في رمضان، شهر الصوم والعبادات، تتسابق القنوات التليفزيونية لعرض المسلسلات الكوميدية والاجتماعية التي تناقش قضايا سطحية، بجانب مجموعة كبيرة من برامج المنوعات والمسابقات والمقالب ولقاءات النجوم، دون أي وجود للمسلسلات الدينية، باستثناء قليل من البرامج الدينية التي تعرض علي استحياء، ومسلسل كرتوني واحد يتناول "قصص القرآن"، وسط كل هذا الكم من ساعات الإنتاج، اختفت المسلسلات الدينية من علي خريطة شهر الصوم. تتعدد الأسباب، بداية من تخوفات الدخول في جدل مع الأزهر بسبب الممنوعات والمحاذير، وما تحتاجه مثل هذه الأعمال من إنتاج ضخم، وصولا إلي عدم تحقيقها لأرباح تغطي تكلفة إنتاجها نتيجة لعرضها في أوقات لا تساعدها علي الفوز بنصيب من إقبال المعلنين عليها. "البديل"، سعت لفتح ملف ظاهرة اختفاء المسلسل الديني، ليس خلال شهر رمضان فحسب، ولكنها اختفت طوال العام. يري الفنان حسن يوسف، أن السبب يعود إلي تخوف المنتجين من خوض تجربة تقديم مسلسلات دينية لعدة أسباب، أهمها، ارتفاع تكلفتها الإنتاجية، ورغم ذلك يؤكد يوسف، أنه غامر كثيرا وقام بإنتاج خمسة مسلسلات دينية ضخمة كلفته أموالا كثيرة، بالمشاركة مع جهات إنتاج أخري، منها مدينة الإنتاج الإعلامي، ورغم خسارته لمبلغ يصل إلي 8مليون جنيه في أحد المسلسلات بسبب عرضها خلال الفترة الصباحية، وهو ما أضعف نسب مشاهدته، إلا أنه لن يتردد في تكرار التجربة في حالة عودة الاهتمام بهذا النوع من الأعمال الدرامية التي يجب تكثيف إنتاجها وعرضها علي شاشات القنوات في توقيتات مناسبة، حتى يعرف الناس ما يجهلونه عن الإسلام وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تتسبب في الجهل بصحيح ديننا. ويطالب يوسف جهات الإنتاج التابعة للدولة بضرورة تقديم مسلسل أو اثنين علي الأقل سنويا، وليس من الضروري عرضها خلال شهر رمضان، وعلي الفنانين تخفيض أجورهم عند المشاركة في هذه الأعمال إسهاما في تخفيض تكلفة الإنتاج. وحول تخوف المنتجين وكتاب الدراما من الدخول في خلاف مع الأزهر بسبب مضمون أعمالهم، يؤكد الفنان حسن يوسف، أنه لا تخوف من الأزهر، الذي لا يتدخل إلا في حالة تناول الأنبياء والصحابة، ولا يجب إنكار دوره في تصحيح الكثير من الأخطاء التي ربما ترد ببعض الأحاديث والآيات القرآنية الموجودة في بعض المسلسلات الدينية. الكاتب الصحفي والسيناريست محمد بهجت، مؤلف المسلسل الشهير"قصص القرآن" قال: إن المبالغة في أجور الممثلين وتكلفة الديكور والأزياء وغير ذلك من متطلبات الإنتاج ربما تكون سببا رئيسيا في قلة الإنتاج الدرامي الديني خلال السنوات الأخيرة. مضيفا أن تضييق الخناق من قبل المؤسسة الدينية في مصر لا يمنح الكتاب الحرية الكافية في حالة كتابة عمل ديني، مقارنة بدول أخري مثل إيران التي نجحت في تقديم أعمال هامة ولافتة في هذا الإطار، علي النقيض لا نستطيع هنا في مصر تجسيد الأنبياء والصحابة، إلا في حدود ودون حرية كاملة بسبب محاذير الأزهر. وذكر بهجت، أن كبار النجوم في مصر لا يتحمسون للمشاركة في مسلسلات دينية، وهو ما يعني أن منتج العمل سوف يواجه مشكلات في تسويق المسلسل بحسب متطلبات السوق التي لا تهتم كثيرا بالمحتوي قدر اهتمامها بأسماء النجوم المشاركين في العمل. بهجت، قال أيضا: إن أحداث السنوات الثلاث الأخيرة أثرت كثيرا علي قوة مؤسسات الإنتاج الحكومية التي كانت تتصدي لإنتاج المسلسلات الدينية، وأفسحت المجال للدراما الركيكة التي تصدرت المشهد، في الوقت الذي نحتاج فيه الآن إلي تنوير المصريين بأمور دينهم التي يجهلها الكثيرون. ويدعو بهجت كتاب الدراما إلى اتباع أساليب مختلفة تتناسب وطبيعة العصر، حتي تكون أعمالهم جاذبة للشباب والأجيال الجديدة، خاصة بعد تدني الذوق العام. وعبر الكاتب يسري الجندي، عن أسفه لما وصل إليه حال الدراما في مصر بعد أن تحولت إلي تجارة دون الاهتمام بما تطرحه من فكر جيد يساعد علي الارتقاء بالذوق العام، إضافة إلي سيطرة وكالات الإعلان علي سوق الإنتاج الدرامي، وبالتالي تغيير معايير إنتاج وطبيعة الدراما التي يتم ضخها عبر الشاشات، والمؤكد في هذه الحالة أن تكون الأولوية للأعمال الكوميدية والاجتماعية، دون التفكير في إنتاج مسلسلات دينية، رغم ما تلاقيه هذه الأعمال من رواج لما تقدمه من رسالة يحتاجها المجتمع الآن. وأبدي الجندي، قلقه من مساعي تشويه العقلية المصرية من خلال فرض أعمال درامية سيئة وضعيفة لا تقدم فكرا ولا رسالة مجتمعية، مطالبا بضرورة إعادة النظر فيما تقدمه شركات الإنتاج بشكل عام. المنتج محمد العدل ، يري أن الأمر محسوما بالنسبة له كمنتج، وأنه أبدا لن يفكر في خوض تجربة إنتاج مسلسل ديني حتي لا يدخل في متاهة مع الأزهر، الذي لا يتفاوض أبدا في كل ما يرتبط بتجسيد الأنبياء والصحابة، وعلي التليفزيون المصري وحده التصدي لهذه النوعية من الإنتاج الذي يحتاج إلي إمكانات ضخمة دون النظر إلي العائد المادي منها. ويتفق السيناريست أيمن سلامة، في الرأي، مؤكدا أن المنتجين في الشركات الخاصة لن يتحمسوا لتقديم مسلسلات دينية، وعلي قطاعات الإنتاج التابعة للدولة إعادة تبني تقديم المسلسل الديني، والعمل علي تشجيع الكتاب للمساهة في تقديم هذا النوع من الدراما الهادفة، خاصة أن الحالة التي يعيشها المجتمع الآن تحتاج إلي مثل هذا النوع من الأعمال.