جلس الحاج عبدالمنعم علي الأرض غير مصدق ما سمعه .. كانت الصدمة أكبر من قدرته علي الاحتمال.. لحظات من الذهول مضت وقف بعدها وأخذ يصرخ الحقوني يا خلق ابني محمد بيموت.. أملي الوحيد في الدنيا في خطر وتجمع أهل القرية من حوله يؤازرونه في مصابه وبقلوبهم المرتجفة علي ابن بلدتهم محمد قالوا لوالده أنهم سيجمعون من بينهم ما يحتاجه من مال لانقاذ ابنه..!!المشهد داخل المستشفي كان مؤلما جدا محمد يرقد علي نقالة الاسعاف في إحدي طرقات المستشفي الخاص التابع لأحد البنوك غارقا في دمه يصارع الموت لا يريد مسئولو المستشفي دخوله والعمل علي انقاذه قبل أن يأتي أحد من أهله ويدفع خمسة آلاف جنيه مقدم تأمين لخزينة المستشفي..!! أحد العاملين بالمستشفي رق لحال محمد ولاحظ أن من أتوا به من مكان الحادث الذي تعرض له أحضر معه موبايله الخاص فأخذه العامل وبحث بداخله عن رقم أهله وتمكن من الاتصال بخطيبته وأبلغها بما وقع لخطيبها وأنها إن لم نحضر بأقصي سرعة ومعها مبلغ التأمين سوف يموت محمد غارقا في دمه..!! لم تمض ساعة حتي حضرت الفتاة وأبواها وقد تمكنوا من تدبير المبلغ وايداعه خزينة المستشفي.. وعلي الرغم من تدهور حالة محمد تم إدخاله علي الفور إلي غرفة العمليات واستطاع استشاري المخ والأعصاب بالمستشفي أن يسيطر علي الحالة ويوقف النزيف الذي استنفذ كل طاقة محمد وتم نقل كميات كبيرة من الدم اليه ليخرج من العمليات بعد بضع ساعات إلي غرفةالعناية المركزة...!! في تلك اللحظات كان الحاج عبدالمنعم قدحضر من بلدته ميت شهادة مركز الشهداء منوفية ومعه عدد من أهل قريته سأل عن ابنه أخبروه انه تعرض لحادث أثناء قيادته لموتوسيكل ال دليفري لتوصيل الطلبات لأحد المواطنين بالقاهرةالجديدة حيث صدمته سيارة نقل مجهولة كانت تسير بسرعة مذهلة في الطريق المقابل له لاذ سائقها بالفرار وأسفر الحادث عن إصابته بكسر في الجمجمة ونزيف بالرأس داخلي ومازالت حالته حرجة داخل العناية المركزة والذي من المفترض أن يبقي فيها مدة طويلة..!! وقبل أن يفيق الرجل من صدمة ما سمعه عن حالة ابنه فوجئ بموظف من المستشفي يطلب منه إيداع مبالغ مالية تحت حساب حالة ابنه فتكلفة بقائه في العناية المركزة ألف جنيه يوميا.. وأسقط في يد الرجل فهو لا يملك من هذه الآلاف سوي بضعة جنيهات قليلة أتي بها من البلد..!! تلفت الرجل من حوله فوجد أهل بلدته إلي جواره الذين ربتوا علي كتفه واستئأذنوه في العودة إلي البلد وأنهم سيعودون سريعا ومعهم المال الذي يحتاجه لإدارة المستشفي...!! وصدق الناس الرجل.. أعانوه قدر طاقتهم.. وهو أيضا عاد إلي البلد وباع ما استطاع أن يبيعه وجمع كل حيلته من الدنيا وعاد إلي المستشفي...!! ثمانية وعشرون يوما مضت ومحمد مازال في غيبوبته بالعناية المركزة أنفق خلالها والده سبعة وثلاثون ألف جنيه هي كل ما يملك من حطام الدنيا ومساعدات أهل الخير وحالة ابنه كما هي.. يقف علي أعتاب الموت وقبل أن يتملك منه اليأس قال له الأطباء أنهم سوف يجرون له جراحة بالعصب السابع والثامن بالمخ الذين أثر عليهما الحادث تأثيرا بالغا سيكون بعدها بخير..!! ولم يصدق الرجل خبرا أخذ يطرق كل الأبواب ليجمع نفقات العملية ونجح بأهل الخير في اجراء العملية لابنه ليخرج بعدها من غرفة العمليات ويفيق بعدها من غيبوبته التي طالت وسرعان ما كتب له الأطباء خروجا من المستشفي علي أن يعود بعد أربعة أشهر لمتابعة حالته ونصح الأطباء الأب أن يجري لابنه خلال هذه الفترة علاجا طبيعيا حتي يتوءم صحيا ويعود الي سابق طبيعته رويدا رويدا..! واعتقد الرجل أن الغمة التي ألمت به وبابنه قد زالت ولكنه ليس دائما تأتي الرياح بما تشتهي الأنفس فلم تمضي خمسة عشر يوما حتي فوجيء محمد بتورم رأسه من نفس المكان الذي أجريت له العملية الجراحية وسرعان ما انفتح مكان العملية وخرج منه جزء من المخ وهرول الأب بابنه الي المستشفي في فزع..وعلي الفور تم إدخاله غرفة العمليات بعد أن شخص الأطباء حالته باستسقاء في المخ وسرعة احتياجه لزرع صمام توزيع مياه بالمخ قام والده بشرائه من صيدلية بالقصر العيني بأربعة آلاف وخمسمائة جنيه فضلا عن خمسة عشر الف جنيه أصرت إدارة المستشفي علي الحصول عليها قبل دخول محمد العمليات وبمساعدة أهل الخير تمكن الأب من تدبير كل ذلك وبعدها خرج محمد من المستشفي ولكن بعد يومين فقط من خروجه عاوده الورم الاستسقائي مرة أخري وذهب به الأب هذه المرة إلي طبيب خاص فأخبره أن ابنه تعرض لتدخل جراحي خاطئ وأن الصمام الذي تم زرعه انسد ويجب تغييره ونصحه بسرعة العودة إلي نفس المستشفي الخاص الذي أجريت به الجراحة لأنها المسئولة عن العملية وعليها اعادة مسار علاج محمد..!! وعاد الرجل بابنه إلي المستشفي وبدأ معهم مشوارا طويلا للعلاج بدأ بجراحة لازالة الصمام المسدود من المخ وتم بديلا عنه تركيب درنقة خارجية ثم تلتها تسع عمليات جراحية فشلت جميعها في السيطرة علي الحالة ودخل محمد مرة أخري في غيبوبة طويلة استمرت ثلاثة شهور أنفق الأب خلالها أربعة وسبعيون ألف جنيه كلها مابين ديون أو مساعدات أهل الخير ولكن هذه المرة وصل المشوار الطويل لمحمد من بعد الحادث الي طريق مسدود فقد أصيب محمد أثناء غيبوبته في العناية المركزة بعدوي فيروسية نتجت كما شخصها بعض الأطباء من خارج المستشفي بسبب تلوث غرفة العناية المركزة واهمال الأطباء والتمريض وعلي الرغم من توقف جميع أجهزة جسم محمد بما يعني موته إكلينيكيا إلا أن إدارة المستشفي قررت أن تجري له جراحة شق حنجري وطلبوا من والده أربعة آلاف جنيه رغم أنه ميت ومع ذلك دخل غرفة العمليات ولم تمض دقائق حتي يخرج الطبيب ويقول أن محمد قد توفي.. حاول الأب أن يحصل علي تقارير المستشفي الطبية الخاصة بابنه فلم يستطع..حاول أن يستلم جثة ابنه لدفنها فلم يستطع إلا بعد دفع باقي مستحقات المستشفي الحالية ولم يفلح في أخذه إلا بعد تدخل أهل الخير وسداد المستشفي وستر جثة ابنه بمواراتها التراب. حضر الأب الي الأهرام المسائي يحكي في أسي حكاية ابنه الذي فقده بيد الاهمال والتلوث داخل مستشفي البنك وأراد أن يناشد من خلال صفحة مع الناس الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية ويقول له: أنا ياريس مواطن بسيط من أديم هذه الأرض الطيبة أعرف أني لا أمثل شيئا في مهام مسئولياتك وتحدياتك هذه الأيام ولكني مواطن من أبناء مصر ابني قتل قتلا طبيا وأريد حقه من الذين قتلوه.هل تتوه الحقوق في هذا الزمان؟!
E.M:[email protected] للمراسلة: القاهرة شارع الجلاء رقم بريدي11511 الأهرام المسائي فاكس:25791761 تليفون:0227703100 01223920261 رابط دائم :