من غيرها غزة التي تتعرض لكافة أنواع التدمير التي لم تتعرض لها مدينة قط في هذا العالم، فهي التي لا زالت تُقصف لليوم الخمسين على التوالي بمختلف أشكال وأحجام المتفجرات والصواريخ التي تستخدمها طائرات الاحتلال الاسرائيلية لتطال كل المناطق في القطاع، ولتدمر البنية التحتية للحياة في هذه المدينة التي تكتظ بالسكان وتصل الكثافة السكانية فيها إلى 4,661 فرداً /كم2 بحسب التقرير الأخير لدائرة الإحصاء الفلسطيني، حيث أنَّ هذا الازدحام يزيد من نسبة وقوع الضحايا خلال القصف الاسرائيلي الذي يستهدف أماكن متعددة دون اعتبار لهذا التكدس ولهذه الأعداد التي وضعت في مساحة لا تتجاوز 360 كم2 . توجه طاقم البديل إلى منطقة تل الهوا وسط مدينة غزة حيث تقع مجموعة من الأبراج السكنية المليئة بالسكان، وفي أرض الحدث، كان الناس يهربون من منازلهم دون أن يعرفوا إلى أين السبيل، حالة من الهلع أصابت المواطنين جميعهم، حيث أنَّ برج الظافر 4 المهدد بالقصف يقع بين مجموعة من الأبراج التي هرب جميع سكانها منها تحسباً للأضرار التي سوف تصيب كافة الأبراج التي تحيط بهذا البرج. دقائق قليلة كانت أمام السكان ليخرجوا من البرج، ثم يُقصف البرج، ويتدمر بالكامل. أبو عمر كان أحد شهود العيان الذين تواجدوا في المنطقة لحظة القصف، وعن ما حدث في برج الظافر 4 الواقع في منتصف مدينة غزة، قال أبو عمر: كنت أمشي في الطريق، وتفاجأت بالناس الذين يصرخون ويهربون من بيوتهم دون أي شيء سوى ملابس البيت التي خرجوا فيها بعدما أطلقت طائرات الاحتلال صواريخ إرشادية، وتبع ذلك إطلاق عدد من الصواريخ من قبل الطائرات الحربية، فتحول البرج إلى ركام. المشهد الذي رأيته غير طبيعي ولم أكن أعلم أنَّ تدمير المنازل والبنايات السكنية يؤدي إلى هذا الحجم من الدمار والخراف في المنطقة كلها، برج الظافر 4 تحول إلى ذرات صغيرة انتشرت وتطايرت في كل مكان" وأضاف أبو عمر: لقد وصلت الشظايا إلى أماكن بعيدة، والبنايات المجاورة لهذا البرج تضررت بشكل كبير. أما عن البرج المقابل لبرج الظافر 4 فقد لحقه ضرر كبير جراء هذا التدمير، حيث تهشمت أجزاء كبيرة من الشقق السكنية في هذا البرج، وأضرار جسيمة لحقت بمحتوياته وبيوته التي لم تعد صالحة للسكن، إضافة إلى تضرر عدد من الأبراج الأخرى المجاورة وذلك لالتصاق مجموعة من الأبراج بالقرب من البرج الذي تم تدميره. وفي ذات السياق، شاهدة عيان كانت مصابةً بالهستيريا من هول ما رأت، فقالت سريعاً: "بيقولو بنستهدف مقاومة طب فش مقاومة، هنا ساكنين أكتر من 500 شخص، كلهم فقدوا بيوتهم بدون سبب، بيوتنا أغلى اشي بنملكه راحت بلحظة، تعب السنين انتهى بلحظة، بس لإنه الاحتلال ما حدا قادر يوقفه ويوقف جرائمه المتواصلة بحقنا وبحق أطفالنا". وفي نفس المكان قال مواطن آخر: "اتصلوا على أحد المواطنين وقالوا أنه سيتم قصف البرج؛ فأخلينا البرج المكون من 11 طابق، وبعد حوالي نصف ساعة أطلقوا صاروخ إرشادي ثم أربعة صواريخ تدميرية. هذا إجرام العصر، 44 شقة سكنية تم تدميرها، الناس أصيبوا بالهلع والخوف، لا يوجد فاشية ولا نازية تقوم بمثل هذا العمل". من جهته قال سامي أبو زهري المتحدث باسم حركة حماس: "تدمير الاحتلال لبرج سكني وإصابة العشرات من أصحابه وتشريد عشرات العائلات هو تصعيد خطير وجريمة حرب، وادعاءات الاحتلال بأنَّ البرج هو مركز لحماس هي أكاذيب لتبرير الجريمة". في وقت لاحق لهذه الحادثة، أعلن الجيش الاسرائيلي عبر إعلامه أنه لا بيت ولا بناية ستكون بعيدة عن الاستهدافات، وقد قالت القنوات العبرية أنَّ عناصر من حماس كانوا متواجدين في البرج، وهي الذريعة التي يستخدمها الاحتلال دائماً للقيام بهذه الجرائم التي يندى لها الجبين، والتي تبتعد كل البعد عن المواثيق والأعراف الإنسانية والدولية التي تكفل للمدنيين الحماية والسلامة. وكما استشهد ألفا فلسطيني خلال هذا العدوان، فقد تحول برج الظافر 4 إلى ذكرى، لتذهب أحلام الصغار وذكرياتهم وصورهم المعلقة على حوائط البيوت، البرج المكون من أحد عشر طابقاً نزل ككومةٍ من القش؛ لتنزح 44 أسرة كانت تسكن في هذا البرج، وأصبحت الآن بلا مأوى. إذن هي سياسة جديدة ينتهجها الاحتلال الاسرائيلي بحق الفلسطينيين المدنيين الآمنين في بيوتهم، يقوم من خلالها بتدمير البيوت كاملةً.. في صورة يصعُب على العاقل تصورها أو قبولها بأيِّ شكلٍ كان، فكيف يمكن قبول ما يجري الآن في غزة، في الوقت الذي تأكل فيه آلة الحرب الاسرائيلية الأخضر واليابس، ولا تسمح لأي شيء أن يكون حيًّا !