كنت أتمني الا يتراجع الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب عن عبارته التي ستصبح شهيرة ويطالب بحذفها من مضبطة الجلسة، وبعيدا عن الواقعة التي قيلت بشأنها هذه العبارة الحادة فإن التوصيف كان شيقا للغايةويحمل دلالات تهم الناس وهي قبل كل شيء تستمد اهميتها من كونها صدرت عن شخصية عامة مرموقة وسياسي مخضرم كالدكتور سرور رغم ان الناس يعيشون بالفعل عصر الخبص والخباصين ويكتوون بنارهم كل ساعة وكل يوم ، غير انه عندما يصف رئيس مجلس الشعب مانحن فيه بأننا نعيش عصر الخباصين فإن هذا يعني ضمن ما يعني ان كبار المسئولين اصبحوا منتبهين للظاهرة.. وربما يكون في هذا نصف العلاج. الخبص في اللغة هو النقل عن الاَخرين محرفا بقصد الايذاء وهي خصلة مرفوضة دينيا واخلاقيا ففي الاسلام الفتنة اشد من القتل، وهي كمن يأكل لحم اخيه ميتا، وفي الاخلاق فإن الخبص هو الطعن في الظهر وهو سلوك ممجوج يحط من شأن فاعله وفي زمن سابق كانت هذه الخصلة كافية لاخراج الخباص من الهيئة الاجتماعية ورفض الناس له فيعيش منبوذا بينهم باعتباره شخصا اعوج وسلوكه يبعده عن المسار الطبيعي للترقي الاجتماعي.. والوظيفي واقرار للواقع فإن الساحة شهدت في العقود الاخيرة انتشارا متناميا لظاهرة الخبص والخباصين الذين ازداد عددهم في كل موقع لدرجة باتت تشكل تهديدا حقيقيا لانتظام الحياة خاصة في علاقات العمل بأنواعها وهي ماتهمنا علي كل حال.. انتشار الظاهرة له بلاشك اسباب كثيرة تفوق قدرة هذا المقال علي العرض وهي مع النتائج المترتبة عليها تصلح مادة ثرية لرسالة علمية أو اكثر في علوم السياسة والاقتصاد والإدارة والاجتماع. الغريب ان رسالة من هذا النوع لم توضع حتي الان رغم خطورة الظاهرة وتجذرها في المجتمع مع الاسف وربما كانت الاسباب وراء عزوف الاكاديميين عن التعامل العلمي مع هذه الظاهرة هي نفس الاسباب التي ادت بالدكتور فتحي سرور إلي المطالبة بحذف عبارته من مضبطة مجلس الشعب. غير أن التعامي عن الظاهرة أو التقليل من شأنها لن يحد من استفحالها الذي يراه الجميع ويعيشون نيرانها دون ان يجرؤ احد قبل الدكتور سرور حتي ولو بالاشارة إليه علنا. الخبص في الاصل سلوك شاذ في العلاقات الاجتماعية يعتمد عليه ضعاف النفوس في الايقاع بين الاصدقاء والأهل والاحباب وتدبير المكائد التي تباعد بين الناس وبعضهم البعض، ومع تطور الاحوال انتقلت ظاهرة الخبص إلي انشطة ومجالات لم يكن مسموحا لضعاف النفوس بارتيادها وانتشر الخباصون في اروقة السياسة بتعبيراتها المختلفة كما تألقوا وسادوا الامور في عالم الوظيفة علي نحو ما نسمع ونري كل يوم واصبح مفهوم "الزنبة" التي هي تنويعة متقدمة من تنوعيات الخبص حدثا يوميا بل مدعاة للمباهاه في بعض الاحيان تكشف مدي قدرة الخباص وقوة عضلات لسانه في الايقاع بالزملاء في شر اعمالهم. ومنذ وصول الخباصين إلي هذه المواقع ونجاحهم غير الاخلاقي وغير المبرر في ارتياد مجالات لم يكونوا اصلا اهلا لها بات تأثيرهم بالغ التعاظم والاخطار علي الاحوال العامة وكان هذا الانحدار في عالم الوظيفة ثم في عوالم السياسة والاقتصاد وغيرها من الانشطة التي كانت تربأ بنفسها تقليديا من افعال الخباصين. وقد يري البعض ان المكائد السياسية قديمة قدم التاريخ ولاشك أن هذا القول صحيح ولكن الحديث ينصب علي المستوي وعلي المحتوي فتوحيد المانيا انطوي علي مكائد وكذلك وصول هتلر الزعيم النازي للحكم جاء عبر سلسلة من المؤامرات السياسية وفي العهد الملكي قرأنا عن مكائد القصر في قلب الوزارات ولكنها كانت مكائد ومؤمرات محترمة في الاداء إذا جاز التعبير كما ان لها اهدافا مختلف حول مشروعيتها ولكنها بالنسبة لصانعيها وسيلة لتحقيق مايرونه صوابا لصالح الوطن وبالتالي لا مجال للمقارنة بين مكائد السياسة كما علمنا عنها وبين المشي بالنميمة في أروقة الحياة السياسية ابتغاء مصلحة شخصية دنيئة في طبعيتها ودنيئة في طريقة الوصول إليها، اما في عالم الوظيفة فإن ممارسات الخباصين افرزت واقعا جديدا يشعر الكل به عندما يصل لمواقع الادارة العليا من هو ادني واقل كفاءة اعتمادا علي نيل الحظوة بالخبص علي الناس وهنا يستشري الفساد ونسمع عن رؤساء الاحياء ورؤساء الشركات ومسئولي الوزارات والفاسدون وتصورهم اجهزةالرقابة وهم في اخس وضع لموظف عندما يتلقي رشوء لانجاز مصلحة غير مشروعه علي حساب كل القيم وعلي حساب الاداء الوظيفي.. الخبص الذي اشار اليه رئيس مجلس الشعب لم يعد باي حال مسألة اخلاقية تهم صاحبها والمتضررون منه وانما للأسف الشديد اصبحت قضية عامة تؤثر علي مسار الامة وتعيق الاصلاح المنشود وتساهم في تداعي الاداء وتراجع معدلات التنمية وزيادة الاحباط بين الناس. لأجل هذا لا نذهب مع الدكتور سرور فيما ذهب اليه بحذف عبارته من المضبطة بل ندعوه ونلح عليه ان يخصص جلسة من جلسات المجلس لمناقشة الظاهرة.. مجرد المناقشة سوق يفتح الباب لحلول كثير تقضي علي ظاهرة الخبص والخباصين بدلا من التعامي عنها وتركها تأكل كل أمل في الاصلاح.. في كل المجالات.