تزامنا مع الاعتداءات الصهيونية على قطاع غزة، تدور المعركة الرئاسية في تركيا بين المتنافسين الثلاثة رجب طيب أردوغان، وأكمل الدين إحسان أوغلو، وصلاح الدين ديميرطاش، حيث ينتمي المرشح الأول رئيس الحكومة لحزب العدالة والتنمية الحزب الحاكم، والثاني أكمل أوغلو، يُعد مرشح المعارضة القومية والعلمانية، أما الثالث والأخير ديميرطاش، فهو مرشح الأحزاب الكردية المؤيدة لعبدالله جولن. المرشح الكردي ديميرطاش، لا يشكل أي تهديد لمنافسيه، وخطابه السياسي معروف سلفا، وإن كان يحاول تسخين الأجواء وهو لا يستطيع التجوال في كل تركيا ليس لأنه ممنوع من ذلك، بل لأن قاعدته هي حيث يتواجد الأكراد أي في مناطق الجنوب الشرقي وفي أنقرةوإسطنبول. أما المرشح الثاني أكمل الدين أوغلو، فهو ذو شخصية هادئة وغير صدامية، وأقرب إلى الباحث ورجل العلم منه إلى السياسي رغم أنه تولى مهاما سياسية على المستوى الدولي، ومنها الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي لمدة ثماني سنوات، وبالتالي فإن خطابه السياسي ليس استفزازيا أو هاويا للمعارك الاستعراضية والعبثية، ثم إنه ليس حزبيا، بل هو مرشح حزبي الشعب الجمهوري العلماني، وحزب الحركة القومية اليميني المتشدد، وكان خيار هذين الحزبين الرئيسيين حتى لا تفترق بهما السبل ويخسرا المعركة قبل أن تبدأ، فارتأيا اللجوء إلى هذا الخيار الوسط بينهما؛ وبالتالي فإن الجماهير التي يمكن أن تحضر أي مهرجان يقيمه ليست جماهيره بل جماهير الأحزاب التي رشحته أو تلك التي تدعمه، وهي جماهير ستأتي إلى مرشح لا ينتمي تنظيميا إلى أحزابها وهذا يشكل عاملا سلبيا يدركه أوغلو، ولهذا استعاض عن الالتقاء بالجماهير في ساحات عامة بتنظيم لقاءات في مناسبات أو في إفطارات في شهر رمضان، وما يمكن أن يقيمه بعد رمضان لن يكون كافيا لتعويض إشعار الجماهير بوجوده وحضوره، وهو هنا أقرب إلى أن يكون موظفا كبيرا يترشح لانتخابات رئاسية. أما المرشح الثالث فهو أردوغان، الذي يمتلك صولات وجولات وخطابات وتكتيكات في مخاطبة الناس من على المنابر الشعبية وفي الساحات العامة، وله خبرة عمرها أكثر من عشرين عاما منذ ترشح لرئاسة بلدية إسطنبول عام 1994، خاصة منذ وصول حزبه إلى السلطة في عام 2002. صحيفة "توداي زمان" التركية، تناولت مؤخرا في تقرير لها الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وكيف وظف حزب العدالة والتنمية بقيادة رئيس الحكومة رجب أردوغان، عمليات القصف الإسرائيلي لصالح الدعاية للانتخابات الرئاسية، مستغلا حالة الغضب الشعبي التركي من الصور المروعة التي تظهر على وكالات الأنباء للعدوان على غزة، حين خرجوا للشوارع تعبيرا عن غضبهم من العمليات الإسرائيلية، حيث ظهرت ابنة رئيس الوزراء أردوغان، أمام السفارة الإسرائيلية في تركيا من أجل التظاهر والاحتجاج، وتبعها نواب ومسئولو الحزب، وأخيرا جاء أردوغان، إلى المنصة وانتقد إسرائيل. من لا يعرف أردوغان على حقيقته قد يظن أن رد فعله تجاه ما يحدث في غزة موقف حقيقي وليس دعائيا من أجل السلطة والسياسية، فعلى سبيل المثال جاء رد فعله ضد الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، في دافوس2009، في نفس الوقت الذي ضربت فيه الأزمة الاقتصادية تركيا، وانخفض دعم الشعب لحزب العدالة والتنمية إلى أدنى مستوياته منذ 2007، لكن ظهر لاحقا أن رد الفعل هذا كان مخططا وليس تلقائيا أو شخصيا. مثال آخر، أزمة أسطول "مافي مرمرة" التي كانت عملية مخططة من دوائر الاستخبارات التركية لتقديم أردوغان كزعيم جديد للشرق الأوسط، حيث كان حزبه على دراية من البداية وحتى النهاية أن إسرائيل سترد بقوة ولن تتهاون، لذا قيل لنواب الحزب ألا يكونوا على السفينة، وغادروها في اللحظة الأخيرة، لذا فعند دراسة صورة أردوغان في نظر المجتمعات العربية كانت هذه الحادثة نقطة وذروة شعبيته، وهكذا بدأ صناع السياسة التركية بتحويل هذه التفاعلات الصغيرة إلى مميزات سياسية كبيرة لصالح أردوغان وحزبه. وهكذا بعدما شنت إسرائيل هجوما آخر على قطاع غزة، انتظر أردوغان بضعة أيام حتى أدلى بأي رد فعل، على الرغم من انتقاد المعارضة لهذا الصمت، ولكن عندما بدأ رد فعل الشعب التركي في التصاعد رأى أردوغان أنه يمكنه استغلال هذا الرد في الانتخابات المقبلة، وهكذا عاد أردوغان مرة أخرى لانتقاد العدوان الإسرائيلي. يمكن القول إذن بأن هجوم إسرائيل على غزة قد أعطى فرصة ذهبية لأردوغان بإطلاق حملته الانتخابية على أنه صاحب خطاب معاد لإسرائيل، وطالما كان الأمر كذلك فلن يؤدي لتفاقم العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وغالبا بعد فوزه في الانتخابات سيعزز عملية التطبيع مع إسرائيل. وقد نشر مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط،في نهاية الأسبوع الماضي وثيقة أكدت على أن الانتخابات الرئاسية التركية والصراع بين إسرائيل وحماس؛ هما موضوعان أساسيّان يشغلان السلطات في تركيا في الشهر الأخير، وهكذا توجّه أردوغان إلى مؤسسة الرئاسة بهدف ضمان استمرار سيطرته على الساحة السياسية، على الرغم من كونها في الوقت الراهن مؤسسة رمزية فحسب، وخالية من المسؤولية السياسية الحقيقية. وتناقش الدراسة العلاقة بين العملية التي تجري في غزة وبين معركة الانتخابات التركية، فمنذ العام 2009 عندما ترك أردوغان غاضبًا قاعة المناقشات في قمة دافوس التي اندلعت فيها الأزمة الدبلوماسية الأولى مع إسرائيل، تحوّلت السياسة الخارجية لرافعة رئيسية في الساحة الداخلية التركية، ويسعى أردوغان منذ تلك الأزمة لإعطاء تركيا صورة الدولة القوية التي تقف على مبادئها في الساحة الدولية، ويزيد هذا العمل بدرجة كبيرة من تأييده بين الناخبين. وعلى خلفية الصراع الحالي بين إسرائيل وحماس، صرّح أردوغان مؤخرًا أنّه ليس معنيّا بتطبيع العلاقات مع حكومة إسرائيل طالما أنّها مستمرّة في سياستها بغزّة، وأخيرا قد وجه أردوغان نقدا جديدا لاذعا لإسرائيل، وانتقد أيضا الولاياتالمتحدة من دون أن يسميها بسبب دفاعها عن العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي.