، وبعدها بدأ العالم كله يتسلى به. والواضح أن المشير وجنوده هم الذين يتسلون بعد باضت الحمائم على أسلحتهم سنوات وأوشكوا على الملل. وتسليتهم الآن هذه التدريبات التي تبين كفاءتهم في السحل والقتل واستخدام العصي وتعرية النساء، وهذا تطور جديد يحسب للمغاوير الذين ننتظر منهم مزيدا من التطور لخدمة “شعب مصر العظيم”. الثابت معركة بعد أخرى أن عقول جنودنا في البيادات وقلوبهم لاتنبض إلا بالعصي المكهربة والهراوات ورجولتهم لاتستفز إلا بشد الفتيات من شعرهن وتعريتهن ، وياحبذا لو كانت المسحولة المنتهكة منقبة لتزداد لذة جلادها بكثرة قطع ملابسها. تبدو المشاهد، وهي أليق بقوات محتل لا جيش وطني، عصية على الفهم ككل تصرفات العسكر الذين يبرهنون أن وحدة عسكرية تكفيهم لحكمها، أما الأوطان فلا شأن لهم بها، لأن الطرف الثالث في كل مرة أقوى منهم. كان الألم يعتصر اللواء العصار بعد إحدى مذابح العسكر وهو يرفض وصف ممارسات مجلسهم بما كان في عصر مبارك، وكان الرجل ، للتاريخ، محقا، فالمخلوع احتاج عشر سنوات، على الأقل، ليعرف إلى القتل بهذه الجرأة سبيلا ، لكن جنرالاته الذي كلفهم بإدارة شؤون العناد من بعده أثبتوا كفاءة في عشرة أشهر فقط في رعاية القنص ومنافسة الداخلية في التسلية بشعر البنات. احتاج مبارك سنوات ليؤسس جيش المنتفعين والأفاقين من رجال الأعمال والإعلاميين والبلطجية، لكن المجلس العسكري في عشرة أشهر فقط أسس جيشا من المطبلين وفي مقدمتهم الخبراء والمحللون الاستراتيجيون الذين يكافأون بعد خدمتهم في القوات المسلحة بإدارة مراكز بحثية أو الظهور في الفضائيات. أحدهم تسأله المذيعة عن الاعتداء على المتظاهرين فيقول” هذه هي عقيدة العسكريين، حينما يأتيني شخص لمهاجمتي يجب أن أبادر إلى الهجوم عليه”. “- بالحجارة ياسيادة اللواء؟” “- بكل المتاح، هذه عقيدة الجيش” هكذا يدار الوطن سياسيا بعقيدة عسكرية، أي أن من يهاجم العسكر قولا أو فعلا يجب التصدي له، ولو بالقتل، وإلا ليفسر لي أحدهم شهوة الانتقام المسيطرة على الجنود لدرجة أنه كلما مر أحدهم على مصاب ملقى بينهم في الشارع ضربه بهراوته ثم ركله ، ثم تعاونوا على ذلك حتى يفقد حراكه تماما. إن الذين “حموا” الثورة تفرغوا الآن لحماية الشعب من نفسه ونزواته التي تنتهي بسقوط الطغاة، ولو صوروا لجنودهم أن من أمامهم أعداء الوطن الساعين إلى حرقه. هل يخاف العسكر من اقتراب يناير؟ أم أدركوا بعد زيارة المشير الاستطلاعية للتحرير أن الأمور دانت لهم؟. إن الدم المسال في الشوارع سينبت لهم في كل ساعة شابا يهتف بسقوطهم، والمتاريس التي تقام في الشوارع لن تصمد أمام روح مصر التي تتشكل في أرحام بناتها. لا المشير ولا جنوده قادرون على أن يحطموا أحلام أمة وهم لايشعرون، والبيادة التي تحكم لن تسحق المستقبل ، وحتى لو أقاموا بارليفا جديدا على النيل سيعبره أبناؤنا إلى ما يستحقون وما تستحقه مصر.