رويداً تعود الحياة إلى قطاع غزة، بعد 50 يوماً من الدمار الذي تسببت به قوات الاحتلال الاسرائيلية. أعداد من الناس الذين يخرجون إلى الشوارع ويستطيعون الوصول إلى المحال التجارية والأسواق والمتنزهات، وأعداد أخرى تذهب لعملها الذي توقفت عنه لفترةٍ طويلة. الصيادون أيضاً عادوا ليمارسوا عملهم في بحر غزة، في ظلٍّ ظروفٍ ما زالت قاسية. شاطئ غزة كان قد افتقد مراكب الصيادين المعتادة على الإبحار لمسافة قريبة لصيد بعض الأسماك التي قد تفي بحاجة السكان في القطاع، وقد عاد عدد كبير من الصيادين للعمل بعد إعلان وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال، ليدخل الصياد ابراهيم شملخ إلى مسافة ليست بالبعيدة، ويعود محملاً ببعض الأسماك التي قال شملخ أنه شعر بالسعادة حين اشتم رائحتها. وحول أحوال الصيد والحالة التي يعيشها الصيادون، أفاد شملخ: "منذ فترة طويلة ونحن نعاني من أزمة المسافة المسموح لنا الدخول إليها، فقوات الاحتلال دائماً تمنعنا من الوصول إلى بعض الميلات التي تمكننا من صيد أسماك جيدة، لذلك غالباً ما ترى في الأسواق أنّ السمك صغير ومعظمه لم ينمو بالشكل الكافي، غير أن دولة الاحتلال تستطيع اصطياد ما شاءت من الأسماك والإبحار إلى مسافات بعيدة جداً لا يمكن أبداً لنا أن نصل إلى خمسها". وحول المخاطر التي قد يتعرض لها الصيادون، تابع شملخ: "نحن نخرج ولا نعلم إذا كنا سنظل على قيد الحياة أم أنَّ زورقاً قد يطلق علينا النار في أيَّة لحظة، لأنَّ الاحتلال لا يرحم وقد يُفشل الاتفاقات في أي وقت، منذ فترة بعيدة ونحن نعاني من إطلاق النار أحياناً، ومن الاعتقالات في أحيانٍ أخرى، فكثير من المرات قاموا بحصار مراكبنا واقتياد الصيادين إلى أماكن مجهولة ثم إعادتهم إلى نفس المكان، بصورة مستفزة وتثير غضب الصيادين الفلسطينيين، هم لا يريدوننا أن نفعل شيء، يريدون أن يحاصروا كل شيء، البر والبحر والجو". أما عن التصريحات الرسمية المتعلقة بمساحة الصيد البحرية، فقد قال نقيب الصيادين، الأستاذ نزار عياش: "برغم ما تم الاعلان عنه من وقف لإطلاق النار وفتح للمعابر وتوسيع مساحة الصيد، إلا أنَّ شيئاً لم يتغير، هي المسافة نفسها التي كان مسموح لنا الصيد بها قبل العدوان، ولكن الفرق أننا الآن نستطيع أن نقول أنهم لا يطلقون النار على الصيادين كما كان الوضع في السابق، وقد تلقينا وعوداً بأنه سيسمح لنا بالصيد مسافة أكبر من ستة أميال، وصولاً إلى 12 ميل، إلا أنه لم يحدث شيء مُطلقاً". وحول ممارسات الاحتلال بحق الصيادين، أضاف عياش: "قوات الاحتلال لم تسمح للصيادين خلال الحرب بالنزول إلى البحر أبداً حتى ولو لمسافة 100 متر، وكانت تطلق النار عليهم مباشرة"، ونوَّه على أنه لا بد من فك الحصار كُلِّيًّا عن القطاع، حتى لا تستمر اسرائيل بهذا النهج وبالتحكم بمقدرات الشعب الفلسطيني. وبالعودة إلى الصيادين، عبَّر الصياد أبو نايف عن أسفه إزاء ما يحدث معه ومع زملائه في البحر، وذكر بأنَّ ممارسات الاحتلال تؤكد أن الفلسطيني مسلوب الحقوق، وأنه لا يمكن له أن يعيش حياته دون منغصات ودون عرقلة من جانب المحتل، وشدد أبو نايف على ضرورة أن يكون هناك استقلالية لدى الفلسطينيين فيما يتعلق بمساحة الصيد البحرية، وبحرية الصيادين الذين يتعرضون يومياً لإطلاق النار ولمضايقات من الجانب الاسرائيلي. حال الصيادين في غزة يشبه حال الحرفيين والأطباء والمعلمين والطلبة، يشبه حال الفلسطيني الذي يعاني يوميًّا من مشكلة جديدة وذات نوعية مختلفة، وكأنَّ شخصًا ما يجلس في الزاوية، ويصنع العراقيل التي تؤجل حياة الفلسطينيين.. وتُفسد أفراحهم.