عندما نتحدث عن بريطانيا العظمى فإننا نتحدث عن أكبر إمبراطورية إستعمارية توسعية فى التاريخ الحديث، وربما نجرؤ أن نقول فى التاريخ الإنسانى كافة؛ فلقد كانت الإمبراطورية مترامية الأطراف تمتد من كندا شمالاً حتى جنوب إفريقيا، ومن نيجيريا وسواحل إفريقيا حتى الهند والصين وسواحل استراليا، ويحكم التاج الملكى البريطانى ما يزيد عن ثلث سكان العالم وذلك طبقاً لمجموعة قواعد فرضها حد السيف، والأسطول البحرى الضخم، والمدفعية الثقيلة وفوهات البنادق التى يتصاعد منها البارود.. وخلال هذه الحقبة الإستعمارية بدأت بريطانيا تروج لعدة مفاهيم تبرر ما تقوم به أهمها رسالتها المقدسة فى نشر الدين المسيحى "التبشير" لشعوب جهلة وثنية فاسدة العقيدة، هذا الى جانب نشر الحضارة الأنجلوسكسونية، وكسر العزلة التى تفرضها بعض الدول كالصين على نفسها أمام ابواب الحضارة والتجارة والاقتصاد العالمى. وقد زادت توسعات إنجلترا عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، التى خرجت منها منتصرة والتى تزامنت مع الثورة الصناعية، فزادت حاجات الإمبراطورية الضخمة من المواد الخام والمعادن، التى لم تدخر قواتها وسعها فى جلبها للتاج الملكى مهما كان عدد الضحايا.. إلا أن البارود وإن كان أهم أسلحة بريطانيا فى توسعاتها، فقد رافقه سلاح المكر والخداع الذى كان من أقوى أسلحة الإمبراطورية، ولعل تكوين شركة الهندالشرقية التى ساهمت فى فرض النفوذ الاقتصادى الإنجليزى فى أرجاء المحيط الهادى وأسيا، يعد خير نموذج على قدرة المستعمر على فرض سطوته بالعديد من الطرق المتنوعة، فقد بدأ تكوين تلك الشركة فى لندن بغرض الحصول على إمتيازات تجارية واسعة فى الهند، وامتدت لتحصل على تلك الإمتيازات فى هونج كونج والصين وغيرها؛ لتصبح- كما أعتبره البعض- أول مشروع تجارى عالمى فى التاريخ متعدد الجنسيات؛ لدخول الفرنسيين والأمريكين والهولنديين وغيرهم كأطراف فى المعادلة، وأصبح المشروع- الذى بدأ تجارياً- إمبراطورية صناعية زراعية تجارية يحكمها الإنجليز، وينعم بها الأنجلوساكسونيون فى إنجلترا وأمريكا وكندا وأستراليا وغيرها من الدول، ويحميها أسطول ضخم وجيش فى أغلبه من أصول هندية يخوض المعارك الحربية فى سبيل التاج الملكى بالنيابة عن الانجليز.. ويعمل فيها ألاف الموظفين من جنسيات متعددة بمزايا ضخمة، وبالرغم من تعاون أمراء وحكام الهند مع الشركة والمستعمر البريطانى، إلا أنها عملت فى الخفاء على تقويض سلطتهم وتفكيك ملكهم، مستغلة التنوع الشديد فى المجتمع الهندى من حيث الديانة واللغة والطبقة الإجتماعية وغيرها، فحرصت على إدخال الرياضات الجماعية كالكروكيت وكرة القدم للمجتمع، وأنشأت فرق حسب الإقليم والديانة والعرق، وخلقت بينها منافسات شديدة وتعصب مفرط، ذلك بدأ رياضياً وانتهى دينياً وعرقياً؛ مما مهد لتقسيم الهند الى مقاطعات أو إمارات تحكمها إنجلترا بشكل غير مباشر من خلال نواب أو أمراء هنود وقعوا معاهدات تحالف مع بريطانيا فيما عرف بنظام المهراجا او الراجا. وبالرغم من قيام العديد من الثورات والاضطرابات فى الهند، إلا أن بريطانيا لم تفكر أبداً فى الجلاء عنها، حيث قال أحد اللوردات: " الحكم البريطانى فى الهند غير قابل للمناقشة، فقد ضحى من أجله العديد من جنودنا، وأصبحت الهند عاصمة جديدة للإنجليز , لو لم نذهب للهند لكانت حتى الأن دولة همجية بربرية، إن واجبنا فى الهند هو الحكم وليس المناقشة". وبالفعل كانت الهند خاضعة تماماً للحكم البريطانى، بل لقد كان السيد الإنجليزى والسيدة الانجليزية يعيشون فى الهند فى ترف ومتع تفوق الترف فى إنجلترا نفسها، فكان لكل موظف عدد من الخدم الهنود يقضون حوائجه ويرفهون عنه، ليتفرغ فى العطلات للتنزه، وإقامة الحفلات والمغامرات فى الطبيعة، وكان السيد الإنجليزى يرى نفسه أكثر رقياً وتميزاً من هؤلاء الهنود الذين يعبدون الأبقار، ويلقون على أنفسهم التراب كمظهر من مظاهر التدين والقداسة، وبينما كان الإنجليز ينعمون بالترف والخدمة، كان سكان البلاد الأصليين فى فقر مدقع، مثقلين بالأعباء والضرائب والحرمان، ولكن لم يكن فقط البشر مَن يعانون من هذا الضغط الاستعمارى الضخم الذى يجرف الثروات، ولكن كانت الحياة البرية أيضاً تعانى من هذا المستعمر الغاشم! حيث انتشرت بين النبلاء الإنجليز وضباط الجيش رياضية صيد الحيوانات البرية، وقد استهدفوا فى صيدهم بشكل أساسى النمر البنغالى الذى كان يقدسة السكان المحليين، ولا يجرؤن حتى على نطق اسمه ويعتبرونه- حسب معتقدهم- أول الحيوانات على وجه الأرض، ولم يكن هذا الصيد كما يستقر فى مخيلتنا بقيام صياد شجاع بمواجهة النمر المتوحش الذى يهاجم القرى ويقتل النساء والأطفال، ليخلصهم من وحش دموى مفترس يعكر صفو حياتهم، بل كان على العكس تماماً، حيث كانت تخرج بعثة الصيد فى خمسين فرداً مسلحاً بالبنادق، يركبون الأفيال ثم يصنعون كميناً للنمر بواسطة أحد الأبقار أو الغزلان ليستدرجوه فى مساحة مفتوحة، ويحيطون به من كل إتجاه ويبدؤون بمجرد ظهور الحيوان المسكين فى إطلاق النار بالقرب منه بهدف اخافته وليس قتله، ليركض كقط مذعور فى كل إتجاه، وتستمر المتعة طالما كان النمر قادراً على الوقوف على قدميه، وما أن يفقد قوته ويسقط من التعب غير قادر على الحراك، يقتلونه وثم يلتقط كل منهم منفردون صورة فوتوغرافية مع الضحية شاهرًا بندقيته، وهو يضع قدمه على الجثة بقلب بارد وعيون لامعة، ويكفى أن نذكر أن قصر أحد اللوردات الإنجليز وُجد بداخله كثر من 220رأس نمراً بنغالياً، و 28 وحيد القرن و15 دباً وغيرها من بقايا الحيوانات التى اصطادهم بهذه الطريقة، والنمر البنغالى اليوم مصنف من ضمن أكثر عشر فصائل عرضة للانقراض فى العالم.