لم نعرف فداحة الثمن الذي علي مصر أن تدفعه بعد ثورة يناير، ثمن العبور الي دولة المستقبل، دولة العيش والكرامة، كنا نعتقد ونحن نقف عشرات أو مئات في أحسن الأحوال ونقول (عايزة ثورة يا بلادي) أن هذه الثورة ستمحي السنوات العجاف، وأن الدنيا ستكون كريمة معنا ونعيش في بلدنا نتعلم ونعمل ولا نغادرها ولا تطردنا الي المجهول، كنا قليلي الخبرة، قليلي الحيلة، لم نعرف أن سنوات مبارك كما بورت الأرض بورت العقول، كما جوعت الناس وعطلت ملكاتهم خربت أيضاً في الجهاز القيمي لدينا، فلم نأمن لوجود الخبز ولم نثق في بطاقة الانتخاب، وقامت ثورة في بلادي، ثورة لم يقم بها تنظيم ولم تكن لها غرفة عمليات ولم تضع مبادئها ولا شعارها وليس لها قائد، فكان أن استولي عليها وجه آخر من نظام مبارك، ووصلنا الي اللحظة الآنية، بلد تنتظر برلمان يصنع مستقبل بعد ثورة، تعرضت لعملية سطو، ثم استطاعت الملايين أن تستردها وعادت الملايين الي بيوتها، والي حياتها اليومية، وانتظرت البرلمان ليصنع المستقبل، مستقبل تطلعوا اليه في يناير ويونيو. ولأن التخريب والتبوير قد وصل الي العصب، فرأينا عجب العجاب في بلد علي أبواب انتخابات تقرر بها انحيازتها، رأينا أحزاب وشخصيات كانت ترس في مكينة نظام مبارك، تورطت معه، وساهمت في فساده واستبداده وهي تتحالف الآن وكأن ثورة لم تقم، رأينا رأسمالين كبار أثروا من المال الحرام وكانت ثرواتهم نهبا من نصيب شعب سواده الأعظم يجوع ويمرض وجاهل، رأينا من اختاروا المواقف الباهتة والكلمات النصف نصف التي يحافظون بها علي نفوذهم ومناصبهم أو يقدمون بها أوراق اعتمادهم لدي نظام مبارك يتقدمون الصفوف ويزيحون الثوار وأصحاب المصلحة في الثورة، رأينا مبارك نفسه لديه من يدافع عنه ويخلع عليه صفات البطولة، تراجع الغلابة وانزووا بعد أن اعتقدوا أن البلد ستصبح بلدهم، تراجع الكثير من الشباب وأحبطوا وكفروا بالثورة وهم يروا دولة العجائز تعود وأحزاب العجائز تعود وأساليب العجائز هي هي. وفي خضم هذا المشهد الكئيب تنادي مجموعة من الشباب والكبار وممن لا يستطيع أحد أن يطعن في وطنيتهم وممن لم يدخل بيوتهم ولا جيوبهم المال الحرام وممن لم يلتحقوا بالثورة ليغسلوا سمعتهم فيها، تنادي هؤلاء وأصدروا وثيقة مستقبل مصر، تحالف 25 / 30، وانحازوا في الوثيقة للثوريين، وأعلنوا اعتزامهم في برلمان مصر القادم أن يطبقوا فورا مبادئ العدالة الاجتماعية، والالتزام بالديمقراطية والتعددية وحكم القانون، وأن البرلمان سيكون برلمان استعادة الاستقلال الوطني وتحرير القرار من ضغوط السيطرة الخارجية ورد الاعتبار لدور مصر القيادي في أمتنا العربية، وثيقة تحتوي علي مبادئ عشرة، تتحرر من دولة العجائز وتنحاز لدولة الشباب ودولة الغلابة ودولة المرأة ودولة الأقليات ودولة رعاية المصابين وحقوق الشهداء ودولة جبر الضرر ودولة حماية المال العام ودولة مصر التي هي جزء من أمتها العربية، دولة الثورتين، ننتظر انتخابات تعتمد علي وثيقة الثورتين، ليس فيها النظام شخوص ولا سياسات من قامت عليهما الثورتان، برلمان مستقبل مصر.