الدعم النفسي وإعادة تأهيل الأطفال أولوية كبرى الفقر وندرة فرص العمل سهلت استغلال بعضهم في أعمال غير قانونية السكن والعمل والتعليم أكبر المشاكل.. والأحوال المعيشية تزداد صعوبة وقف تأشيرات الدخول بعد 30 يونيو فرق بعض الأسر رئيس "اللاجئين" بأكتوبر: نطالب "الداخلية" بتسهيل إجراءات الإقامة "بدى مساري أدبر بها حالي"، "محتاج آكل"، كلمات قليلة ولهجة مختلفة تستمع إليها وأنت جالس على إحدى مقاهي وسط البلد، أو يمكن أن تشاهدها في ميدان رمسيس، لسيدة ثلاثينة ترتدى ملابس قديمة بطراز سوري أو لفتى صغير ملامحه غير مصرية يتحدث بلهجة مختلفة. هذا جزء من صورة وليست كل الصورة، حيث يعانى بعض السوريين اللاجئين إلى مصر من بعض المشكلات وضيق الأحوال المادية، ولكن الصورة الأعم تضم نساء وأطفالا فروا من الحرب والاضطرابات السياسية بالشام العظيم، تاركين خلفهم منازلهم وذكرياتهم وهمومهم وكراريسهم وكتبهم، تركوا أحلامهم، منهم من ترك إخوته أو زوجته بعد أن لقيت مصرعها من هؤلاء البلطجية الذين يحاربون جيشهم السورى الوطنى، ومنهم من ترك حلمه الصغير فى وطن كبير آمن تحت القصف والنيران. قصص وحكايات لاشقائنا السوريين الذىن قدرت أعدادهم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فى آخر إحصاء رسمى لها على موقعها فى يوليو 2014 بنحو6 ملايين لاجىء، من بينهم 2.5 مليون خارج البلاد إلى تركياوالأردن ولبنان ومصر، وبلغ نصيب مصر منهم 320 ألفا منذ بدء الصراع بحسب تقديرات وزارة الخارجية المصرية، وبلغ عدد الأطفال 56 ألفا و154 طفلا حسب المفوضية، بينما يبلغ المجموع الكلي للأطفال السوريين اللاجئين 1.1 مليون طفل، 75% منهم دون الثانية عشرة. يقول أحمد كسيبى، مدير مؤسسة حمزة الخطيب الخيرية لرعاية الأطفال السوريين الأيتام بمدينة 6 أكتوبر، إن ظروف الأطفال السوريين فى مصر تختلف حسب حالة الأسرة، فهناك أسر ميسورة الحال تمكنت من استئجار شقق فى منطقة السادس من أكتوبر ومساكن عثمان بالحى العاشر من رمضان، وأسر أخرى تعانى مشكلة السكن والأحوال المعيشية، وهذه تتم مساعدتها عبر الجمعيات الأهلية والمنظمات التى تساعد الللاجئين. أوضح كسيبى، أن أسوأ شريحة من الأطفال السوريين اللاجئين إلى مصر هم الأيتام الذين فقدوا ذويهم، مشيرا إلى أن الدار لديه تضم أطفالا من أعمار 6 إلى 12 سنة، فقدوا الأم والأب والأخ والجد وكل الأسرة، وفروا مع غيرهم من الأسر النازحة إلى مصر، وبعضهم ذهب إلى مخيمات الأردنوتركيا. أشار كسيبي، إلى أن الأطفال يعانون نفسيا وصحيا ويحتاجون إلى دعم نفسى من أهوال المشاهد التى تعرضوا لها فى سوريا من قتل ودمار، فضلا عن وجود أسر كاملة فى مصر فقدت عائلها سواء الأب أو الأخ الكبير، مؤكدا أن بعض الشحاذين من الأطفال والنساء السوريات لايعبرون عن الشعب السورى. أوضح كسيبي، أنه لايمكن إنكار أن هناك استغلالا لبعض الأطفال السوريين الذين تضطرهم الظروف للعمل كبائعي مناديل أو ورود فى الشوارع أو على الأرصفة، كما أن هناك كثيرا من الأطفال السوريين اضطروا للعمل فى مصر فى مهن مختلفة ولساعات طويلة سواء فى محلات بقالة أو مصانع أو ورش لحرف مختلفة، والبعض الآخر يتم استغلاله فى أعمال الشحاتة أو التسول. بينما تقول أروى صابونى، مدير مؤسسة رعاية النساء السوريات وأطفالهن، إن الأطفال السوريين يواجهون مشكلة حقيقية في عملية التسجيل بالمدارس تتمثل في الأوراق الكثيرة التي يتطلبها التسجيل، وهذا أمر صعب للغاية. أضافت صابونى أن هناك مشكلة تواجه الطالب السوري وهي أنه لا يفهم اللهجة المصرية بشكل جيد وخاصة إذا كان المدرس سريعا في الشرح، ولذلك طلبنا العام الماضى من وزارة التعليم المصرية السماح لبعض المدرسين السوريين الذين جاءو إلى مصر باعطاء الطلاب السوريين دروس تقوية في نهاية اليوم الدراسى بالمدرسة للتسهيل عليهم في عملية الشرح والاستيعاب، ولكن تم رفض الطلب ونتمنى إعادة النظر فيه من جديد هذا العام. وأشارت صابونى، إلى أن الأطفال بالمدارس المصرية يعانون من عنف جسدي على يد بعض المدرسين الذين يلجأون للضرب بأدوات مؤذية كسلك الكهرباء والخرطوم، وهذا يسري على الطلاب السوريين والمصريين على حد السواء، متمنية أن تتم مراقبة المدارس ووقف الضرب بها. كما أشارت إلى أن الطفل السوري محروم من الذهاب إلى النوادي والمراكز الترفيهية بسبب ارتفاع رسوم الدخول. بينما يقول نيبال أبو الخير، رئيس رابطة اللاجئين السوريين فى أكتوبر، إن السوريين يتواجدون في أماكن كثيرة في مصر منها أكتوبر والعاشر من رمضان ومدينة السادات بالمنوفية والمريوطية بالهرم، ويواجهون مشكلات كثيرة تبدأ بارتفاع أسعار الإيجارات، في ظل غياب أي مساعدات موازية للمفوضية من منظمات مجتمع مدنى محلية أو أجنبية مهتمة برعاية شؤون لاجئي الحروب والاضطرابات. أضاف أبو الخير، أن من أهم المشاكل التي واجهت السوريين وقف تأشيرات الدخول بعد 30 يونيو، فهناك عدد كبير من الطلاب والطالبات الذين خرجوا لزيارة ذويهم في إجازة نهاية العام الماضي لم يستطيعوا العودة إلى مصر إلى الآن، وكذلك بعض الآباء حرموا من الإقامة مع أولادهم في مصر، مشيرا إلى أنه يتمنى منح تأشيرات الدخول للم الشمل فقط ليستطيع الآباء العودة إلى آبائهم والعكس أيضا، مؤكدا أن الحصول على الإقامة في مصر أصبح شبه مستحيل، ما دفع بعض السوريين إلى الهجرة غير الشرعية لأوربا مع ما في ذلك من مخاطر قد تودى بحياتهم أو نعرضهم لخطر القبض عليهم وترحيلهم إلى تركيا ولبنان. وطالب أبو الخير، وزارة الداخلية بتيسير الإجراءات الخاصة باستخراج الأوراق والإقامة. قالت صباح الأخرس، سورية مقيمة في العاشر من رمضان، إنها تقيم في مصر منذ سنة تقريبا والمشكلات التي تواجهها في مصر تعتقد أنها أقل بكثير مما يلقاه أشقاؤها في مخيمات تركياوالأردن خاصة مع قدوم فصل الشتاء القارس، مشيرة إلى أن المشكلة الرئيسية التي تواجهها في مصر هي الصعوبة في استخراج الأوراق المطلوبة لابنتها الكبري أثناء تقديمها للتنسيق في جامعة قناة السويس. أضافت الأخرس، أنه كانت هناك معاملة سيئة من الموظفين في شباك استلام أوراق الوافدين، وبعض الاتهامات السيئة بأن السوريين دعموا الإخوان. بينما طالبت مدام جيهان، من حلب وتقيم في 6 أكتوبر، بتوفير راتب شهري من المفوضية لكي يساعدها علي المعيشة، خاصة أن زوجها لم يتمكن من العودة إلي مصر بعد رفض الإقامة بعد 30 يونيو، وأصبحت تقيم بمصر هي وأطفالها ال4 بلا عائل مادي. أشارت جيهان، إلى أنها اضطرت للعمل في أحدي معامل الألبان بأكتوبر لتغطية مصاريف الأسرة، وإيجار الشقة الذي يتجاوز 1400 جنيه، في الوقت نفسه اضطر ابنها الصغير وعمره 14 عاما للعمل بإحدى محلات البقالة بمرتب 600 جنيه في الشهر ليساعد الأسرة في الغذاء والصحة. ومن جانبها قالت هدي الأشعل، من حمص، إن لديها 3 أطفال جأت بهم منذ عام مع والدهم، الذي كان يعمل مهندسا، ولكنه اضطر للعمل في إحدي ورش الميكانيكا نظرا لغياب فرص العمل في مصر، مشيرة إلى أن المفوضية تصرف لهم 200 جنيه شهريا للأغذية من المأكولات والحبوب والمعلبات يتم صرفهم من إحدي السوبر ماركت، وأن ذلك المبلغ لم يعد كافيا للأسرة خاصة أن الأطفال يحتاجون إلي دعم مادي لتغطية تكاليف المدرسة من أدوات وكتب مدرسية وملابس. أكدت الأشعل، أن أصعب شيء يواجه السوري هو الحرمان من وطنه والرغبة الشديدة في العودة، مشيرة إلى أنها تشعر أن مصر وطنها الثاني وأن معاملة المصريين طيبة إلا من القلة التي تفهم السوريين خطأ وتوجه لهم اتهامات بأنهم يناصرون الإخوان المسلمين وهذا غير صحيح. ومن جانبه قال أحمد محمد، 15 سنة من حلب ومقيم في مساكن عثمان، إنه يشتاق لبلاده كثيرا، ويتمني العودة لمدرسته التي رآها آخر مرة منهارة أمام عينيه بعد القصف، ويعود إلي بيته الصغير مع أقرانه الذي كان يلعب معهم أمامه. قال أحمد، إنه يعمل الآن في مصنع للملابس ويحصل علي يومية 35 جنيها يساعد بها أمه وإخوته الصغار خاصة أمجد الذي يبلغ من العمر 3 سنوات ويحتاج إلي ألبان صناعية وأدوية كثيرة لمرضه بالصفراء، مشيرا إلى أن والده مازال حتي الآن في سوريا لا يستطيع المجيئ لمصر بعد وقف التأشيرات خلال الفترة الماضية، مناشدا السلطات المصرية مساعدته للوصول والمعيشة معهم ليجمع شمل الأسرة. بينما يقف في ملابسه المهترئة بميدان رمسيس يستوقف المارة ويطلب منهم جنيها ليشتري طعاما، وبسؤاله تخوف كثيرا من الحديث، ولكنه قال إنه يعيش مع إخوته السبعة وجدته وأمه في مدينة العاشر من رمضان، وهو يعيش في مصر منذ 8 شهور، متذكرا الدمار الذي لحق بمنزلهم. قال علي، 14 سنة إنه كان في الصف الثاني الإعدادي بسوريا، ولكن بعد مجيئ مصر لم تتمكن أسرته من دفع نفقات المدرسة وتحمل أعباء المعيشة وإيجار الشقة، ومن وقتها وهو يعمل في أماكن كثيرة للمساعدة في نفقات المنزل، منها العمل لدي ميكانيكي وترزي ونجار، وفي كل مرة كان يلقي معاملة سيئة من صاحب المحل، إما بعد إعطائه اليومية أو بإهانته وضربه. وأشار علي، إلى أنه لجأ للشحاتة مع مجموعة من أصدقائه المصريين بالمنطقة الذين يحضر معهم يوميا من العاشر إلي رمسيس، وأنه وجد الشحاتة أسهل كثيرا من ضرب ونهر أصحاب المحلات له، وخاصة أنه يحصل يوميا علي 20 جنيه من المارة، وعندما يعود للمنزل يخبر أمه أنه كان يعمل في محل لبيع المأكولات. بينما يقول أحمد عبد العليم، مسؤول ملف اللاجئين بالائتلاف المصري لحقوق الطفل، إن الطفل السوري يعاني من مشكلات كثيرة أبرزها الفقر وصعوبة المعيشة، ومن ثم لجوء بعضهم للتسول والشحاتة أو الانخراط في أعمال هامشية بها بعض المخاطر، فضلا عن صعوبة التحاق الأطفال بالمدارس من بعد 30 يونيو وتبني مواقف فردية من بعض المسؤولين بالمدارس بمعاقبة السوريين، في اعتقاد خاطئ بأنهم تدخلوا في الشأن المصري بعد 30 يونيو وأنهم متعاطفون مع الإخوان المسلمين. أكد عبد العليم، ضرورة احترام التعهدات الدولية بشأن أوضاع الأطفال اللاجئين بمصر ولا سيما الأطفال السوريين الذين يتعرضون للانتهاكات بشكل يكاد يكون يومي سواء من استغلالهم في التسول أو أطفال الشوارع أو المشاركة في أعمال عنف أو بلطجة، في ظل استمرار معاناة الشعب السوري. قالت مني حسين، إخصائي الاتصالات والإعلام الاجتماعي بهيئة بلان الخيرية بمصر، إن الهيئة أطلقت برنامجا جديدا لتقديم المساعدات لآلاف من اللاجئين السوريين في مصر، من خلال هذا البرنامج، سيتلقي آلاف اللاجئين السوريين المساعدات التي يحتاجون إليها بشدة. أوضحت حسين، أنه يوجد في مصر حالياً نحو 333,000 لاجيء سوري منهم 35,000 في مدينة الإسكندرية؛ إحدي المحافظات العاملة بها بلان. بينما صرح يوني كريشنان، مدير برنامج الاستعداد للكوارث والاستجابة لها بهيئة بلان الدولية، في تقرير صحفي للهيئة أن العنف ترك آثاراً مدمرة علي حياة الأطفال، لذلك فإن تنفيذ أنشطة تساعد علي علاج هؤلاء الأطفال وتدعم قدرتهم علي التعافي من تلك الآثار من أهم الأولويات، فالدعم والرعاية النفسية والوجدانية للأطفال الذين شهدوا عنفاً هو أمر ينبغي أن يحتل الأولوية. أضاف كريشنان، أن الحكومة المصرية قامت بمنح "بلان" تصريحا خاصا للعمل مع اللاجئين السوريين وأفراد المجتمعات المضيفة بمدينة الإسكندرية، وتقوم بلان حاليا بإعداد مجموعة من المشروعات لتنفذها في مدينة الإسكندرية تتضمن توفير خدمات تعليمية ومعلوماتية وكذلك خدمات صحية وبيئية للفئات المستهدفة. ومن جانبه أكد روري ماكديرميت، مدير بلان الدولية بمصر، أن بلان ستستهدف العمل مع الفئات المهمشة من المصريين والسوريين وذلك كإجراء رئيسي لدعم التعايش السلمي بين المجتمعين المصري والسوري. أضاف ماكديرميت، أن التقييم المبدئي الذي أجريناه قد أظهر وجود فجوات في مجالات معينة للمساعدات من بينها التعليم والسكن والمعيشة والصحة والحماية والغذاء والمساعدات المالية وكذلك القضايا المتعلقة بتسجيل اللاجئين، لذا، سنعمل علي تقديم المساعدات للاجئين وأفراد المجتمعات المضيفة في الإسكندرية في هذه المجالات."