كان الاعتقاد الراسخ لدى الكثير من أبناء جيل التلفزة ما بعد الحرب أن الأفلام التي قدمت عن حرب اكتوبر عبارة عن فيلم واحد فقط هو فيلم"الرصاصة لا تزال في جيبي"إنتاج عام 74 عن قصة إحسان عبد القدوس وحوار وسيناريو رأفت الميهي ورمسيس نجيب وإخراج حسام الدين مصطفى وبطولة محمود ياسين ونجوى إبراهيم ويوسف شعبان وحسين فهمي، ومن رحم هذا الفيلم خرجت كل الأفلام التي تحدثت عن حرب اكتوبر والعبور وبطولات الجندي المصري حتى نهاية السبعينيات وتوقف موجة أفلام أكتوبر. حيث قدمت السينما المصرية في الفترة من 1974 وحتى 1978 خمسة أفلام تنتمي بشكل أوآخر إلى الأفلام الحربية أو الأفلام التي تحتوي على مشاهد للحرب سواء وثائقية أو روائية وهي بترتيب إنتاجها " الرصاصة لا تزال في جيبي 1974 ، الوفاء العظيم 1974 من إخراج حلمي رفلة ،بدور 1974 من إخراج نادر جلال ، حتى آخر العمر 1975 من إخراج أشرف فهمي ، العمر لحظة 1978 من إخراج محمد راضي". ويمكن أن نضيف لهم مجازا دون أن يكون له صلة نوعية وإنما بحكم المنطق النقدي فيلم"الحب تحت المطر"إنتاج عام 1975 من إخراج حسين كمال عن رواية نجيب محفوظ وسيناريو ممدوح الليثي والذي ينتهي بلوحة مكتوب عليها 6 أكتوبر 1973. نحن إذن أمام خمسة أعمال أساسية فقط هي التي تمثل كل أرشيف السينما الروائية الذي يخص أفلام حرب أكتوبر وهو عدد هزيل جدا بالطبع بالمقارنة لضخامة الحدث وأهميته على المستوى السياسي والاجتماعي والتاريخي بل والحضاري المصري والعربي. والتسلسل الزمني لتواريخ الإنتاج يعني أن ثلاثة من أشهر افلام الحرب وهي الثلاثة أفلام الأولى قد أنتجت في عام واحد، بل أن المفارقة- والمقصودة بالطبع -أن كلا الفيلمين"الرصاصة لا تزال في جيبي"و"الوفاء العظيم"عرضا يوم 6 أكتوبر 1974 ،أي في الذكرى السنوية الأولى للحرب، وبعدهم بأسبوع واحد شهدت دور العرض المصرية فيلم"بدور"في 14 اكتوبر74، وهذا التطابق في تواريخ العرض يعني أن"الرصاصة لا تزال في جيبي"لم يكن هو الفيلم الأساسي الذي قدم عن حرب أكتوبر وأستنسخت منه الأفلام الباقية، فالوفاء العظيم من تأليف فيصل ندا و"بدور"من تأليف وإخراج نادر جلال كلاهما صور وعرض خلال نفس العام. نستطيع أن نجزم أن هذا الأعتقاد سببه الرئيسي هو إشتراك محمود ياسين في بطولة الأفلام الثلاثة حتى أن المشاهد قد يصاب بالحيرة لو شاهده يرتدي الزي العسكري في أي من الافلام الثلاث فلا يدري في أي فيلم هو! باستثناء"العمر لحظة"تعتبر الأفلام الثلاثة الأخرى التي قدمت عن حرب أكتوبر بعد الرصاصة أو تزامنا معها مجرد قصص ميلودرامية لا علاقة عضوية بينها وبين حرب أكتوبر على المستوى العسكري أو السياسي بل هي أقرب لأستغلال الحرب في تصعيد ذروة الصراع أو خلق مواقف ميلودرامية مبكية وساذجة. في"الوفاء العظيم"نتابع قصة شديدة السذاجة حول رجل يرفض زواج ابنته من ضابط شاب لأن والد الضابط قام بقتل المرأة التي يحبها الرجل ليلة زفافهم، دون أن ندري كيف يمكن أن يصبح ابن شخص مجرم وقاتل ضابطا بالجيش وهو أمر مناف للمنطق والقانون في نفس الوقت. ولو نظرنا إلى توظيف الحرب في الفيلم سنجد أنه لا علاقة بحرب أكتوبر كحدث سياسي أو تاريخي بالفيلم وإنما هي مجرد ظرف زمان حربي يمنح الكاتب فرصة لقتل أحد الأبطال وبتر ساق الأخر. على نفس هذا السياق نجد فيلم"بدور"لمحمود ياسن ونجلاء فتحي أيضا حيث النشالة الشابة التي تقع في حب عامل المجاري الفقير صابر وعندما يستقيم حالها على يديه يستدعي للحرب. ومرة أخرى لا نجد أي ذكر لأكتوبر كحدث حربي وإنما مجرد حرب ضمن سياق الميلودراما القصصية كأن نقرأ قصة تقول"وذهب البطل إلى الحرب ولم يعد". وفي عام1977يقدم اشرف فهمي فيلمه"حتى آخر العمر"حول زوجة شابة تضطر إلى إحتمال زوجها ضابط الطيران الشاب الذي عاد من الحرب مقعدا وتتعرض لإغراءات كثيرة من قبل صديقه لكنها تظل وفيه له وتقرر أن تعيش تحت قدميه حتى آخر العمر. هنا أيضا لا نعرف ما إذا كانت تلك الحرب هي حرب أكتوبر أو حرب 67 أو أي حرب والسلام, فالأحداث كلها تدور في فلك العلاقة العاطفية ما بين الطيار الشاب محمود عبد العزيز والحبيبة ثم الزوجة"نجوى إبراهيم" في ثاني تجربة لها في افلام الحرب بعد"الرصاصة"ولكن مع الفارق بالطبع. عبر هذه المقارنات يمكن أن نخلص إلى نتيجة واضحة تخص التيمة لأفلام أكتوبر ولا نستثني فيلم"العمر لحظة"من بطولة ماجدة وأحمد مظهر ومحمد خيري إنتاج 78 وإخراج محمد راضي عن رواية يوسف السباعي. وهي أن كل أفلام الحرب التي أنتجتها السينما المصرية تحتوي على قصص حب ميلودرامية وعلى قدر غير هين من الصدف المقصودة وتتمحور دوما حول وجود رجلين يتصارعان على حب إمراة واحدة وتصبح الحرب هي الحل الدرامي في التخلص من أحدهم أو سببا في أن تحسم المرأة علاقتها بواحد منهم سواء أختفى الطرف الثاني أو استشهد أو تم طرده من حياتها وغالبا ما يكون أحد الرجلين رمزا للنظام السياسي قبل عام 70 والرجل الثاني هو صاحب قرار الحرب الشهير.