يحكم الإدارة نوعان من القواعد الأصولية، قواعد القانون وقواعد العلم، ثم تبقي الإدارة بين هذه القواعد في النهاية هي فن وإبداع، بحسب مهارات وقدرات فردية تتعلق بالقائد أو المدير وحده، أما بين الناصريين فقد تحولت القيادة الفن والإبداع إلي قيادة الزن والجعجاع.. والخبص واللبص والمؤامرات .. والنتيجة انقسامات جديدة تتراكم فوق انقسامات تاريخية، وبرغم أن الانقسامات هي السمة المميزة للتيار الناصري؛ تجدهم جميعا -في أشد اللحظات في تاريخ الوطن احتياجا لسعي الجميع في اتجاه محدد بعينه، سواء كان اختيار رئيس أو برلمان- يسعون في اتجاه مغاير لحقائق الواقع، ويحيون من الرقاد مبادرات التوحيد والدمج والتحالف، التي تنتهي بالفشل، ثم تعود أدراجها -في الوقت الخاطئ أيضاً- بعد أن ينفض (المولد) ليجدوا أنفسهم من جديد في مواجهة الريح التي غفلوا عنها بمزاعم الصلح والتنسيق؛ وهو ما يعني بوضوح غياب البوصلة الحركية، والتخطيط المركزي، فالعقل الذي يتفرغ للمؤامرات الداخلية هو في الحقيقة عاجز عن ممارسة مؤامرات السياسة علي مستوي الدولة، وهو مثلما لا يمتلك مهارات الإبداع التنظيمي والإداري؛ لا يمتلك أيضاً مهارات الحدس السياسي والقدرة علي استشراف المستقبل من خلال قراءة واعية بمعطيات الحاضر ودروس الماضي.. قراءة تعتبر بتجارب المجتمعات الأخري، وتنتبه إلي مجريات الأحداث في المنطقة خصوصا، والكرة الأرضية عموما، في عالم بات أقرب إلينا من أصابعنا، وأصبحنا نصب عينيه ومحور اهتمامه، وفي مواجهة مؤامرة كونية تسعي إلي السيطرة علي المنطقة من حولنا علي امتداد حدود أمننا القومي، من مشرقه إلي مغربه، ومن مياهه إلي صحرائه، حتي نالت من منابع النيل، وهو ما يعني أننا هدف هذه المؤامرة الأساسي والرئيسي والنهائي. الناصريون متفقون في الأفكار والأهداف ومختلفون في المصالح، ألهاهم الطموح الشخصي عن المقاصد السياسية النبيلة، يتشدقون بالمبادئ فوق منابر الخطابة كل ليلة، ويتخذون من مجلس السلطان قبلة المسعي ومرسي الأحلام في الصباح، ثم لا ينالون من عطاياه -أي السلطان- إلا صور الذكري، لتتداولها المواقع الاجتماعية، وتبقي عالقة في دفتر التاريخ، بلا معني ولا مبرر. أوهمتهم صورة الزعيم التي باتت علي صدر كل ثائر؛ أنهم القادة والزعماء، وكأن عبد الناصر لم يقل في حياته سوي: لو مات جمال عبدالناصر فكلكم جمال عبدالناصر، مارسوا "المريسة الكدابة"، وتناسوا وزنهم بين الناس منذ رحل القائد، ولو أفلحوا في إقناع الجماهير طيلة عقود أربع؛ ما نال منهم جماعة الإخوان مطلع العقد الخامس (انتخابات الرئاسة 2012)، ولقد كانت جماعة الإخوان في ظروف أسوأ وقت ولادة التيار الناصري سبعينيات القرن العشرين، لكنهم (الناصريون) تفرقوا تفرق مصالحهم، وعبر كل منهم -كزعيم أوحد- عن "مريسته" في طريق مختلف عن الآخر، لا يجمعهم سوي كونهم جميعا يغردون خارج السرب، ويتوهمون أن السرب يهتف من خلفهم، وحتي انتهي بهم المطاف إلي استيراد زعيم يقودهم؛ فضلوا وربما أضلوه. والآن بات علي الأجيال الشابة ألا تعبأ بهؤلاء أبدا، وأن تغض عنهم الطرف دائماً، إنهم عائق وعثرة، عقبة من عقبات الطريق، هم عبدة الماضي لا ينظرون إلا إلي الخلف، وأما الشباب فالمستقبل أمامهم؛ لهم أن يتطلعوا إلي صناعة التاريخ، وعليهم ألا يعيدوا أخطاء سابقيهم، فيولوا أمورهم أصحاب المطامع أو الرغبات. نعم، عليكم أن تتواروا ليتقدم الشباب، فما خطية الأجيال التي توئدونها يا حضرات الزعماء؟ وبأي ذنب توأد؟! بعد أن تحولتم إلي أحزاب كرتونيه، لا تتجاوز قيمتها السياسية أثمان اللافتات المعلقة علي أبوابها، وداخل هذه الأبواب مجرد (خرابة) ترتع بها الفئران والحشرات، مقرات خالية من البشر، لأحزاب خالية من الرؤية، وأنتم قادة بلا جنود يا جنرالات الوهم، رقصتم علي سلالم السلطة، فلا بتم بين الجماهير، ولا أصبحتم مع الساسة، وفقدتم مصداقيتكم أمام الأجيال، صارحوا أنفسكم قبل أن يصرح بكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، واحذروا حصافة التاريخ.