تعددت الحكومات وما زالت الدولة مصرة على ممارسة سياسات فاشلة تقف دائما عائقا أمام الفلاح وتدفعه بكل قوة إلى هجرة مهنته التي توارثها عن أبائه وأجداده على مدار عقود زمنية. أصبحت الزراعة مهنة طارده لممتهنيها؛ لعدم قدرتها على توفير حياة كريمة لهم ولأسرهم، ولم يتخذ المسئولون أي قرار من شأنه أن يرتقي بالفلاح والزراعة، فكل ما حصل عليه الفلاح وعود واهية لم تنفذ على أرض الواقع، كالتأمين عليه وتوفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعمة وتطبيق الزراعات التعاقدية على كل المحاصيل الاستراتيجية لضمان تسويقها بالكامل، فضلا عن فشل الدولة في القضاء على الحلقة الوسيطة في عملية التسويق التي تحتكر ربح المحاصيل وترك الفلاح مهموم بديونه. قال الدكتور نادر نور الدين، الخبير الزراعي، إن السياسات الزراعية الفاشلة التي تنتهجها الحكومات المتوالية سببا رئيسيا وراء تراجع الزراعة في مصر لكونها تقف عائقا أمام الفلاح، مؤكدا أن الفلاح المصري يعيش أسوأ أيام حياته من كثرة الأعباء التي توضع على كاهله وآخرها إصرار وزير الزراعة على رفع سعر شيكارة السماد بنسبة 33% بداية الشهر المقبل، بجانب عدم توفير التقاوي عالية الإنتاجية. وأضاف "نور الدين" ل"البديل" اليوم، أن وزيري الري والزراعة أصدرا قرارا بحبس نصف مليون فلاح بسبب غرامات الأرز، رافعين شعار "يا الدفع يا الحبس"، في حين أن المساحة التي سمح لها بزراعة الأرز لن تغطي احتياجاتنا المحلية لخطئهم فى حساب الفرق بين الأرز الشعير والأبيض، موضحا أن الأرز يتم زراعته على مياه الصرف الزراعي لتحمله درجات الملوحة، وبالتالي فإنه لن يستهلك مياه مخصصة لمحصول آخر كما تدعي الوزارتان، بل على العكس تماما فإن زراعة الأرز تزيد من كفاءة الري فهو البديل للفيضان لغسيل التربة من الأملاح. وطالب الخبير الزراعي الدولة بأن تعطي بدائل لزراعة الأرز، حيث إن موسم الصيف لا يزرع به سوى الذرة التي رفضت وزارة التموين استلامه في المواسم السابقة، والقطن الذي تقلصت المساحة المنزرعة به ل 190 ألف فدان ومازال محصول العام الماضي متكدس لدى الفلاحين، وأخيرا محصول الأرز الذي أصبح أيضا عبئا على الفلاحين بعد فرض غرامات تصل لنصف ثمن المحصول. وأوضح "نور الدين" أن وزراء الزراعة المتتاليين يفتقدون للعلم والرؤية الواضحة ويضطهدون الفلاح دون إدراك أنهم السبب وراء هجر المزارعين لأراضيهم وبيعها أو البناء عليها لعدم التفات الدولة إلى بناء مساكن شعبية في القرى بأسعار مناسبة. ومن جانبه، قال محمد برغش، وكيل مؤسسي حزب مصر الخضراء، إن هناك يدا خبيثة تعبث بالزراعة المصرية إلى حد قتل الفلاحين وشعب مصر، فمنذ 25 يناير إلى الآن، زادت أسعار مستلزمات الإنتاج خمسة أضعاف، وأصبح الناتج من المحصول لا يكفي تكاليفه. وأكد "برغش" أن الدولة تخلت عن دورها في استلام بعض المحاصيل الاستراتيجية المهمة، كما أن التعاونيات لا تؤدى دورها وتتركه فريسة لتجار السوق السوداء، مشيرا إلى أن الفلاح يواجه مشكلات كثيرة، فلأزمات المتتالية التي تتسبب فيها الحكومة تمثل خطرا شديدا علي الزراعة المصرية مثل إنفلونزا الطيور والحمي القلاعية ونقص الأسمدة والالتهاب الرئوي للدواجن وأزمة السولار وأزمة تسويق المحاصيل، وعجزت الحكومة في أن تضع لها حلولا جذرية حتي الآن. وأشار "برغش" إلي أن قلة الدعم الذي يحصل عليه الفلاح وما يتكبده من خسائر نتيجة صعوبات متلاحقة، جعلت الوضع الزراعي الآن في مصر يمثل واقعا أليما بعد أن كانت مصر رائدة للإنتاج الزراعي والتصدير وكانت بالفعل بلدا زراعيا وهذا لن يعود مرة ثانية إلا إذا تم حل مشاكل الفلاح وتخفيف العبء عن كاهله حتي يستطيع أن ينتج غذاء وكساء هذا الشعب. واختتم وكيل مؤسسي حزب مصر الخضراء، أن الزراعات الاستراتيجية أصبحت غير مجدية بالنسبة للفلاح بسبب ارتفاع التكلفة عن سعر البيع، مطالبا الحكومة بتخفيض الضريبة على الأراضي الزراعية والتي زادت عشرة أضعاف، وسيتم تحصيلها بأثر رجعي، الأمر الذي سيقضى على الفلاح نهائيا ويدفعه للتخلي عن أرضه الزراعية ببيعها أو بتبويرها؛ للخلاص من مشاكله.