في طريق يستغرق مدة الساعتين من وسط المدينة حتى تصل إلي مركز شباب الهايكستب، وبمجرد أن تمر أمام الأبواب الحديدية الشاهقة، تشعر كأنك تجاوزت الحدود لتتعامل مع مواطنين آخرين «لاجئين» هربوا من ويلات الحروب والدمار، فالخيام تغطي أرجاء المركز، وقطع الأثاث متناثرة هنا وهناك، والأطفال بنصف ملابس يلعبون في الطرقات، تستطيع أن تلمح ابتسامتهم البرئية بصعوبة من تراكم الأتربة وانتشار الذباب حول وجوههم.. سيدات مسنات بعضهن مستلقي علي البطاطين في العراء والبعض الآخر يحتمي بالخيام من حرارة الشمس الحارقة.. الرجال يجلسون ويخيم علي وجوهم الحزن وقلة الحيلة والانكسار. الأوصاف السابقة ليست لأناس يعيشون بمخيمات للاجئين علي الحدود، ولكن هى لسان حال أهالي مساكن «المحتلة» بالنهضة بعد أن طردهم محافظ القاهرة منذ الخميس قبل الماضي من مساكنهم، ونقلهم إلى مركز الشباب حتي يتم توفير وحدات سكنية لهم خلال يومين، ولكن اليومين فاتوا وأصبحا أسبوعا ولم يسأل أحد فيهم، فضلا عن تعرضهم كل ساعة لتهديد مديرة مركز شباب الهايكستب بطردهم في الشارع.. ذهبت «البديل» لتستمع إلى شكاوي الأهالي وتنقل صوتهم إلى المسئولين… الأهالى: أزمتنا مر عليها 4 سنوات منذ اندلاع الثورة قال مسعود إبراهيم، أحد أهالي سكان النهضة، إن محافظ القاهرة ورئيس حي السلام استعانا بقوات الأمن لطرد أكثر من 250 أسرة كانوا يعيشون في مساكن المحتلة بالنهضة، يوم الخميس 26 يونيو، ووعد الأهالي بأنهم سوف يستلمون وحدات سكنية بديلة في خلال ثلاثة أيام مقابل إخلاء الشقق في هدوء، كما وعد رئيس حي السلام ثان الأهالي بالإقامة في مخيمات بمركز شباب الهايكستب لحين توفير الوحدات السكنية البديلة، متابعا «حتي الآن لم نستلم شيئا، لنتأكد أنها كانت وعود كاذبة خدعت الأهالي من أجل التهجير القسري لهم دون مقابل». وأضاف "مسعود" أن أزمة سكان المحتلة بالنهضة بدأت بمعاناة مئات من الأسرة الذي تهدمت منازلهم وتم طردهم منها نتيجة قانون الإيجار الجديد ورغبة الملاك في عدم التجديد لهم خلال أحداث ثورة يناير 2011 ، متابعا «أنا أحد هؤلاء الضحايا، فلم نتحمل دفع الإيجار ولا تكاليف السكن، بعد أن توقفت أعمالنا لأن الأغلبية صنايعية أرزقية، إلي أن تم تسكيننا في إيواءات ثم خيام – غير آدمية- في مدينة السلام». أوضح "مسعود" أن الأهالي رفضت الإقامة في هذه الخيام غير الآمنة، وتوجهوا إلي محافظة القاهرة التي ماطلت الجميع بوعود لم تتحقق، وبعد اعتصام لمدة 15 يوما، تم تقديم مئات الشكاوي إلي مجلس الوزراء، إلي أن جاء عصام شرف رئيسا للوزراء وقابل ممثلين عن الأهالي ووعد بحل المشكلة وعمل كشوفات لبحث الأوضاع. وتابع: بناء علي الكشوفات صدر قرار من مجلس الوزراء بتشكيل لجنة في 4 مايو 2011 لبحث الكشوف وتقرير استحقاق السكن، وتم الإعلان في 4 يونيو عن تسليم 126 شقة تتضمن 26 فقط من الأسر المتضررة والباقي لأسماء لانعرفها، وقررنا الاعتصام أمام مبني ماسبيرو لمدة 80 يوما، إلي أن قرر عصام شرف نقلنا بواسطة أتوبيسات الجيش إلي مساكن النهضة "المحتلة". نادية: المحافظة وفرت 110 خيمة من إجمالي 250 أسرة والباقي في «الشمس» وتضيف نادية فريد، إحدى الأهالى «احنا بقي لنا في المرار الطافح دة منذ قيام الثورة وكل ما نسمعه هو وعود لا تتحقق، وآخرتها ترمينا الحكومة في خيام زي اللاجئين السوريين في مركز شباب الهايكستب في الصحراء، في درجات حرارة لايحتملها بشر، ولايمكن أن يحتمل الإقامة فيها مسئول أو وزير مدة نصف ساعة». واستطردت: تم طرد أكثر من 250 أسرة من سكان النهضة وتوفير 110 خيمة فقط، ليقيم في كل خيمة 4 أسر، والباقي ملقي العراء ويفرش بطاطين وسراير علي الأرض في الهواء، متساءلة هل هذه حياة آدمية، أين حقوق الإنسان واحترام كرامته، إين نذهب الآن بأولادنا بعد دخول المدارس وهم مسجلين في مدارس النهضة؟. وقاطعها محمود علي، نجار مسلح، قائلا "هي فين الثورة وما الذي تحقق منها، نحن نريد سكن يجمعنا مع أولادنا، وليس مسئولين كاذبين يهجرونا من منازلنا في مخيمات بعد وعد الأهالي بثلاثة ايام، لنفأجا يوم الثلاثاء بتهديدات من رئيس حي النزهة بطردنا خلال يومين، وعندما سالناه اين نذهب، قالت اذهبوا لمحافظ القاهرة وطالبوه بالشقق، المحافظة مستأجرة مركز الشباب لمدة أسبوع فقط، وبعد الأسبوع سوف يتم طردكم منه، حتي يعود لنشاطه الطبيعي الرياضي والثقافي». أضاف: «مش كفاية الشغل اللي وقف بعد الاضطرابات اللي فاتت، كمان الحكومة عايزة الأهالي يأجروا شقق ب 500 و700 جنيه إيجار جديد، احنا هنجيب منين فلوس لكل ده، انا مراتي عندها السكر بتصرف 1400 جنيه أدوية في الشهر وانسولين ..حرام عليكي يابلد اللي بتعمليه في ولادك ده!!!!». ويقول طارق السيد، صنايعي نحاتة، إن الحياة في مركز شباب الهايكستب غير آدمية بالمرة، حيث يبدأ كل صباح الزحام بالطوابير أمام حمام واحد فقط للمركز، للرجال والسيدات معا دون أي تخصيص لكليهما، بالإضافة إلي الشمس الحارقة، مضيفا أن مديرة المركز منعت رئيس حي السلام ثان اللواء أحمد خير الله عندما أحضر أسمنت وطوب أحمر لبناء حمام مؤقت ليستوعب أعداد الأسر التي تتجاوز 200، قائلة له «سيبهم دول أوبئة ميستهلوش يتبني لهم حاجة.. مجموعة غجر». شيماء: بيعاملونا كأننا صهايبنة وبيرفضوا يبيعوا لنا عيش أو ادوية وقاطعته شيماء صبحي، أم لطفلتين: «لا توجد سوي حنفية واحدة في مركز الشباب موجودة في الحمام، نملأ منها الجرادل والزجاجات للطبخ والطهي والاستحمام في الخيام، نظرا للزحام الشديد علي الحمامات، حتي الأفران المحيطة بمركز الشباب ترفض بيع الخبز لنا وكأننا صهاينة، والصيدليات ترفض أيضا إعطاءنا الأدوية للأطفال المرضي؛ لأن رئيسة حي النزهة ومديرة مركز الشباب، قالت لأهالي المنطقة إن سكان النهضة جايين يحتلوا مركز الشباب بشكل دائم». وأضافت أن الدولة مازلت تعامل الفقراء علي أنهم ليس لهم أي ثمن، وأن المحافظة نقلت الأهالي والأثاث في عربيات الزبالة، متابعة «هذه هي وجهة نظرهم فينا، مجموعة من الزبالة لا نستحق الحياة الكريمة، وعندما اعترض أحدنا ضربوه». محمود: الضرب بأجزاء الآلي كان الرد علي من يعترض علي النقل ويحكي وائل محمد محمود، سباك، عن اعتداء قوات الأمن علي الأهالى، قائلا " أنا كلمت الضابط والمحافظ وبقولهم هنخرج نروح فين أنا وأولادى وأمي المريضة، وعندما رفضت الخروج من الشقة شد الضباط الملثمين أجزاء الآلي عليّ أنا وأولادي، ثم انهالوا علي بالضرب، ومازالت الدماء موجودة علي قميصي حتي الآن". وأوضح "وائل" أنه يمتلك كل الأوراق التي تثبت أحقيته في الحصول علي شقة وكلها صادرة عن محافظة القاهرة وحي السلام، موضحا أنهم كانوا راضين بعيشتهم البسيطة في المنطقة النائية بالنهضة التي لايوجد بها أي خدمات، ولكن الآن أصبحوا في الشارع دون أمان.