باحث بمجال البيئة: "رشيد" نهر ميت من الملوثات.. والوزارة بلا حقيبة مصطفى هنداوي: تلوث الفرع يهدد 6 آلاف أسرة.. وأباد 13 نوعا من الأسماك "مصر هبة النيل" قالها المؤرخ العظيم هيرودوت، لكنهلم يكن يعلم أن المصريين لن يصونوا هذه الهبة الربانية، حيث كان المصري القديم يقسم على ألَّا يلوث النهر المقدس، ولن يلقي المخلفات به، ويجعل ذلك حجته لدخول جنة الخلد. أزمة "فرع رشيد" الذي تحول إلى نهر ميت من الملوثات والقتل العمدي يوميًّا، دون رحمة للثروة السمكية التي يحفظها في أحشائه، والتي أصبحت مهددة والصيادون، والأراضي الزراعية المحيطة به، والإنسان الذي يشرب مياهًا ملوثة مخلوطة بمياه الصرف الصحي والصناعي. قال مصطفي هنداوي، رئيس لجنة المتابعة بحملة مين بيحب مصر بالمنوفية: فرع رشيد أحد فرعي نهر النيل – ملوث منذ 20 سنة، حيث فتحت جهات متعددة مصارف صرف صحي دائمة بداخله، تبدأ من أول الفرع من محافظة الجيزة وتمتد إلى كفر الزيات، وأدى تلوث الفرع إلى موت أكثر من 13 نوعًا من الأسماك، ولم ينج من الموت إلَّا القرموط الذي يتعايش مع مياه الصرف الصحي بطبيعته. وأضاف هنداوي أن الصيادين ساكني فرع رشيد أرسلوا بمئات الشكاوى والخطابات والإغاثات المستمرة، بداية من الموظف المنوط بوزارة البيئة، تدريجيًّا إلى مكتب النائب العام، دون جدوى، موضحًا أن الفرع كان مصدر رزق ل6000 أسرة، ولكن بعد تلوث المياه وموت الأسماك أصبحوا بلا مصدر رزق، ما جعلهم يلجأون إلى مهن أخرى لجلب الرزق، مشيرًا إلى أن الأراضي الزراعية المحيطة بالفرع تروى أيضًا بمياه ملوثة ومحملة بالعديد من بالأمراض ومختلفة أهمها البلهارسيا والالتهاب الكبدي وفيروس سي وأمراض خطيرة تهدد المجتمع المحيط بالفرع بالموت المحتم، ولم تتدخل أي جهة حكومية؛ سواء من البيئة أو غيرها منذ 20 عامًا وأكثر. وأعرب هنداوي أن الصيادين المتضررين عرضوا حلولًا بديلة على الجهات المختصة، وهي نقل هذا الصرف إلى الصحراء ويستخدم في زراعة 1000 فدان لنبات الخروع ويعطي إنتاجًا خلال 120 يومًا فقط، أو زراعة شجر "الجازورينا"، ما ينتج أخشاب بعد 4 سنوات ولكن لا أحد يستجيب. وأضاف الدكتور عبد المولي إسماعيل، الباحث في مجال البيئة وعضو منتدى الحق في المياه، أن أزمة فرع رشيد أصبحت تمثل مشكلة ضخمة؛ لغياب المسئولين عن بيئة النهر والحفاظ عليه، ما يدل على أن وزارة البيئة ليس لديها أي سلطات تنفيذية، وتعتبر وزارة بلا حقيبة في الأساس، معربًا أن مشكلة فرع رشيد النتيجة الطبيعية المترتبة على عدد من المصارف التي أصحبت تلقي مخلفاتها في النهر وأبرزها "مصرف الرهاوي"، وهو يحمل كل الصرف الصحي الخاص بالقاهرة الكبرى ليصب في فرع رشيد، فضلًا عن العديد من المصارف الموجودة على طول الفرع. وأضاف إسماعيل أن فرع رشيد تحول إلى نهر من الملوثات في غيبة من الرقابة والمتابعة، مشيرًا إلى أن الصرف الصحي واحد من المصارف الخطرة التي تلقي في الفرع، بالإضافة إلى أن الصرف الصناعي الناتج من شركات الكهرباء، ومنها شركة غرب القاهرة ومحطة شمال الجيزة لإنتاج الطاقة الكهربائية المدعومة من منظمة الأوبك والبنك الدولي، وهي ما تؤدى إلى تدمير فرع رشيد نهائيًّا، متعجبًا من أن هذه الشركات حكومية وتابعة للدولة وفي نفس الوقت الدولة تلوث البيئة، محذرًا شركة غرب القاهرة التي استولت على جزء من النيل بقرية "القَطة" بأبو غارب؛ لإنشاء مجرى خاص بالصرف الصحي، ما يتسبب في آثار على فرع رشيد. وأوضح عبد المولي إسماعيل أن هناك خطورة تواجه الفرع، وتتمثل في الصيد الجائر عبر الأقفاص السمكية التي يستخدمها أصحاب الاقتصاديات العالية، الذين يحتكرون النهر عكس صغار الصيادين، فضلًا عن مخلفات المراكب السياحية التي تهدد الفرع بدءًا من القناطر الخيرية، ليتحول فرع رشيد إلى نهر ميت لا يمكن أن تستخدم مياهه للشرب، ما يشكل خطورة على صحة الإنسان والحيوان والأرض الزراعية والبيئة بشكل عام. وعن الحلول، يوضح عبد المولي أنها تبدأ باتخاذ قرار فوري بسرعة تعديل مسارات المصارف الصحية؛ مثل مصرف الرهاوي، وأن تذهب هذه المسارات لمناطق صحراوية يتم الاستفادة بها في زراعة أشجار تساهم في الثروة الزراعية والاقتصادية مثل شجر "الهوهوبا" ذات الأخشاب الجيدة، إلغاء الأبنية كافة، الشاليهات والعوامات والمراكب النيلية التي تلقي بمخلفاتها في النهر، وذلك عبر تعاون سريع بين وزارات السياحة والبيئة والري والزراعة، وبحث بدائل أخرى لهم. وأكد أهمية تطهير فرع رشيد من المخلفات كافة الموجودة به، والبحث عن طرق أخرى للصرف الصناعي وأن يكون هناك عقاب حقيقي للشركات والمصانع التي تصب كوارثها في فرع رشيد، وكل هذه الإجراءات تستلزم تعديل قانون البيئة وأن يكون لديها صلاحيات لمواجهة هذا الاستيلاء على الملك المائي العام، والرقابة على المخالفات كافة ومواجهة الفساد. من جانبه قال بكري أبو الحسن، شيخ ونقيب صيادي السويس ورئيس شعبة الثروة السمكية لصيادي مصر بالنقابة العاملة للزراعة والصيد والري: إن التلوث بجميع أشكاله موجود بقطاع الصيد، وأبرزها التلوث البحري الناتج عن إلقاء السفن العابرة بالمسطحات المائية بكامل نفايتها ومخلفاتها من القمامة ومياه "الصارورة" القاتلة بما تحمله هذه المياه من كائنات غازية وبكتريا تلتهم أسماك الزريعة وتقضي عليها تمامًا. وأضاف أن حوادث البترول التي تقع في المسطحات المائية تمثل تهديدًا للمسطحات المائية عامة مثل حادثة السفينتين الدولتين عام 2006 التي وقعت بقناة السويس وأثرت بقوة على المزارع السمكية وأضرت أصحابها، الذين اضطروا لتجريف التربة تمامًا حتى يعود لتربة المزارع ووضعها الطبيعي، وكل ذلك في غيبة من المسئولين، ولم يتم التعامل معها بالشكل الكافي، فالرقابة البيئية في المسطحات المائية تكاد تكون منعدمة، مشيرًا للتهديدات التي تتعرض لها بحيرات ادكو ورشيد وكفر الشيخ والمنزلة من استهداف الشركات والمصانع لها بإلقاء مخلفاتها بها مثل مصانع الأسمنت والكيماويات والبويات التي تلقي مخلفاتها بها دون رقابة، ما يؤدي إلى تدمير الثروة السمكية، فنحن نقضي على 3000 ك م من المسطحات المائية منها 1000 كم في البحر المتوسط و1000 في البحر الأحمر و1000 في نهر النيل والبحيرات. وطالب أبو بكر بإنشاء محطات رصد رئيس على المسطحات المائية لسرعة التحرك وتسجيل المخالفات، فلا يعقل أن تخسر مصر 40% من إنتاج الثروة السمكية بخليج السويس؛ نظرًا للتلوث الذي يقع علي منطقة "جونه الاتكا البحرية" من مياه الصرف الصحي والصناعي الملقى في منطقة الأدبية من ميناء الصيد "الاتكا"، رغم الشكاوى لوزارة البيئة ولكن دون مجيب. بينما طالب الدكتور سعيد عمارة، أستاذ متفرغ بمعهد بحوث وقاية النباتات أمين لجنة مبيدات الآفات بوزارة الزراعة سابقا، الحكومة المصرية بسرعة ردم هذه المصارف التي تشكل تهديدًا علي صحة الإنسان والتي يترتب عليها خلط المياه العذبة بالمياه الملوثة بالصرف الصحي؛ لأنها سبب مباشر في إصابته بالأمراض المعوية والكبدية، مشيرًا إلى أن أزمة فرع رشيد مرت عليها سنوات طويلة، ودائمًا ما غابت عنها الإرادة السياسية لتطهيرها وعلاج الأزمة. وأوضح أن الاتحاد الأوربي يدعم كثيرًا من هذه المشروعات الخاصة بمياه الشرب النقية، ومن ثم على الحكومة تقديم رؤية واضحة لمشروع حقيقي ينقذ فرع رشيد من التلوث، وقال بشأن المخاطر التي تتعرض لها الأراضي الزراعية من مياه الصرف: لا مشكلة على النباتات التي تروي بالصرف ولكن الأزمة كلها في مياه الشرب، فالتفاحة سوف تنضج سواء تم رويها بمياه نظيفة أو مياه صرف صحي، فلا مخاطر صحية عليها.