شهد انتصار الجيش المصري في معركة أكتوبر التاريخية ثم رحل، إلا أنه انشغل طوال أيامه برسم مستقبل جديد للثقافة المصرية والعربية، فمن غيره علمنا أن الاستقلال ليس غاية في حد ذاته، إنما وسيلة لبلوغ أسمى الغايات، وأن أسمى الغايات بالنسبة للفرد هي الحرية والسعادة، وبالنسبة للمجتمع هي بلوغه أعلى درجات الحضارة. عميد الأدب والثقافة العربية الدكتور طه حسين، رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم منذ 41 عامًا، إلا أننا مازلنا في أمس الحاجة إلى استدعاء أفكاره التي انحاز فيها وبجرأة للمنهج العقلاني، دافعًا عن الحرية، ودعا للتجديد والتحديث ما جعله يخوض معارك ضارية مع أصحاب المنهج التقليدي. صاحب «المعذبون في الأرض» رأى أن مصر لا تنتمي للثقافات الشرقية لكنها أقرب إلى حضارة المتوسط، وأن العقل الإسلامي منفتح للحوار وتطبيق المناهج الحديثة، فضلًا عن إدخاله منهج الشك في نقد التراث، لذا فهو مفكر الحداثة العقلاني الديمقراطي، ومصر التي أرادها هي مصر الحداثة العقلانية الديمقراطية، كما رأى أن الذي يشهد المجتمعات وتطورها يرى أن هناك اقترانًا بين الدين والاستبداد، وبين الديمقراطية والفلسفة، فالحكم الاستبدادي يلجأ دومًا إلى الدين بينما الحكم الديمقراطي يلجأ إلى الفلسفة. عن مؤلفه «مستقبل الثقافة في مصر» قدم الباحثون العديد من الدراسات النقدية، فقال محمد زكريا توفيق في بحث له: «يقول طه حسين فى كتابه مستقبل الثقافة في مصر، إن مصر يجب أن تكون جزء من أوروبا حضاريًا، لأن هذا هو الطريق الوحيد كي ننتمى للعالم الحديث، ولأن اتتفاقية الجلاء واعتراف دول أوروبا باستقلال مصر هو بمثابة اعتراف وثقة بقدرة مصر على أن تكون دولة حضارية مثل أية دولة أوروبية، أى أنها دولة تحترم حقوق الإنسان وحريته، وتحكم بالنظم البرلمانية الحديثة، فعلينا أن نكون أهلا لهذه الثقة، وهذا لا يعنى أن نصنع حضارة خاصة بنا، يمكن مقارنتها بالحضارة الأوروبية، وإنما لكى نقنع أنفسنا بأنه ليس هناك أية فروق بين الرجل المصرى والرجل الأوروبى، فالله سبحانه قد خلقنا للمجد والرفعة، ولم يخلقنا للضعف والمهانة كما يتصور البعض». ويحكي أن معظم الكتاب والمفكرين فى ذلك الوقت، ومنهم أحمد أمين، كانوا يصنفون دول العالم إلى دول شرق ودول غرب، وكانوا يضعون مصر مع دول الشرق نظرا لموقعها الجغرافى، أما طه حسين فيقول إن مصر ثقافيا وحضاريا، هى دولة غربية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالة، فالعالم ينقسم إلى حضارتين لا ثالث لهما، الأولى تأخذ جذورها من الحضارة المصرية القديمة وفلسفة اليونان والقانون الرومانى، والثانية، تأتى من الهند. وبخصوص تأثير الدين واللغه على مستقبل الثقافه، يرى الباحث أحمد إبراهيم أن العميد أراد أن ينفى الوحدة العقلية بين مصر والأمم الشرقية، حتى الدول التى تتكلم اللغة العربية وتدين بالإسلام فذكر أن الدين واللغة لا يخلقان وحدة، وأن المسلمين منذ أقدم العصور الإسلامية فطنوا إلى هذا بدليل الدولة الأموية في الأندلس كانت تخاصم الدولة العباسية في العراق. إذن فقد عمل صاحب «في الشعر الجاهلي» على الكتابة بأسلوب سهل واضح مع المحافظة على مفردات اللغة وقواعدها، وأثارت آراءه الكثيرين كما وجهت له العديد من الاتهامات، ولم يبالي بهذه الثورة ولا بهذه المعارضات القوية التي تعرض لها ولكن استمر في دعوته للتجديد والتحديث، فقام بتقديم العديد من الآراء التي تميزت بالجرأة الشديدة والصراحة فقد أخذ على المحيطين به ومن الأسلاف من المفكرين والأدباء طرقهم التقليدية في تدريس الأدب العربي، وضعف مستوى التدريس في المدارس الحكومية، ومدرسة القضاء وغيرها، كما دعا إلى أهمية توضيح النصوص العربية الأدبية للطلاب، هذا بالإضافة لأهمية إعداد المعلمين الذين يقومون بتدريس اللغة العربية، والأدب ليكونا على قدر كبير من التمكن، والثقافة بالإضافة لاتباع المنهج التجديدي، وعدم التمسك بالشكل التقليدي في التدريس.