للمرة الأولى يصاب المصريون بحالة من حالات الانفعال وفقدان الوعي إزاء العدوان الإسرائيلي الإجرامي علي غزة، ماذا حدث لنا ؟ لم ننتفض مع انتفاضتهم، لم نسعد ونهلل لصواريخ القسام التي تصل إلى معاقل إسرائيل، لم ننطلق الي سفارتهم ونحاصرها وقد جربنا الحصار ووصلت أيدينا الي داخل أدراج سفارتهم، لم تشهد شوارعنا مسيرات تؤيد وترفض وتعلن (يا فلسطينية وأنا بدي أسافر حداكم)، حتى قوافل الدعم الطبي تأتي علي استحياء وليست حالة شعب مصر. كل هذا لم يحدث بل الأسوأ أن نبرة غير واعية تنطلق لإدانة الفلسطينيين علي خلفية كلمات رخيصة لفلسطينيين توصف المصريين بأوصاف لاتنم الا عن جهل أو سوء نية. العدوان الإسرائيلي جاء هذه المرة والدول العربية في حالة انهيار كامل وصراع من أجل البقاء، والعدوان جاء ومصر أيضاً تصارع من أجل العبور بالدولة الي إمكانية البناء وبعد فترة دخلت فيها حماس علي الخط المصري بما أطاح بإحساس المصريين أن أمن مصر لا ينفصل عن أمن فلسطين، ووجد التوجه المعادي لحماس أرضية خصبة بين قطاعات واسعة من المصريين الي الدرجة التي اعتقد الكثيرون أن غزة تعني فلسطين وحماس هي الفلسطينيون. تداخلت كرة الخيط وتلبكت ومطلوب حلها تدريجيا، فصحيح أننا انشغلنا بحالنا وأصبح البيت في حاجة الي ترتيب قبل بيت الجيران، ولكن الصحيح أيضاً ان الإرهاب الذي يمارسه المستوطنون اليهود والاستفزاز اليومي يجعل عمليات الخطف والقتل التي تفجر معارك دامية أمورا عادية، وأن دعم الفلسطينيين لا يجب أن ينتظر ترتيب البيت. وصحيح ان الرئيس قال أن مصر لا تقف مكتوفة الأيدي إزاء العدوان علي أي دولة عربية وان الأمر سيكون (مسافة السكة) ولكن الصحيح أيضاً ان حالة مصر لا تستدعي أبدا الانجرار والتورط في عمل عسكري – بصرف النظر عن كامب ديفيد الآن – ربما تكون نتيجته المباشرة هي إلحاق مصر سريعا الي سيناريو سوريا وتقديم الجيش المصري الي معركة ليست معركته الآن وليست هي معركة تحرير فلسطين، ولا ينم هذا الحديث الا عن مراهقة ورخص. وصحيح أن عدوان إسرائيل الآن علي غزة ربما يكون مقدمة لانتفاضة ثالثة كما كانت عملية دهس عمال فلسطينيين في جباليا مقدمة لانتفاضة 1987، وكان اقتحام أرييل شارون للمسجد الأقصى في عام 2000، مقدمة للانتفاضة الثانية، ربما يكون عدوان إسرائيل الآن وتوحش المستوطنين وحرق المساجد وإبادة البشر والمزارع أيضاً مقدمة لانتفاضة ثالثة تسهم في إخراج وحدة فلسطينية بين فتح وحماس في مواجهة إسرائيل، وسواء كان هذا الافتراض صحيحا أو غير صحيح إلا أن الصحيح الآن هو أولا: أسباب انفجار الأوضاع موجودة دائماً وليس من الوارد في شعب يرزح تحت احتلال متوحش ان تتم الحسابات بما كان يجوز وما لا يجوز وكأن هذا الشعب الفلسطيني يعيش حياة عادية. ومستقرة . ثانياً: المستهدف ليس حماس وليس القضاء علي حماس فالمقاومين والشهداء. والجرحي من فتح وحماس والجهاد. ثالثاً: موقف مصر الرسمي أصغر من مصر وعلي القيادة السياسية أن تعلن موقفا قويا ينطلق من موقف المصريين الذين ثاروا من أجل العيش والحرية وربطوا بين الثورة وحصار سفارة إسرائيل، ربطوا بين الحرية والاستقلال الوطني والأمن الإقليمي. رابعاً: ان ينتقل موقف مصر الي الإعلام المصري ليقوم بدوره في استعادة حالة مصر وفلسطين وليس مصر وحماس. خامساً: ان تستعيد القوي السياسية المصرية وعيها وتتخلص من غيبوبتها وانشغالها بتحالفتها الانتخابية الفاشلة وتهب لنصرة شعب فلسطين والدعوة لأن تكون هجمة إسرائيل مقدمة لوحدة الفلسطينيين من أجل المواجهة وتقسيم الأدوار ومن أجل استعادة الروح المصرية التي لا تفرق بين مصر وفلسطين.