لم يكن يوما يخطر ببال الشاب ذى الخامسة والعشرين عاما أن حياته ستقلب رأسا على عقب بسبب حادث مروري، فقد كان "أحمد السباعي" يخطط لحياته مثل كل شباب جيله، الذين يحلمون بحياة كريمة ويبحثون عن الاستقرار؛ لقد أبقاه القدر طريح الفراش، يفيق من غيبوبته بين الحين والحين ويصارع موتا كان محققا، لولا أن القدر منحه فرصة للنجاة بعملية بألمانيا وأمريكا تبلغ تكلفتها 6ملايين جنيه، إلا أن ذلك حدث بعد أن فقد كل وزنه وأجرى العديد من العمليات الجراحية، وتسببت إصابته في حاجته إلى جلسات تخاطب وتنمية إدراكية، حيث كان بالكاد يسمع ويبصر من حوله. كان يوم 5 ديسمبر عام 2013 تاريخ يجسد بداية رحلة الآلام التي تمر بها عائلة "السباعي" حتى اليوم؛ فلم يكن مجرد حادث تعرض له الشاب الذي لم يكمل الثلاثة عقود من عمره، بل كانت نقطة تحول في حياته وحياة من حوله،. تعرض أحمد لحادث مروري أثناء رجوعه من عمله في طريق برج العرب، ونتج عنه إصابات كانت كسر في الجمجمة ونزيف شديد في المخ وتجمع دموي خارج الأم الجافية بالناحية اليسرى وتجمع دموي هوائي بالغشاء البلوري للرئة اليسرى، بالإضافة إلى كسر بالنتوء الشوكي للفقرة التاسعة وكسر بالفقرة القطنية الأولى. وتحكي أخته أن شقيقها قدم على صراخه من آلام ظهره عقب وقوع الحادث مباشرة، وكان في وعيه بعد أن أخرجه زملاؤه من السيارة، وحاول أن يفتح رمز قفل تليفونه الشخصي وطلب من زميله أن يتصل بابن خاله لكي يقابلهم في المستشفى التي سينقل إليها، وظل زملاؤه في انتظار وصول سيارة الإسعاف التي أكدوا أنها كانت غير آدمية؛ حيث مكث أحمد بدون أكسجين رغم حاجته لذلك، فضلا عن وضعه على نقالة ليست مربوطة؛ مما أدى إلى تدهور حالته الصحية. وأردفت قائلة:"الإسعاف رموه في أول مستشفى قابلتهم للأسف كانت مستشفى العامرية العام، المعروفة بإهمالها وسوء إدارتها فالداخل مفقود لامحالة"، مشيرة إلى أنهم تعاملوا مع أخيها بطريقة غير آدمية؛ حيث تركوه دون أكسجين رغم حاجته الشديدة إليه، فضلا عن أنهم لم يكترثوا بإجراء عملية لوقف نزيف المخ، وظل يصارع الموت بلا أي عناية، فكل ما فعلوه هو وضعه على سرير في غرفة عادية". وتابعت:"قرر زملاؤه نقله إلى مستشفى آخر بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من الموت، ولكن سائق سيارة الإسعاف دخل في سُبات عميق ورفض نقل المريض إلى مستشفى آخر، مما اضطرهم إلى الاشتباك معه وتوبيخه لكي يقوم بعمله الذي يؤجر عليه؛ ونتيجة إهمال الإسعاف والأطباء دخل أحمد في غيبوبة بسبب نقص الأكسجين وضغط النزيف على المخ بصورة شديدة، نتج عنه تجمع دموي على المخ". وفور نقله لمستشفى أخرى، نجح جراح المخ والأعصاب في وقف النزيف وتفريغ التجمع الدموي بالمخ، وقاموا بتركيب درنقة في الرئة اليسرى؛ ونظرا لفقد كمية كبيرة من الدم فقد الأطباء السيطرة على ضغط أحمد وخرج من غرفة العمليات التي مكث فيها خمس ساعات دون أن يتم تثبيت الفقرات المكسورة، وتم وضعه في العناية المركزة لحين تحسن حالته واستقرارها، وأكد الأطباء أنه لن يفيق من تلك الغيبوبة قبل ثلاثة أسابيع كاملة. كانت استجابة أحمد 4 من 15 على مقياس"جلاسكو"للوعي، مع العلم أن الجهاز يسجل رقم 3 للميت، ولذلك ظل الأطباء ينقلونه من غرفة العناية المركزة إلى المتوسطة لمدة 6 أشهر، وأجروا له أكثر من عملية كان أصعبها تثبيت الفقرات وآخرها تركيب أنبوبة التغذية من المعدة، وكانت الشركة التي يعمل بها أحمد هي التي تتولى نفقات علاجه ووفروا غرفة مرافق لوالدته. وتقول وفاء: شقيقة أحمد "الشفاء زاد تعقيدا، بعدما علمت أن أخيها لن يتعافى إلا إذا سافر للخارج، حيث بلغت تكلفة علاجه بمثابة الصدمة، فالتكلفة 6ملايين جنيه، ورفضت الشركة أن تدفع هذا المبلغ، مما دفعهم للتواصل مع وزير الصحة وهاتفهم مكتب الوزير وطلب منهم تقديم أوراق لجنة ثلاثية، وبعد تجهيز كل الأوراق المطلوب تم إرسالها للمجالس الطبية المتخصصة، وقاموا بتشكيل لجنة أخرى وفي النهاية رفضوا طلبهم دون أسباب، بالتزامن مع قرار الشركة بوقف نفقات العلاج لأنها وصلت إلى مليون جنيه. وبعد أن تدهورت حالة أحمد إثر دخوله في غيبوبة لأكثر من مرة وإصابته بتسمم في الدم، تحرك بعض أفراد أسرته لكي ينقلوه بأسرع وقت إلى ألمانيا وأمريكا لعلاجه،ومن هنا جاءت فكرة عمل حملة تبرعات لأنها كانت السبيل الوحيد لتجميع مبلغ ال6 ملايين جنيه ، وكانت فكرة الحملة تقوم على تجميع 6 جنيهات من مليون فرد، وبالفعل استجاب عدد كبير من المواطنين في أكثر من محافظة، وجمعوا حوالي 650 ألف جنيه، صرفوا منها مائة ألف جنيه للمستشفى بعد أن رفعت الشركة يدها عن علاج أحمد، والمبلغ المتبقي لا يعادل نقطة في بحر مما يحتاجونه. وتختتم حديثها مؤكدة أن استجابة شقيقها رغم أنها بطيئة جدا إلا أنهم يحمدون الله على أنه مازال على قيد الحياة، وينتظرون توفير المبلغ المطلوب وعلاجه في الخارج، أما الآن فهو يخضع للعلاج الطبيعي المكثف، وجلسات تخاطب وتنمية فكرية وإدراكية، وقد أكد الأطباء أن زمن المعجزات لم ينته بعد.