لا تزال حقوق الطبقة العاملة مهضومة، بعد ثورة نادت بمطالبهم دون جدوى، وابتعثت ثورة 30 يونيو الأمل من جديد لتحسين أوضاعهم، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، ازدادت أوضاعهم سوءًا وضاقت عليهم الخناق، فيما يخص حرياتهم وحقوقهم. ففي قطاع الحديد والصلب صدرت مؤخرًا سلسلة من قرارات التنكيل بالقيادات العمالية كافة، تمثلت في مجازاة ونقل تعسفي لقطاعات غير مناسبة لطبيعة عملهم الأصلي، وفصل قيادات عمالية نهائيًّا، وإيقاف محمد عمر، أحد القيادات العمالية عن العمل عقب رفضه التنازل عن البلاغات التي تقدم بها إلى النائب العام ضد إدارة الشركة، وآخرها خصم عشرة أيام من راتب القيادي العمالي سيد سعد الدين؛ بدعوى تحريض العمال على المشاركة في الاحتجاج. تصاعدت الاحتجاجات والمطالبات العمالية، ولأول مرة ظهرت 4 حالات انتحار في الوسط العمالي ونحو 13 حالة انتحارية بين المواطنين؛ بسبب البطالة والظروف المعيشية. وصدرت تقارير حقوقية حديثة عن حالات الاحتجاج خلال شهر سبتمبر للعام الجاري، حيث وردت 22 حالة للمطالبة بصرف المستحقات المالية المتأخرة من منح عيد الأضحى والمرتبات والحوافز والأرباح"، ثم 19 حالة للمطالبة التثبيت والتعيين وعقود العمل وعودة العمال المفصولين للعمل، و15 حالة، للاحتجاج على قرارات المسئولين كتخفيض المستحقات المالية، وإعادة اختبارات الأئمة بعيدًا عن الأوقاف، ونقل تبعية المجلس القومي لشؤون الإعاقة لوزارة التضامن بدلًا من مجلس الوزراء، و 13 حالة احتجاجية للمطالب بتحسين الأحوال المادية والوظيفية للعمال وظروف العمل وضخ استثمارات لزيادة الإنتاج. العمال هم من يدفعون ثمن أعباء مرحلة التحول في تاريخ الشعب المصري" هكذا قال محمد عبد السلام، الباحث والمدرب العمالي، مؤكدًا أن الدليل على ذلك عدم تحقيق جميع مطالبهم بعد ثورتين، وبالعكس فقد وقع عليهم ظلم من أصحاب الأعمال بالجزاءات والفصل، وكذلك ظلم المعيشة بالغلاء، بعد اتخاذ الحكومة قرارات برفع الدعم عن المواد البترولية، ما ترتب عليه من ارتفاع جنوني في الأسعار. وأكد الباحث في تقريره عن أوضاع العمال في عام 2014 الذي سيتم الإعلان عنه الأيام المقبلة، أن الاحتجاجات العمالية شهدت حالة من الصعود في الجزء الأول من العام ومثلت نحو 900 إضراب عمالي، وعادت للهبوط وشكلت نحو 400 احتجاج في الجزء الثاني من العام؛ بسبب قانون منع المظاهرات، ثم عادت للصعود لتصل في الربع الثالث من العام إلى 700 احتجاج في الفترة الأخيرة، مؤكدًا أن الغالبية العظمى من العمال يستشعرون عدم الأمان الوظيفي؛ فالفصل بمثابة سيف على رقاب كل العمال؛ فالتثبيت أحد أهم مطالبهم؛ لأن سلطات صاحب العمل شردت الآلف العمال. وعن الحد الأدنى للأجور يؤكد "عبد السلام" أن المبلغ الحالي كان مطلبًا مرفوعًا من قبل الثورة، ولكن بعد مرور أربعة أعوام أصبحت ال1200 جنيه غير مناسبة، وما زال العمال في انتظار قرار سياسي، مثلما صدر قرار بمنح معاشات استثنائية للجنود والقوات المسلحة، ولسنا ضد ذلك، ولكنه في المقابل غض النظر تمامًا للأوضاع المعيشية للعاملين، موضحًا أنه يمكن بالفعل تحقيق هذا المطلب بتعديل قانون الضريبة على الدخل، لعمل ضرائب تصاعدية، وضرورة الاستغناء عن المستشارين، تشغيل المصانع المتوقفة، وخطوط الإنتاج المتوقفة بالمصانع القطاع العام، وكذلك استعادة الشركات التي تم بيعها. وطالب بضرورة تغيير قانون العمل سيء السمعة، الذي ترتب عليه مشكلات كبيرة، وتسبب في وقف مصانع وإقامة علاقات عمل متدنية، وفي المقابل أسست جهات عديدة مشاريع بديلة لقانون العمل؛ ليحقق التوازن في علاقات العمل وألَّا يكون منحازًا لجانب على حساب الآخر، منتقدًا غياب قانون الحريات النقابية كبديل لقانون 35 لسنة 76 والذي تسبب في المشكلات النقابية العديدة، ما وضع مصر على القائمة السوداء، ورغم ذلك لم يخرج القانون للنور رغم إقراره، ففي عهد المجلس العسكري وفي أول برلمان للثورة، تم صياغته أكثر من مرة، وإلى الآن لم يصدر، ويتم اضطهاد النقابيين المستقلين . وأضاف إسلام عبد الرازق، القيادي العمالي بشركة مساهمة البحيرة، أن هناك نوعًا من الاستفزاز يحدث للعمال، فهم، على سبيل المثال، لم يتقاضوا رواتبهم منذ سبعة أشهر، ووقت إعلان الحكومة عن صرف جزء من مستحقاتهم فوجئوا بتخفيض حوافزهم، وقرارات بمجازاة القيادات العمالية، بشكل غير قانوني فضلًا عن تأخير الصرف لأكثر من أسبوعين، مضيفًا: بدلًا من إصلاح الفساد بالشركة يتم اضطهاد المطالبين بحقوق زملائهم وتخفيض حوافزهم وإيقافهم عن العمل، وأي عامل ينتقد الشركة على "الفيس بوك" يحال للتحقيق، في حين أن هناك آخرين متهمون في قضايا فساد بإهدار ملايين الجنيهات وتمت إحالتهم للنائب العام، ولم يحقق معهم إلى الآن. وأشار إلى أنه تم إيقافه عن العمل ثلاثة أشهر بالمخالفة للقانون، الذي ينص على ألَّا يتجاوز الوقف عن العمل 60 يومًا، ويكون بأجر كامل، وهذا لم يحدث، وعندما تقدم بشكاوى لمكتب العمل، عدلت الشركة القرار إلى إيقاف عن العمل لحين انتهاء التحقيقات، وبعد انتهاء المدة، لم يصدر قرار بإلغاء الإيقاف عن العمل حتى الآن، رغم أن رئيس الشركة قال في المحضر أن القرار تم إلغاؤه، مطالبًا بضرورة إلغاء نظام "تشوين العمالة" أي وضع العامل في إجازة تحت الطلب ويهدف هذا لكسر الحركة العمالية، ما تسبب في تقديم نحو 700 عامل على نظام المعاش المبكر، خلال السنة الأخيرة، وخرجوا بدون مستحقات في مشهد يؤكد قمة الظلم والاستفزاز للعمال. وأكد ضرورة محاسبة المتسببين في الخسائر بالشركات؛ فمساهمة البحيرة وصلت خسائرها في آخر ثلاث ميزانيات إلى 300 مليون جنيه، بالإضافة إلى خسائر مرحَّلة 327 مليونًا، فعلى الدولة محاسبة المتسببين في الخسائر. وقال ناجي حيدر، رئيس ائتلاف عمال غزل المحلة والقيادي العمالي بالشركة: تتمثل الأزمة بقطاع الغزل والنسيج في استمرار وجود الفساد ومخطط الخصخصة، وخروج العمال على المعاش المبكر وعدم تعين عمال جدد، وعدم ضخ استثمارات جديدة بالقطاع، ولا تطوير أو ترقيات، والميزانيات السنوية من 8 سنوات حتى الآن تمثل نحو 2 مليار جنيه خسائر.