لاشك أن انتخاب القيادات الجامعية أحد مظاهر الديموقراطية التي يطالب بها أعضاء هيئة التدريس بالجامعة حتى يختاروا قيادتهم بأنفسهم ابتداء من عميد الكلية ووكلاء الكلية إلى رئيس الجامعة ونوابه، وبالتالي يضمن الناخبون (أعضاء هيئة التدريس) أن ولاء هذه القيادات سيكون للقاعدة التي انتخبتهم. ومع الاعتراف بهذه الخاصية الديموقراطية، إلا أنها تصطدم في الجامعة بالمناخ الثقافي الذي يسيطر على أبناء الجامعة فيما يعرف بالأقدمية seniority وأن الأستاذ الأقدم له مكانته، ولا يجوز أن يتجاوزه من هو أحدث منه، بصرف النظر عن الكفاءة والقدرة والخبرة. ولهذا ليس حتميا أن تأتي الانتخابات بالأكثر كفاءة أو قدرة أو خبرة لإدارة العمل، بل إن الناخبين يتفقون فيما بينهم على اختيار الذي يمكن التفاهم معه لقضاء المصالح حتى ولو كانت ضد القانون والأعراف الجامعية. وعندما كان العميد ينتخب بواسطة الأساتذة قبل أن يتقرر في عام 1994 أن يكون بالتعيين، كان الانتخاب ينتهي بالتعيين بطريقة لطيفة تبدو في ظاهرها ديمقراطية، إذ كان رئيس الجامعة يختار العميد من بين أكثر ثلاثة حصلوا على أعلى الأصوات، وليس تعيين صاحب أعلى الأصوات كما تقتضي الديموقراطية، وفي هذه الحالة كان رئيس الجامعة يختار الثاني أو الثالث في ترتيب الأصوات حتى يفهم أنه جاء بناء على اختيار رئيس الجامعة وليس بناء على انتخاب زملائه له. وفي كثير من الحالات يصبح ولاء العميد "المنتخب" للسلطة التي اختارته. ومع مناخ ثورة يناير 2011 ونجاح الشعب في إقصاء رئيس الدولة جرت دماء الديموقراطية في أبناء الجامعة حيث طالبوا بانتخاب كافة القيادات الجامعية من رئيس القسم إلى رئيس الجامعة، وهو ما حدث فعلا. لكننا لاحظنا أن الانتخابات لم تأت بالكفاءات ومن ثم كان الاصطدام بأعضاء هيئة التدريس الذين انقسموا بين تيارين: تيار ضد الانتخاب من واقع التجربة، وتيار مع استمرار الانتخاب باعتباره مظهرا ديموقراطيا. والحال كذلك أصدر رئيس الجمهورية في 24 يونية 2014، قرارا بانتخاب عمداء الكليات ورؤساء الجامعات، ولكن ليس بواسطة جميع أعضاء هيئة التدريس كما هو الظن، وإنما "من بين ثلاثة أساتذة ترشحهم لجنة متخصصة في ضوء مشروع لتطوير الجامعة /الكلية في كافة المجالات يتقدم به طالب الترشح". وهذا القرار بهذه الصيغة يمثل وصاية من نوع جديد، ويدخل في دائرة الحلول الوسط، وينطبق عليه قول الشاعر: رام نفعا فضر من غير قصد، إذ أنه يجعل الأمر في يد لجنة "متخصصة" تقوم بالتفاضل بين المرشحين لتقديم ثلاثة يتم تعيين أحدهم لا نعرف كيف يتم اختيار أعضائها وعلى أي أساس. وهذا القانون الجديد لن يحل مشكلة انتخاب قيادات الجامعة ولن يفلت من حملة انتقاد ضارية. وللخروج من هذا المأزق وتمشيا مع التقاليد الاجتماعية التي تحكم نظرتنا في كثير من أمور حياتنا العامة، علينا أن نجرب اختيار قيادات الجامعة على أساس الأقدمية المطلقة في درجة الأستاذية، حيث يعين أقدم أساتذة الكلية عميدا، ويتم تعيين أقدم ثلاثة أساتذة بعده وكلاء للكلية، بشرط ألا يزيد سن كل منهم عند التعيين على 57 سنة (على أساس أن مدة العميد والوكيل ثلاث سنوات)، ويعين أقدم أساتذة القسم رئيسا بذات شرط السن. أما رئيس الجامعة فيكون أقدم أساتذة كليات الجامعة، ويتم تعيين أقدم ثلاثة أساتذة بعده على مستوى كليات الجامعة نواب له، وبشرط ألا يزيد سن كل منهم عند التعيين على 56 سنة (على أساس أن مدة رئيس الجامعة والنواب أربع سنوات). فإذا ما اعتذر أحد عن تولى المنصب وتنازل عن حقه لظرف أو لآخر وهذا أمر وارد، يتم اختيار من يليه في الأقدمية. ويكون التعيين في كل الأحوال لمدة واحدة فقط حتى تعطى الفرصة لمن يتطلع للقيادة، وحتى يعلم الجميع أن كرسي الإدارة الجامعية مثل كرسي المقهى أو صالون الحلاقة يستخدمه الزبون بعض الوقت ويتركه لغيره. إن هذا الاقتراح من شأنه أن يلقى قبولا من أعضاء هيئة التدريس لأن الأقدمية لها اعتبارها في العلاقات الجامعية ولا يمكن لأحد أن يماري فيها.