تعلق حكومة جنوب إفريقيا آمالًا كبيرة على توطيد علاقاتها السياسية والاستراتيجية مع الصين، حرصًا على تقوية روابط الصداقة وتعزيز الثقة المتبادلة بين الدولتين في وقت تتنامى فيه التجارة والاستثمارات بين الدولتين على نحو لافت. وشهد الأوان الأخير اجتماعات مكثفة بين البلدين في إطار ما يعرف بمجموعة العمل الوزارية الجنوب إفريقية الصينية المشتركة لتعزيز التعاون، آخرها الزيارة التي قام بها وزير العلاقات والتعاون الدولي ميت نوكوانا ماشاباني إلى بكين مطلع شهر سبتمبر الماضي؛ للمشاركة في اللجنة التي تم تشكيلها في ضوء الاتفاق الذي وقعه الرئيس الصيني تشي جين بينج خلال الزيارة التي قام بها لدولة جنوب إفريقيا خلال شهر مارس من العام الماضي. وتحرص حكومتا جنوب إفريقيا والصين "العضوتان في مجموعة البريكس" على تأكيد أهمية العلاقات الثنائية بينهما والتي تطورت بصورة سريعة خلال السنوات ال15 الأخيرة بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1998. وتعتبر جنوب إفريقيا، على رأس قائمة الاقتصاد الرائد في القارة، خاصة بعد الشراكة الصينية الفريدة من نوعها التي تعمل على المستويات الثنائية والقارية المتعددة الأطراف، وتسعى الحكومات بنشاط لتحقيق الشراكة الاستراتيجية الشاملة المتوخاة في عام 2010. ويعتبر ما عزز هذه التطورات وضع الصينيين في جنوب إفريقيا والذين يعدون أكبر وأقدم الجاليات بالمنطقة والقارة العجوز، وتركيز المعاهد الكونفوشيوسية ووجود وسائل الإعلام الصينية النشطة هناك. كل تلك المقومات كان لها دور مهم جدًّا في رفع وتيرة التجارة والاستثمار، بالإضافة إلى توثيق التعاون الدولي مع بكين خلالG-20 وتجمع بريكس، ما أكسب علاقة جنوب إفريقيا بالصين مكانة بارزة في الشؤون القارية وحتى العالمية. وتطور الأمر حتى تجاوزت الاستثمارات عمق الصين من جنوب إفريقيا، بينما ومدت جنوب إفريقيا العلاقات الاقتصادية بين البلدين تتجاوزت الاتفاقيات من استخراج الموارد وتمويل البنية التحتية لعلاقات بدول إفريقية أخرى وهذا هنا هو المتغير. وأخيرًا، فإن انتقاد السياسات الصينية التي وجهتها بعض النقابات المحلية والشركات وممثلو المجتمع المدني فانه يتناقض مع الموقف الإيجابي في جهات أخرى والعلاقات الدافئة على النحو المتزايد من طرف إلى طرف. وبعد إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية في عام 1998، تطورت العلاقات تدريجيًّا عن النهج الحذر الذي اعتمده الرئيس السابق ثابو مبيكي إلى أن وصل لقمة التعاون في عهد الرئيس جاكوب زوما. في الوقت الحاضر على الرابط الأهم، بغض النظر عن العلاقات الدبلوماسية، فإن العلاقات الاقتصادية مع التجارة يسيران في اتجاهين متسارعين منذ عام 2009، حيث قفزت بنسبة 32٪ عام 2012 وارتفعت الاستثمارات من 250 مليارًا إلى 270 مليارًا في عام 2013، ما يجعل الصين أكبر شريك تجاري للبلاد، وتكمن نجاح تلك العلاقات خلف عقد ونصف من التعاون نتج عن توثيق الروابط الاقتصادية التي تعكس العلاقات الدبلوماسية الثنائية المزدهرة. وتعتبر واحدة من أقوى ملامح علاقتهم الثنائية، والتي تمثل تحديًّا كبيرًا زيادة طلب الصين على المنتجات المعدنية من من جنوب إفريقيا، وعلاوة على ذلك، فإن المنافسة التجارية مع الصين تتمثل في قطاعات معينة مثل المنسوجات، ما جعل أمبيكي يقول بدأنا نشعر بالقلق من نزع التصنيع، ونتيجة لذلك فقد كانت هناك جهود متضافرة من جانب الحكومتين لمعالجة هذه التحديات من خلال آليات مثل فريق العمل المشترك والوزارية المشتركة. وتتمتع شركات جنوب إفريقيا من حيث الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بدرجة من النجاح من خلال وجودها في الصين، مثل حالة تكتل وسائل الإعلام في جنوب إفريقيا، وشركة ناسبريس، واستثمارها في أكبر شركة للإنترنت في الصين،ومع ذلك، فإن الإعلان الأخير للتمويل الصيني لإثراء التصنيع المحلي من خلال مصنع للصلب في فالابوروا، يمكن القول بأنه جزء من اتجاه جديد يهدف إلى توظيف الاستثمارات المدرة لجنوب إفريقيا. وساعد تلك العلاقات والاستثمارات وتعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين أن جنوب إفريقيا تعد موطنًا لأكبر سكان صينين مهاجرين داخل القارة، بالإضافة إلى أن النقابات الصينيةبجنوب إفريقيا قوية بجانب المجتمع المدني النشط، ما جعل الشعب الجنوب إفريقي يعبر عن قلقه إزاء تأثير الصين في قطاعات رئيسة مثل الصناعات التحويلية، ما جعل الحكومتين يتشاركان في حملات دبلوماسية تتمحور في معالجة المفاهيم الخاطئة داخل مجتمعاتهم من خلال مناقشة مجموعة من الأحداث يطلق عليها اسم "جنوب إفريقيا في الصين عام 2014 وعام الصين في جنوب إفريقيا عام 2015 لتعزيز فهم أفضل للعلاقات. وما وراء العلاقات الثنائية بين جنوب إفريقيا والصين إيجاد نقاط الالتقاء في التعاقدات الدبلوماسية بينهما على مستوى القارة. وتعاونت جنوب إفريقيا والصين فعليًّا عن كثب في مجلس الأمن الدولي لتعزيز مجموعة من مبادرات حفظ السلام في إفريقيا. ويعمل نهج الصين لتنمية القارة بالتوازي مع التزام جنوب إفريقيا لمتابعة تطوير البنية التحتية الإقليمية. ويعتبر الإعلان في مايو 2014 بواسطة رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ أن الصين ستمول وتبني وصلة السكك الحديدية بين نيروبي وميناء مومباسا (مع إمكانية طرق ممتدة إلى رواندا وأوغندا وبوروندي وجنوب السودان). مواز لتطورات السياسة الصينية داخل القارة والتي صاغها الرئيس شي جين بينغ من طريق الحرير البحري الجديد بين الصين وحافة المحيط الهندي والساحل الشرقي أي البلدان الإفريقية. وفي الوقت نفسه، فإن وجود مثل هذه التعاقدات الدبلوماسية رفيعة المستوى إلى جانب المنافسة التجارية الإقليمية في مجال الخدمات والتجارة في القارة. يجعل هناك علاقة من الحذر في التدخل بالمشكلات الداخلية فمثلًا لا نجد موقف للصين في الحالات المعقدة، مثل السودان وجنوب السودان فإدارة هذه المخاوف جزء من فن إقامة علاقات دبلوماسية أوثق دون تعريض المصالح الوطنية لخطر إفسادها. أما بالنسبة لجنوب إفريقيا، فاستضافتها للمنتدى السادس للتعاون بين الصين وإفريقيا (فوكاك) المزمع عقده في عام 2015 يعد حدثًا كبيرًا على الصعيد الدبلوماسي. بالإضافة الى منتدى التعاون الصيني الإفريقي، الذي تضمه الآن رسميًّا الاتحاد الإفريقي، وهو لقاء ثلاثي سنوي لقادة ووزراء الجهتين والذي يوفر فرصة لتسليط الضوء على مجالات التعاون والنمو في علاقات الصين مع إفريقيا. والتوسع في جدول أعمال منتدى التعاون الصينى الإفريقي من التركيز بشكل أساسي على التنمية الاقتصادية لتشمل أيضًا الشراكة في السلام والأمن، ويتم تعيين اجتماع منتدى التعاون الصينى الإفريقى السادس لشرح كيفية التعاون والذي يتطور ليشمل مجالات جديدة ذات الاهتمام المشترك بين البلدين. وربما يكمن التعاون الأكثر وضوحًا على الساحة العالمية، في تأطير مشاركة جنوب إفريقيا والصين على منصات متعددة الأطراف المشتركة ومصلحة مشتركة في إصلاح هيكل الحوكمة العالمية، ويعتبر هذا الدعم المتبادل في تطلعات متعددة الأطراف الأكثر وضوحًا في بريكس والأمم المتحدة وG20. الأهم من ذلك، أن الصين تنظر لجنوب إفريقيا على أنها شريك حقيقي تسعى للتشاور معها وإدماج وجهات نظر جنوب إفريقيا (والقارة) عند صياغة المواقف في مجلس الأمن، على الرغم من تباين الرؤى والمصالح. ولكن الفروق بين الدولتين والتي لا تزال عميقة قد تؤثر على هذه الشراكة في المستقبل، فالشراكة الاستراتيجية على وجه الخصوص قد تعطي أولوية للقضايا العالمية، والذي قد يوفرها لجنوب إفريقيا تجمع بريكس والذي يعتبر منصة متميزة للتعبير عن مواقفها على الساحة العالمية. وفي جوهر تمييز العلاقة بين الصينوجنوب إفريقيا التي تتداخل فيها العلاقة المنافسة والتعاون الذي أظهرته المشاركة المستمرة على المستوى الثنائي والقاري والمتعدد الأطراف فإنها تعتبر علاقة صحية وخاصة في تلك المرحلة بالذات؛ لأنها مبنية على أساس متين، بفضل مستويات التفاعل وتعميق المشاركة الاقتصادية، لكن وكما يتعمق التعاون هناك أيضًا الحاجة لجنوب إفريقيا إلى تحقيق التوازن بين مجموعة واسعة من علاقاتها الثنائية والإقليمية والعالمية وهذا ما تقدمه منصة منتدى التعاون الصينى الإفريقي كفرصة إضافية لجنوب إفريقيا والصين والقارة لصياغة المرحلة المقبلة من تطوير الشراكة بين البلدين.