تجلت المغالطات التى شهدتها الكتابات التاريخية فى تدخل الحكام لكتابة التاريخ أو اضطلاع جهة ما بهذه المهمة بغرض آخر غير غرض الأمانة التاريخية، وأكبر مثال على ذلك هو ما قام به الملك فؤاد عندما كلف مجموعة من الكتاب بتجميل وجه الأسرة العلوية – خاصة والده "الخديو إسماعيل" – ونتج عن ذلك كتابات ركيكة متهافتة أبرزها ما كتبه القاضى الأمريكى "كرابيتس". وبعد ثورة يوليو 1952 شهدنا نماذج صارخة للمغالطات، فكم من مؤرخ بدل تحليله للأحداث وفق مقتضيات الوضع السياسى الذى يظله وقتئذ، وكم من كتابات وضعت فى الأساس لخطب ود سلطة أو جهة أو تيار، ورأينا أكبر مشاهد العبث فى كتابة التاريخ على يد الكثيرين ممن ينتسبون لهذا الحقل المهم، ولو تناولنا كتابات الدكتور عبد العظيم رمضان كمثال على هذه الحالة العبثية سنقف على مقدار المغالطات التى تحدث نتيجة سعى الكاتب لخطب ود أنظمة الحكم، فكتابات الرجل فى الحقبة الناصرية شيء مختلف تماما عن كتاباته إبان حكم السادات وهى شيء آخر عن كتاباته فى فترة مبارك، والسؤال الذى يتبادر إلى ذهنى وأنا أستعرض هذه التحولات العبثية هو: كيف لم يتعلم الرجل من دروس التاريخ الذى قرأه وتخصص فيه وكتب المجلدات الضخمة فى إطاره؟ وربما تكون الإجابة بسيطة تتلخص فى انحراف الكاتب – أى كاتب – عن جادة الحيدة والأمانة التى يرتضيهما الضمير الحى وميله إلى جهة أو سلطة لغرض أو رغبة، وهنا تحدث المأساة التى تتمثل فى تزييف التاريخ ولى عنقه وجعل الكتابة التاريخية مطية لمن يدفع أكثر ولم يغدق العطايا والهبات، وكما سعى السادات بدأب لتشويه الحقبة الناصرية وإلصاق أكثر الصور قتامة بها، سعى مبارك هو الآخر لسرقة الإنجاز الوحيد – من وجهة نظرى – الذى فعله السادات وهو حرب أكتوبر 1973، وتم تجنيد كتائب من الكتاب والفنانين والمؤرخين لهذا الغرض وشيئا فشيئا ومع سطوة آلة الإعلام الرسمى، التى كان صفوت الشريف يحسن الإمساك بخيوطها، تم اختصار انتصار الشعب المصرى كله فى "الضربة الجوية" وأصبح الناس وأمسوا على أغنيات وكتابات وجدت طريقها إلى عقول الكثيرين – خاصة من لم يتم بناء عقولهم جيدا وبعض صغار السن – جعلت من هذه الشخصية السطحية الهشة كأنها شخصية حكيم ومفكر عظيم! ولهذا لم يكن مستغربا أن نجد فى مصر جيلا لم يكن يعرف عن رجل كأحمد عرابى سوى أن هناك محطة مترو تحمل اسمه!!. واستمر مسلسل المغالطات مع وصول تيار اليمين المتطرف ممثلا فى جماعة الإخوان المجرمون لحكم مصر، ثم بلغت المغالطات أشدها بعدما عادت أبواق نظام مبارك مرة أخرى لتفسد الحياة على المصريين وتسعى لتشويه ثورتهم المجيدة فى 25 يناير 2011، ولن تكون مرافعة حبيب العادلى فى قاعة المحكمة ولا خطاب مبارك فى قفصه آخر المشاهد فى مسلسل التزييف والوهم، خاصة وهناك منابر إعلامية وأقلام صحفية تكرس جل جهدها الآن لخدمة هذا التزييف، لكن الرهان سيكون على وعي المصريين.