ينتظر الجميع شهر رمضان المبارك ليلتقى أفراد الأسرة على مائدة الطعام، فمنهم العائد من سفر، ومن شغلته أعباء العمل، يلتقون جميعا فيناجون الله وقت الإفطار، ويأكلون ويضحكون ويتسامرون. وإذا ما كانت هذه الأجواء معلومة بالمعايشة أو التخيل بالنسبة إلي كثير منا، فهناك ما هو بعيد عن قدرات التخيل لدينا، وهو أن أسرة كاملة تتكون من الوالدة 62 عاما وأبناءها الخمسة يقضون للمرة الثانية رمضان داخل السجن والتهمة «مشادة» مع ضابط شرطة، أو أن طفلا يُحكم عليه بالسجن 15 عاما، أو أن يلقى أربعة أشقاء داخل السجن بسبب مشاجرة. «البديل» توثق شهادات عدد من أهالى المحاكمين عسكريًّا.. القبض على «استرجى» أثناء سيره واتهامه بحيازة سلاح تقول زوجه صبرى جلال أحمد هجرس- 37 عاما، من محافظة دمياط، ويعمل دهان موبيليا، إن زوجها تم القبض عليه بعد 5 شهور من زواجهما أثناء ذهابه إلى بيت أهلها ليعود بها إلى بيتهما، وسلمته الشرطة إلى القوات المسلحة لتتحفظ عليه وتقضى بحبسه 15 عاما بتهمة حيازة سلاح. وتابعت: «بعد صدور الحكم عليه فى مارس 2011 قدمنا النقض حسب القانون العسكرى فى خلال 60 يوما، إلا أننا فوجئنا برفض النقض مضمونا وقبوله شكلا دون إبداء أسباب، ثم مرت الأيام، وبعد تولى محمد مرسى الحكم توهمنا أنه سيعيد المحاكمة أمام القاضى المدنى، إلا أن الأمر لم يتغير، ثم جاءت 30 يونيو دون أن تحقق لنا جديدا. وتضيف الزوجة: فى بداية حبس زوجى كانت حالته صعبة للغاية، ومع مرور الأيام بدأ يتعايش مع الوضع والآن يعمل داخل السجن ليتمكن من تلبية مطالبنا فهو عائدى ومصدري الوحيد. وبعفوية تقول الزوجة: «أنا شابفة إن فيه أمل لسه فى مصر، ومش باقول كدا مجاملة، مافيش دولة بتتبنى على ظلم». ووجهت حديثها إلى المسئولين قائلة: «شوفو الناس المظلومة الأول قبل ما تعملوا أى حاجة، قبل ما تفكروا فى نفسكم ومصلحتكم، هاتو الناس دى كلها وراجعوا محاكمتها تانى قدام قاضيها الطبيعى»، واختتمت حديثها بقولها: «أنا ليا حق لن أتنازل عنه، ومطلبى هو خروج كل المحبوسين أو حتى إعادة محاكمتهم أمام قاضيهم الطبيعى». «محمد ايهاب».. طفولته وشبابه وشيخوخته داخل السجن بتهمة خرق حظر التجول فى عام 2011 كان "محمد إيهاب" يبلغ من العمر 19 عاما، محمد من قرية المعتمدية في حي بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة، يعمل في محل صغير يبيع السولار للتوك توك والميكروباص في قريته، أسفل منزل الطريق الدائري. يقول والده "إيهاب سيد مرسى": في ليل أول يوم من شهر أبريل 2011 كان هناك اعتداء مسلح من عصابة مسلحة لسرقة السيارات علي الطريق الدائري وقاموا بإطلاق الرصاص الحي لإرهاب المارة وسرقتهم، لم يفهم محمد إيهاب ما يحدث فوقه، فصعد هو وزميله في العمل إلي الطريق ليشاهدا ما يحدث وبعد أن صعدا جاءت قوات الجيش والشرطة العسكرية وبرفقتها بعض قوات الشرطة المدنية وتبادلوا إطلاق النيران مع المسلحين، وقاموا بعمليات اعتقال عشوائي لكل من تصادف وجودهم، ومن بينهم محمد إيهاب الذي تم تسليمه لأحد ضباط قوات الجيش وبعد توقف إطلاق النيران حدثت مشاجرة لفظية بين ضابط الجيش ومحمد إيهاب انتهت بسب الضابط لمحمد بالأم فرد عليه محمد بنفس اللفظ، بينما قال بعض المارة لضابط الجيش أن محمد إيهاب لم يكن مشاركا للعصابة وأنه صعد من الأسفل وأنه لم يعتدي عليهم وأكد له ذلك أمين الشرطة الذي ألقي القبض عليه في الأساس لكن الضابط رفض إطلاق سراحه وأصر علي المضي به إلي النيابة العسكرية ومحاكمته أمام محكمة عسكرية . ووفقا لمحمود سلمانى – عضو مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين»، بدات محاكمة "محمد إيهاب" أمام محكمة عسكرية في تهم تتعلق بكسر حظر التجوال والاعتداء علي أفراد القوات المسلحة والسرقة بالإكراه. كل ذلك ولم يتم إبلاغ أهل محمد إيهاب أو محاميه بمكانه أو محاكمته. وفي خلال أسبوع واحد، أي في السابع من شهر أبريل 2011 تم الحكم علي محمد إيهاب بالسجن 15 عاما في محاكمة لم يتم السماح له بإحضار محامي يترافع عنه أو أن يدافع هو عن نفسه أو يدرك ما يحدث حوله. حكم القاضي العسكري علي محمد إيهاب بالسجن لمدة خمسة عشر عاما رغم أي أنه حكم عليه بالسجن لمدة مماثلة لعمره تقريبا رغم ان عقوبة الحبس لمدة خمسة عشر عاما في قانون الطفل تطبق علي القاتل والمغتصب وهي أقصي عقوبة في قانون الطفل لكن لأنها محكمة عسكرية غير مختصة بمحاكمة القصر حكمت علي قاصر بالسجن لمدة مماثلة لعمره . وتابع الوالد: رغم كون محمد قاصرا، تم حجزه فى سجن المرج وأمضى هناك بضعة أشهر، نقل بعدها إلي سجن طرة شديد الحراسة وتعرض للتعذيب علي أيدي أحد ضباط السجن وعند الشكوي ضد الضابط توعده الضابط بنقل ابنه محمد إلي سجن بعيد حتي يصعب زيارته وبالفعل تم نقله إلي سجن الفيوم العمومي ومنذ ذلك الوقت ما يزال محمد إيهاب يقضي عقوبته في سجن "ديمو" بالفيوم الذي يبعد عن مكان سكن أسرته مسافة 92 كيلو مترا وهو ما يصعب علي أسرته زيارته بسبب بعد المسافة من ناحية ومن ناحية أخري تكلفة الزيارة التي تتخطي 1000 جنيه، خاصة أن والدته مريضة، فى حين أنني عامل باليومية. ويضيف الوالد:" منذ نقل نجلى إلى سجن الفيوم من حوالى عامين، وهو يتعرض للتعذيب الشديد من قبل ضابطين بالسجن، لدرجة أنه يتم وضعه فى غرفة انفرادية. وقبل أسبوعين توجهت والدته وشقيقه "عمرو" إلى سجن الفيوم لزيارته، وتعرضت والدته لمضايقات شديدة لدرجة توجيه الشتائم لها لمجرد أنها ترتدى النقاب، وهو الأمر الذى رفضه "عمرو" ونشبت مشادة مع أحد الضباط وتم تحرير محضر له وتحويله إلى "قضية" لكنه خرج بكفالة. 10 سنوات لأولاد الحاجة بدرية الأربعة بسبب مشاجرة أما الحاجة بدرية محمد فايد فتقول: زوجى توفى من حوالى شهرين، وتبدأ الحكاية فى 2011 حيث إن زوجى كان متزوجا فى عزبة على التابعة لمركز كف الدوار، وأثناء مشاجرة مع أحد جيرانه قمنا باستدعاء القوات المسلحة للفصل بين الطرفين وعند قدومها ألقت القبض على أولادى وعدد من العمال الذين كانو يعملون فى البيت دون أى سبب. وحسب الوالدة فإن قوات الجيش ألقت القبض على أبنائها بعدما قام الطرف الآخر بإبلاغهم أن البيت يحتوى على أسلحة، فى حين أنهم قاموا بتفتيش البيت ولم يجدوا فيه أى سلاح. وفى 31/ 7/ 2011 تم الحكم على أولادى وهم أحمد- محمد- حاتم- مدحت من قبل المحكمة العسكرية بالحبس 10 سنوات ومعهم 5 من العمال وهم عوض أحمد – محمد عبدالرءوف – شريف عبد الرءوف عبدالبارى – رمضان مجدى موسى – أحمد خليفة خليل – زايد عبد المقصود إبراهيم زايد، فى حين أن من قتلوا الثوار فى 25 يناير لم يحصلوا على أحكام. وطالبت الوالدة التى يتعدى عمرها الستين، بمعرفة السبب وراء هذا الحكم، خاصة أن زوجها توفى وهى لا تعمل وزوجات أبناءها أميات ولا يعلمن، وأصبح الوضع صعب للغاية بعد وفاة زوجها، فضلا على أن كل ابن من أبنائها لديه طفلان أو ثلاثة، وإحدى زوجات المحبوسين تعانى من مرض نفسى وتمكث فى المستشفى على فترات. الأم وأولادها الخمسة في السجن بسبب مشادة مع ضابط تقضى أسرة الحاجة وجيهة عبد المنعم 62 سنة وأبناءها الخمسة، إيناس 28 سنة متزوجة ولها من الأولاد أسامه وبسام، وأيمن 38 وله من الأولاد شاكر وهدير وباسم، عبد الرحمن 34 سنه وله من الأولاد مى وملك وشادى، عبد المجيد 22 سنة طالب فى معهد خدمة اجتماعية، وعبد المنعم 21 سنة – طالب فى كلية الحقوق. تحكى هناء شقيقتهم التى شاءت الأقدار ألا تكون موجودة معهم لحظة حدوث المشادة مع فرد الشرطة، لتحكى مأساة الأسرة ل "البديل".. تقول "هناء": المشكلة بدأت بعدما قام أخى الكبير "هانى" لديه محل أدوات منزلية بتقديم شكوى ضد ضابط قسم شرطة أبو حمص بمحافظة البحيرة، لأن الضابط لم يقم بدوره فى تنفيذ الأحكام الصادرة بحق المدينين بأموال لأخى، وتم نقل الضابط، وفى إحدى المرات قام أخى بإيقاف أحد الصادر ضدهم أحكام وحدثت مشادة وانتقل إلى قسم الشرطة. وفى اليوم نفسه تلقينا اتصالا من أحد أفراد قسم الشرطة يطلب منا إحضار ملابس لأخى لأنه موجود بالقسم، وسيتم ترحيله للنيابة فى صباح اليوم التالى، وعلى الفور توجهت والدتى وأخواتى الخمسة إلى قسم الشرطة وطلبت والدتى من أحد الأفراد أن ترى نجلها لكن فرد الشرطة دفعها بيديه وسقطت على الأرض وهو ما دعا أخواتى إلى الاحتجاج وسألهم أحد أفراد الشرطة عن اسم المقبوض عليه الذى يتبعونه فردوا عليه "جايين لهانى" فكان رده "انتو جايين لهانى اللى اشتكى الضابط تعالو بقى". وعلى الفور تم تحرير محضر لهم بتهمة مقاومة السلطات، وتحددت جلسة لهم بعد 15 يوما من حبسهم. وفى يوم 25 مارس 2012 تم الحكم عليهم ب 3 سنوات لكل منهم بتهمة مقاومة السلطات، وتم نقلهم إلى سجن دمنهور العمومى، ومر عليهم الآن ثلاثة أرباع المدة، وكان من المفترض أن يفرج عنهم فى 8 يونيو الماضى إلا أن ذلك لم يحدث رغم أننى توجهت إلى جميع المسئولين سواء رئيس الوزراء أو النائب العام. وأضافت "هناء" بصوت يمتزج فيه الآسى والالم: فى الحقيقة والدتى وأختى لا يتعرضون لمعاملة سيئة داخل السجن، بينما أشقائى الرجال يتعرضون لمعاملة سيئة للغاية داخل السجن، وزادت مع تقديمى شكوى إلى النائب العام، مما دعا إلى تنازل الكثير من المحبوسين عن الشكوى باستثناء "عبد المنعم" أخى طالب الحقوق وطلبوا منه التنازل عن الشكوى ليعاملوه معاملة جيدة، ورفض مأمور سجن دمنهور نقله وشقيقه "عبد المجيد" إلى عنبر الطلاب رغم أنه من حقهم كونهم طلابا. وأشارت هناء إلى أنه تم نقل "عبدالمنعم" و"عبد المجيد" أثناء فترة الامتحانات إلى سجن ليمان طرة لتأدية امتحاناتهم ثم عودتهم إلى سجن دمنهور مرة أخرى. وفى النهاية ناشدت هناء رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسى بالتدخل للإفراج عن والدتها وأخوتها الخمسة الذين قضوا ثلاثة أرباع المدة "حسن سير وسلوك"، خاصة أن الأسرة فى الوقت الحالى أصبحت مدمرة، وأن والدتهم تبلغ 62 عاما ومصابة بعدة أمراض وحياتها الآن أصبحت فى خطر.