رئيس الوزراء: تشكيل خلية عمل استثنائية خلال فترات الإجازات لمنع التعديات    رئيس الوزراء: مشروعات البنية التحتية سبب إقبال المستثمرين على مصر    برلين: أوكرانيا ستتلقى قريبا أولى الصواريخ التي سيتم تصنيعها مع ألمانيا    وزير الرياضة يستقبل علي فرج للاستفادة من خبراته في تدريب وتأهيل المنتخبات    الأوبرا تستضيف معرض "عاشق الطبيعة.. حلم جديد" للفنان وليد السقا بقاعة صلاح طاهر    اتحاد الصناعات يبحث مع سفير بيلاروسيا التعاون بالصناعات الثقيلة والدوائية    لجنة الخطة بالنواب تطالب الإسكان ببيان بعدد القروض وأوجه استخدامها    الاصلاح والنهضة توصي بتأهيل المرأة سياسيًا وتفعيل دور الأحزاب    لأول مرة في تاريخ المدارس الحكومية.. التعليم تتعاون جامعة كامبريدج لتطوير وتدريس اللغة الإنجليزية    الجيش الإسرائيلي ينشر مشاهد لنصب مستوصف ميداني جنوب سوريا ل "دعم سكان المنطقة"    المنسقة الأممية: لا سلام دائم في الشرق الأوسط دون تسوية شاملة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي    مدير «جنيف للدراسات»: تزاحم أوروبي أمريكي للاستثمار في سوريا    رئيس جامعة بنها: متابعة لأعمال الامتحانات وجدول زمني لاحتفالات التخرج    عقوبة في الزمالك.. غيابات الأهلي.. تأجيل موقف السعيد.. واعتذار بسبب ميدو| نشرة الرياضة ½ اليوم    عطل مفاجئ في صفقة انتقال عمرو الجزار من غزل المحلة إلى الأهلى    نهاية موسم محترف الزمالك مع الفريق.. تعرف على التفاصيل    أندية وادى دجلة تنظم حفلًا غنائيًا مميزًا للنجم رامي صبري في مول طنطا ضمن فعاليات الماراثون الغنائي السنوي    تشكيل البعثة الرسمية للحج السياحي من 120 عضوًا لخدمة 40 ألف حاج    رئيس منطقة الإسماعيليّة الأزهرية يبحث الاستعدادات لامتحانات الثانوية الشفوية    متى يبدأ صيام العشر الأوائل من ذي الحجة 1446؟    الفيوم تحصد مراكز متقدمة في مسابقتي المبتكر الصغير والرائد المثالي    البوستر الرسمي لفيلم عائشة لا تستطيع الطيران ضمن الأفضل بجوائز لوسيول بمهرجان كان    «قنبلة فنية».. كريم عبدالعزيز: اتمني عمل سينمائي مع حلمي وعز والسقا    محمد عبد الرحمن ضيف «فضفضت أوي» مع معتز التوني    وزير أردني سابق: نتنياهو يسعى لتقويض مفاوضات واشنطن وطهران عبر ضربة عسكرية    «زي النهارده» في 28 مايو 2010.. وفاة الأديب والسيناريست أسامة أنور عكاشة    حسن الرداد وإيمي سمير غانم يرزقان ب «فادية»    أفضل الأعمال في أيام العشر من ذي الحجة    «القومي للبحوث» ينظم ندوة حول فضل العشر الأوائل من شهر ذو الحجة    نائب وزير الصحة يشيد بأداء عدد من المنشآت الصحية بمحافظة قنا    إيلون ماسك ينتقد مشروع قانون في أجندة ترامب التشريعية    «المصدر» تنشر تشكيل مجلس إدارة 16 شركة تابعة ل«القابضة للكهرباء»    لوكهيد مارتن تكشف مفاتيح بناء قبة ترامب الذهبية.. وتصفها ب"رؤية رائعة"    طارق يحيي: لن ينصلح حال الزمالك إلا بالتعاقد مع لاعبين سوبر    مصرع شخص أسفل عجلات قطار في بني سويف    رومانو: تاه يخضع للفحص الطبي تمهيدًا للانتقال إلى بايرن ميونخ    طريقة عمل الموزة الضاني في الفرن لغداء فاخر    في 24 ساعة فقط- 3 مشروبات تنقي جسمك من السموم    حرام شرعًا وغير أخلاقي.. «الإفتاء» توضح حكم التصوير مع المتوفى أو المحتضر    أكاديمية الشرطة تُنظم الاجتماع الخامس لرؤساء إدارات التدريب بأجهزة الشرطة بالدول الأفريقية "الأفريبول" بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولى GIZ    د.محمد سامى عبدالصادق: حقوق السربون بجامعة القاهرة تقدم أجيالا من القانونيين المؤهلين لترسيخ قيم الإنصاف وسيادة القانون والدفاع عن الحق.    الرقابة المالية: التأمين البحري يؤدي دور محوري في تعزيز التجارة الدولية    نائب وزير الصحة تعقد اجتماعًا لمتابعة مستجدات توصيات النسخة الثانية للمؤتمر العالمي للسكان    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    اليونيفيل: أي تدخّل في أنشطة جنودنا غير مقبول ويتعارض مع التزامات لبنان    الحكومة تطرح 4 آلاف سيارة تاكسي وربع نقل للشباب بدون جمارك وضرائب    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    في أول أيام الشهر.. تعرف على أفضل الأعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    لطلاب الثانوية العامة.. رقم الجلوس ولجنة الامتحان متاحة الآن عبر هذا الرابط    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    وزير العمل يعلن استمرار التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل "الوزارة" و"مديرياتها"    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهُوِيَّةُ العَرَبِيَّةُ إِبْقَاءٌ لا إِحْيَاءٌ
نشر في البديل يوم 23 - 09 - 2014

لا تَحْتَاجُ الهُويَّةُ العَرَبيَّةُ إِلى فَوَائِضِ العَوَاطِفِ، ولا تَسْتَجْدِي مَشَاعرَ مُرَكَّبةً تُسَاوِرُ أصْحَابَها مُسَاوَرَةَ الأوْهَامِ، ولا تُنَافِحُ مُنَافَحَةَ اليَائِسِ عَنْ وجُودٍ مُدَّعى؛ ذَلِكَ لأنَّها جُزْءٌ مِنْ كَيْنُونَةِ كُلِّ عَرَبِيٍ حَقِيْقِي، تَسْرِي في عُرُوقِه سَرَيانَ سَائِل ِالحَيَاةِ، وَتَحْكُمُ مَسَارَ تَوَجُّهِهِ العَقْلي، وَحِراكِه الاجْتِماعِي والسِّياسِي، وَهِيَ تجَْسِيدٌ حَقِيقيٌ لأشواقِ الوحدةِ والالتِئامِ بّعْدَ التَّردي في مَهَاوِي التَّجْزِئَة و التَّشَرْذُمِ. إنَّها الجَسَدُ الواحدُ بالحقيقةِ الوَاقِعَةِ وَوِحْدَةِ التَّاريخٍ وتَجَانُسِ المُكَوَّنِ الثَّقَافِي والمُعْطَى الاجْتِماعِي والتَّلازُمِ المَصِيري، وهي الدَّواءُ الشَّافِي لكلِّ تَبَاينٍ وتَنَافُرٍ حَادثٍ ومُفْتَعَلٍ بَيْنَ أهلِهَا.
إنَّ هُوِيَّتَنَا العَرَبِيَّةَ هِيَ الضَّامِنُ الرَّئِيسُ للوَحْدَةِ الَّتِي هِيَ سَبِيْلُ المُوَاجَهَةِ الفَاعِلَةِ والحَاسِمَةِ لِكُلِّ تَحَدِّيَّاتِنَا الرَّاهِنَةِ عَلَى عِظَمِهَا وَفَدَاحَتِها.وَلَعَلَّ مَا شَهِدَته السَّاحَةَ العَرَبِيَّة فِي الآوِنَةِ الأخِيْرَة من أحْدَاثِ يَكُونُ كَافِيًا لتَأكيدِ أنَّ الهُويَّةَ العَرَبيَّةَ حقيقةٌ أرسخُ مما سواها، وَهِيَ ليستْ أفكارًا مُتَنَاثِرَةً تُسْتَدْعَى، ولا مَيْتًا يُسْتَنْعَى، ولا ضَلالاتٍ في الرءوسِ تُسْتَرعَى، كَمَا أنَّ مَنْ يَدَّعِي انْفِصَالاً للإِسْلامِ عَنِ العُرُوبَةِ، أواسْتِقْلاليةً كَامِلَةً لَه عَنْهَا، هُوَ كَمَن يَعْتَقِدُ أَنَّ مَاءَ السَّمَاءِ يُمْكِنُ أَنْ يُغْني شَجَرَةً عَنْ أَنْ تَكُونَ لَها جُذُورٌ في الأَرْضِ.
يزخر تراثنا العربي بمحاولات جادة لتعريف الهوية منها ما وصل إليه ( الجرجاني) إذ رأى " أنَّها الأمر المتعقّل من حيث امتيازه عن الأغيار"ومعنى ذلك أنَّه- أي الجرجاني- قد حيَّز الهوية بمفهومين هما الخصوصية والتباين بحيث جعل منهما سمتين لازمتين لإدراكها على نحو عقلاني، أمَّ ( ابن رشد) فقد ذهب إلى " أنَّها القائلة بالترادف على المعنى الذي يطلق عليه اسم الوجود" بمعنى أنَّها اتفاق وتواطؤ على المعاني الكلية، أمَّا الفارابي فقد تحدَّث عن هوية الشيء بوصفها " عينيته وخصوصيته ووجوده المتفرد الذي لا يقع فيه إشراك".
ويذهب كثيرون إلى أنَّ الهوية هي : " الذات الجماعية لأفراد الأمّة كلهم، ويُعَدُّ المساس بها مساسًا بكيان الأمة كلها، كما يمسُّ في الوقت ذاته كل فردٍ فيها على حدٍ سواء؛ لأنّه شكٌ في الماضي وطعنٌ في الحاضر ويأسٌ من المستقبل".
كما يمكن القول أنَّ الهوية هي العامل المشترك الذي يُجمع عليه كل أفراد الأمّة- أية أمّة- من حيث الانتساب والتعلق والولاء والاعتزاز وهذا الانتساب والتعلق والولاء والاعتزاز يكتسب قداسته من كونه ليس موضع شكٍ من طرف أي أحدٍ، خاصةً ممن تتكون منهم القاعدة الشعبية الجماهيرية، وهي القاسم المشترك بين الجميع، استنادًا إلى الإرث الثقافي والتاريخي الواحد.
ولهوية الأمَّة حدودٌ تنشأ وفقًا لظروف تاريخية معينة. وهذه الحدود لا هي أزلية، كما يزعم البعض، ولا هي ظرفية متغيرة بسرعة. إنَّها كما يراها د. نديم البيطار" هوية نسبية وتاريخية ومنظورة لاثابتة ولا جامدة، ليست جوهرًا متأصلاً، بل هي خلاصة وتاريخ خاص من التجارب الثقافية والحضارية لأمَّةٍ من الأمم، وهي بهذا المعنى أمر قابل للتعديل، وللتكيف والتفاعل مع الهويات الأخرى؛ شريطةَ أن يتم ذلك باختيار واعٍ ضمن معادلة متكافئة، ولحاجة تفرضها الضرورة القومية، وتُقرّها الإرادة الجماعية لكل أفراد الأمَّة في ظروف وشروط موضوعية ، والهوية القومية يمكن أن تُحَدّد سوسيولوجيًا بأنَّها مجموعة من السمات العامة التي تميّز شعبًا أو أمَّةً في مرحلة تاريخية معيَّنة".
ويصل ( عفيف البوني) إلى أنَّ "الهوية القومية يصنعها تاريخ وتراث وثقافة القومية المعنيَّة بالهوية، ومن شروط الثقافة الأصلية تنوع مصادرها وتجددها على الدوام، ومن شروط الهويّة القوميّة ألا تتكوّن أو تتجسّد أو تتأصّل أو تستمر إلا في إطار التوحّد والتفتّح، وهي لاتتعدد لأنّها ذات جماعية، والذات لا تتجزأ، بل يمكن أن تتفاعل من دون أن تُستوعب، وتثبت من دون أن تتحجر، وتتطور من دون أن تُمسخ".
ويوضح ( البوني) الفرق بين التنوع الذي يثري الهوية القومية ويدعمها، والتعدد الذي يمثل تهديدًا واضحًا لها فيقول " كثيرًا ما يحصل الالتباس بين مفهومي التنوع والتعدد، وكأنَّهما يحملان المعنى نفسه، وهذا ما يستوجب شيئًا من التوضيح :إنَّ مفهوم التنوع يقوم على تكامل وتفاعل العناصر وعدم تضادها، ولذلك يشكل التنوع الثقافي عامل إخصاب وإثراء للهوية القوميّة ، أما التعدّد فيقوم على اختلاف العناصر التي هي محل تجادل وتصارع ويقوم بعضها على أساس نفي البعض الآخر، وعامل التناقض هذا يجعل من التعدد عامل نقض وهدم وخصوصية سلبية تخلق متعصبين منقسمين إلى ولاءات عديدة وضيقة على حساب الولاء الأكبر والمشترك وهنا يفقد التفاعل معناه".
ويرى البعض أنَّ هناك مستويات متعددة للهوية يجب التمييز بينها عند تحليل موضوع الهوية، أهمها المستوى الفردي ويعني شعور الشخص بالانتماء إلى جماعة أو إطار إنساني أكبر يشاركه في منظمومة قيمية معينة، وهي هنا ذات بُعد نفسي يرتبط بالثقافة السائدة والتنشئة الاجتماعية، أمَّا المستوى الثاني فمتعلق بالتعبير السياسي الجمعي الذي يتبلور في شكل تنظيمات وأحزاب وهيئات شعبية ذات طابع تطوعي واختياري، ويتجسد المستوى الثالث في المؤسسات والأبنية والهيئات والأشكال القانونية التي تقيمها الأنظمة السياسية، ومعنى ذلك أنَّ الهوية تستلزم وجود أشكال تبرزها وتعبِّر عنها وتسمح لها بالظهور على نحو يوضح خصائصها الأصيلة، دون العمل على مأسستها؛ وذلك لأنَّ كل مأسسة تخدم جانبًا من جوانب الهوية يكون على حساب جانبٍ آخر، وتظل الهوية على مستوى الضمير القومي الجماعي فاعلةً حتى وإن أخفقت المؤسسات في تجسيدها أو حاولت صبغها بصبغةٍ معينةٍ أو تعديلها؛ لأنَّ الشعب – دائمًا- ما يكون هو المقياس لا المؤسسات، فالهوية لدى الشعب تضعف ولكنها لا تنكسر، تكمن ولكنّها لاتغيب، وهي- دائما- في حال انتظارٍ وتحيُّنٍ للحظة التي تسمح لها بالتعبير عن ذاتها، ومن أجل هذه اللحظة يكون النضال الفكري والسياسي الذي تكون الهوية القوميّة بالنسبة له هي الإطار.
نخلص من ذلك إلى أنَّ الهوية القومية هي الوعاء الحاوي لثقافة الأمة ومقوماتها الحضارية ومكوناتها التاريخية، وإرثها الفكري، وهي السياج المانع لذوبان كل ذلك، ومن ثمَّ تبدده وتلاشيه، ولا يمكن القول أنَّها تضاد الهوية القُطريّة، بل هي الغلاف الحامي لها من التفتت وتجزيء المجزّأ على نحو ما رأينا مؤخرًا في عدد من الأقطار العربية، وإنَّ خادعت المسميات والتفسيرات.
إنَّ الهوية القومية هي عامل القوة الأول لأية أمَّة، كما أنَّ تراجعها وإضعافها يمثل التهديد الأكبر للأمة، وهذا الإضعاف يتمثل بشكل واضح في ربط الهوية القومية بتوجهات وممارسات نظامٍ بعينه؛ حتى وإن ادعى هذا النظام أنَّه القائم عليها والحامي لها، إذ أنَّ الهوية القومية إنَّما تكتسب طابعًا من الرسوخ والثبات والقدرة على استيعاب المتغيرات، بينما تظل الأنظمة- حتى وإن كانت جماهيرية تتحرك وفق رؤية واضحة- عُرضةً لأن تضطرللتواؤم مع ما يمكن أن نراه رضوخًا لمتطلبات الواقع؛ لذلك فليس من الحقيقة في شيء أن نعتقد أنَّ نظامًا ما يمثل هويتنا القوميّة؛ لأنَّ ذلك يستدعي حتمًا عند معارضته أو الاختلاف معه أن نكون في موقف الضد مع هويتنا القومية، وبالقطع فإنَّ هذا الأمر لا يقول به عاقل ولا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد!
إنَّ ما نحتاج إليه هو الإبقاء على هويتنا القومية بمعزلٍ عن عوامل التوجيه أو الهدم والتشويه؛ إذ أنَّها من القوة بحيث تستعصي على الإفناء، ولأنَّها تمثل – دائمًا- عنصرًا داعمًا، لا مكونًا هشًا يحتاج إلى العون من قبل أيٍ من كان ؛ خاصة الأنظمة الحاكمة، إذ أنَّها – في أحيان كثيرة- إمَّا أن تكون كالدّبة التي قتلت صاحبها ؛ خوفًا عليه، أو في أحسن الأحوال فإنَّها تريد أن تجعل من الهويّة القوميّة، موظفًا على درجة ماليةٍ مناسبةٍ في إحدى مؤسساتها!
إنَّ التسليم بأنَّ هويتنا القومية هي مكمن قوتنا- أمر لم يعد محل شك ؛ وبها لا بسواها ستتحقق الوحدة، وليس من المستغرب أن نقول أنَّ أعداءنا قد فطنوا إلى ذلك قبل أن يفطن إليه كثيرون منا؛ لذلك فقد سعوا جاهدين إلى إذكاء روح العشائرية والطائفية والمذهبية والإثنية على طول الوطن العربي، بل إنَّهم وضعوا الهويات المحلية والدينية في حالة تضاد مباشر مع الهوية القومية العربية بقصد الإضعاف والتجزئة ومن ثَمَّ الاحتواء الذي يتبعه الالتهام والهضم، مما يجعلنا نوقن أنَّ جميع هذه الهويات التشرذمية لم تظهر على السطح بوجهها القبيح إلا بفعل هؤلاء الأعداء وبسبق وتجهيز من أجهزتهم الاستخباراتية، ولم يكن أيسر لهؤلاء من العمل على الهوية الدينية في وطننا العربي ، وزرع فصائل ما سُمّي ب ( الإسلام السياسي) على امتداد وطننا العربي، بدءًا بجماعة الإخوان التي تزامنت نشأتها مع الهجرات اليهودية إلى فلسطين؛ تأسيسًا لما نُصرُّ على تسميته بالكيان الصهيوني الغاصب.
ولقد أحدثت هذه "البثور" التي تزاحمت في جسد أمتنا- ندوبًا غائرةً وجراحًا ملوثةً وأورامًا خبيثة؛ أهدرت كل ثمرة أوشكت على النضج لنضالات الشعب العربي في عدد من الأقطار العربية، وأورثت الأمة هوانًا ويأسًا بعد أن كانت فرجة الأمل قد انفتحت بسقوط بعض أنظمة التبعية والاستبداد، مما أعاد الأمور في الغالب إلى المربع صفر، وربما تراجعت لأبعد من ذلك، بفعل ما رسّخته هذه الكيانات الإجرامية، لدى قطاعات واسعة من الجماهير من ترك أو تأجيل للرغبة في التغيير ، بعدما عاينوا مردوده الكارثي فيما سُمّي ب" الربيع العربي"، والذي لم يكن في الحقيقة سوى امتداد لخريف أنظمة الاستبداد والتبعية.
إنَّ تحقق الكرامة العربية ، لا يكون إلا بالانتصار لهويتنا القومية التي بها وعلى عينها تصنع الوحدة القومية للأمة؛ لذلك فمن المستحيل أن تُصنع هذه الوحدة ما دامت هويتنا العربية تقع من اهتماماتنا موقع التهميش والنبذ، وإذا كان من المأمول أن تتحقق لأمتنا وحدتها السياسية؛ فإنَّ تحديات الراهن تفرض علينا أن نحافظ على هويتنا؛ إذ انَّ الإبقاء على الهوية هو السبيل الوحيد لصون جذوة الضمير القومي موقدة، شديدة الارتباط بدوافعها وأسبابها الحضارية، داعمة لإرادة التغيير والتحرر" فمن لايملك هوية لا يصنع تاريخًا، وليس له- ايضًا- أن يحلم بالمستقبل".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.