سعر الريال السعودى مقابل الجنيه اليوم الأحد 20-7-2025    سعر الريال القطرى اليوم الأحد 20 -7-2025.. آخر تحديث    الأونروا ترفض مقترح "المدينة الإنسانية".. وتؤكد: تنتهك القانون الدولى    وثيقة مسربة تُظهر فشل عمليات منع المهاجرين من الوصول إلى بريطانيا رغم الجهود    إعلان نتيجة الثانوية العامة 2025 قبل نهاية يوليو الجارى    إصابة 5 أشخاص فى حادث تصادم سيارة ميكروباص مع تاكسى بالفيوم    جامعة القاهرة تحتضن فعاليات النسخة الرابعة من ملتقى شباب المعرفة    ريهام إبراهيم تقدم حفل افتتاح الدورة ال18 من المهرجان القومي للمسرح المصري    «المالية» تُخصص 5 مليارات جنيه لجهاز تنمية المشروعات    وزير الصناعة والنقل يتفقد 3 مصانع كبرى في مدينة العبور بمحافظة القليوبية    مجلس الوزراء: "حياة كريمة" تُغير وجه القرى المصرية.. شرايين التنمية تنبض في محافظة الشرقية    مركز المعلومات بمجلس الوزراء : مصر أصبحت سوقًا أكثر جاذبية لتجميع السيارات    ضبط شخصين تعديا بالسب على قائد سيارة بمدينة نصر بسبب أولوية المرور    إجراءات صارمة لضبط حملات الدعاية فى انتخابات الشيوخ    وداعا "للأمير النائم".. 20 عاما من الغيبوبة تنتهي بقصة خالدة في الصبر والإيمان    الإعصار «ويفا» يضرب هونج كونج برياح شديدة وأمطار غزيرة    مصادر: تحليق لطائرات حربية يعتقد أنها إسرائيلية في سماء السويداء    أحمد رفاعي مدافع الزمالك ينضم لغزل المحلة    سانشو يقترب من العودة.. يوفنتوس يحسم اتفاقه مع مانشستر يونايتد    مدرب الزمالك السابق بعد ظهور فتوح مع إمام عاشور: «اتفق معاك على 2 مليون؟»    محمد حمدي يعلق على فترة تواجده بالزمالك واعتزال شيكابالا وانتقال زيزو للأهلي    بسبب طول الموسم الماضي.. الريال قد يجدد طلبه بتأجيل جولته الأولى بالدوري    الجبهة الوطنية يكثف نشاطه وجولاته الإنتخابية لدعم مرشحه بالبحيرة    قيادي بالمؤتمر: بيان الداخلية يكشف الوجه القبيح للإرهاب الإخوانى.. ويقظة الأمن أفشلت مخططتهم لاستهداف الوطن    وزير الدفاع والإنتاج الحربى يلتقى وزير الدفاع الإندونيسى    لا علاج ولا تعليم ولا مساعدات مادية…قوانين ذوى الاحتياجات الخاصة «حبر على ورق» فى زمن الانقلاب    مفتى الديار: الصحفى المتخصص هو خط الدفاع الأول فى معركة الوعى    طريقة عمل الحواوشي في البيت، غداء سريع التحضير وموفر    انطلاق فعاليات حملة «100 يوم صحة» بالإسكندرية    احذر هذه الأخطاء ال 8 عند تناول بذور الشيا.. فوائدها قد تنقلب ضدك    شيحة: لدينا هيئة وطنية مستقلة تشرف على الانتخابات وتحقق نوعا من التوازن    السجن المشدد 6 سنوات لعاطل سرق طفلاً بالإكراه فى سوهاج    عاجل- السيسي يستقبل قائد القيادة المركزية الأمريكية بحضور وزير الدفاع المصري    جنبلاط: أي دعوة لحماية دولية أو إسرائيلية تشّكل مسّاً بسيادة سوريا    نيويورك تايمز: روسيا حققت مكاسب كبيرة على الأرض فى أوكرانيا خلال يونيو    قناة "مصر قرآن كريم" تحيى ذكرى رحيل الشيخ محمود علي البنا    قبل طرحه.. تفاصيل 10 أغنيات تقدمها آمال ماهر في ألبوم «حاجة غير»    بايرن ميونخ يقترب من حسم صفقة لويس دياز مقابل 75 مليون يورو    «الغندور» يكشف موعد الإعلان عن صفقة الزمالك الجديدة    محافظ سوهاج: توريد أكثر من 183 ألف طن قمح حتى الآن    رحلة الرزق انتهت.. حوض المرح ابتلع الشقيقات سندس وساندي ونورسين بالبحيرة    الشيخ أحمد خليل: البركة في السعي لا في التواكل    أمين الفتوى: الرضاعة تجعل الشخص أخًا لأبناء المرضعة وليس خالًا لهم    غلق 143 محلًا لمخالفة قرار ترشيد استهلاك الكهرباء    قرار وزاري برد الجنسية المصرية ل21 مواطنًا    شوبير: رحيل وسام أبو علي يقترب.. وبديله في الطريق ل الأهلي    وحدة السكتة الدماغية بقصر العيني تحصل على الاعتماد الدولي    الثلاثاء.. مناقشة "نقوش على جدار قلب متعب" لمحمد جاد هزاع بنقابة الصحفيين    «الداخلية»: ضبط 293 قضية مخدرات وتنفيذ 72 ألف حكم قضائي خلال 24 ساعة    ضم تخصصات جديدة، كل ما تريد معرفته عن تعديل قانون أعضاء المهن الطبية    «بين الخصوصية والسلام الداخلي»: 3 أبراج تهرب من العالم الرقمي (هل برجك من بينهم؟)    نتيجة الثانوية العامة 2025 بالاسم ورقم الجلوس.. رابط الاستعلام عبر موقع الوزارة (فور اعتمادها)    الابن وأمه في جنازة واحدة.. "خليل" يودع الحياة بعد والدته بساعات في بني سويف    حكم قراءة الفاتحة للمأموم في الصلاة الجهرية؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم استخدام شبكات الواى فاى بدون علم أصحابها.. دار الإفتاء تجيب    وزير الإسكان يتابع تطوير منظومة الصرف الصناعي بالعاشر من رمضان    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    حنان ماضى تعيد للجمهور الحنين لحقبة التسعينيات بحفل «صيف الأوبر» (صور و تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد بن صقر: ظاهرة (التطبيل السياسي) في الخطاب الديني والثقافي السعودي
نشر في البديل يوم 21 - 06 - 2014

(التطبيل) كلمة يتداولها الناشطون الإصلاحيون والحقوقيون السعوديون، ويعنون بها: قلب الحقائق، والتورّط في التدليس والكذب المتعمد، وتصوير الواقع على غير حقيقته، لأجل الدفاع عن السلطة والتبرير لسلوكياتها الخاطئة.
وبتعبير آخر هو: مجاراة الحكومة في سياساتها ضد العدل وانتهاك الحقوق، وتبرئتها من الفساد، أو تحميل الخطأ على الحاشية فقط، وتبرئة المسؤول، والدعاية المستمرة لسياستها في مواقفها الداخلية والخارجية حتى ولو كانت متناقضة ومرتبكة، دون اعتراض أو مساءلة، مع مهاجمة كل من ينتقد تلك السياسات، وقد يصل إلى تحريض السلطة الأمنية ضده، وإلباسه بدعم الإرهاب أو الخيانة الوطنية، أو التحالف معها ضدّ تيّار؛ ممّا يستلزم تقديم طقوس التطبيل لكل سياساتها وأعمالها.
وبعبارة دينية: تقديم حكام الدولة في أرفع مقام، وتنزيههم عن الخطأ المقصود، ونسبة القبح والفساد إمّا للأقدار أو للمحكومين، وجعل معارضتهم أو نقدهم معصية وخطيئة دينية، يوصف صاحبها بالضلال والانحراف، وربما الزندقة والكفر.
يُعرف المطبل عادة بثنائه الدائم المستمرّ غير المنقطع في كل الأحوال والظروف، دون أن يكون له نقد قليل أو كثير أو مطالبة بمحاسبة الدولة أو حتى الحاشية؛ فهو لا يفتر عن ذكرِ وليّ الأمر ولو في عزيمة عشاء خاصة مع أولاده.
لا يكتفي المطبل عادةً بقلب الحقائق أو التلبيس والتدليس، بل ينتقل مع مرور الوقت إلى ما يمكن تسميته(التشبيح)، وهي منزلة أعلى درجة من التطبيل. وقد بدأ مصطلح التشبيح في التدوال في السياق السعودي مع بدايات الثورة السورية، وكان لهؤلاء (الشبيحة) وظيفة محددة -ولا تزال- تعتمد على تتبع معارضي السلطة، والتفتيش والتنقيب عن أخطائهم، أو ما يُعتقد بأنها أخطاء، ومحاولة تفسيرها وإلباسها صفات الخيانة الوطنية أو العمالة للخارج أو لتنظيمات سرية محظورة، وممارسة أسوأ صور التعذيب النفسي والقتل والسحل المعني لنفسية اللإصلاحي أو الحقوقي.
التشبيح بلا شكّ أخطر من التطبيل؛ فهو لا يقتصر على الثناء الزائف أو قلب الحقائق، بل يتجاوز إلى الممارسة والفعل، والدعوة للانتقام من معارضي السلطة، وقد أصبح يُطلق في بلدان عربية كثيرة على من يدعو لإبادة المعارضين والمتظاهرين السلميين.
ومن أشهر الفتاوى التشبيحية التي أجازت للحاكم قمع وقتل وسحل المعارضين والمتظاهرين، فتوى الشيخ صالح السدلان في جواز الإبادة الجماعية للمتظاهرين.
وفتوى الشيخ سعد البريك في جواز سحق الجماجم وفتوى الشيخ صالح الفوزان في قمع المتظاهرين
ظاهرة التطبيل التشبيحية
أشكال التطبيل في السعودية قد لا يكون لها نظير في العالم، حيث يجري حاليًا على أوسع نطاق ممارسة التطبيل اليومي عبر الحملات الإعلامية والدروس اليومية وتكثيف المحاضرات وتوظيف عدد كبير من الأسماء الوهمية في مواقع التواصل الاجتماعي من أجل ترسيخ صورة الدولة الأبوية الحانية على الشعب، في مقابل الشعب العاق الجاهل الذي لا يعرف مصلحة نفسه، إضافة إلى شيطنة الفئة المتمردة على ولي النعمة والمتفضل عليها بالإحسان، والتي تسمى الإصلاحيين والحقوقيين.
أخطر ما يمكن أن تؤدي إليه ظاهرة التطبيل في السعودية، الانقسامُ الداخلي والمزايدة في حب الوطن. يدلّ على ذلك الممارسات التشبيحية؛ إذ لم يعدِ التطبيل كما كان الأمر في السابق قبل بضعة سنوات، يقتصر على الثناء والولاء للعائلة الحاكمة، والملك وحواشي الملك، بل تجاوز إلى التعبير المحمل بالتعبئة والاتهام بالخيانة الوطنية واستعداء السلطة ضد الساكتين أو من يوجه اللوم والنقد لسياسة الدولة.
العديد من الأسماء الإعلامية والدعوية والعلمية وعدد كبير من المسؤولين والمثقفين أصبحوا في ركب المطبلين وبعضهم تحول لركب التشبيح. يأتي في مقدمة الأسماء عدد من الكتّاب الليبراليين والمشائخ أصحاب التوجه (الجامي)، ولعل من أشهر هذه الأسماء الكاتب السعودي محمد آل الشيخ، والداعية حمد العتيق، وعبد العزيز الريس، وسلطان الجوفي، وداود الشريان، وسليمان أبا الخيل، وعيسى الغيث، وتركي الدخيل، ومشاري الذايدي، وعبد الله بن بجاد، وعبدالرحمن اللاحم... وغيرهم.
تتفق الأسماء السابقة على ممارسة كل الأساليب الممكنة (اللا شرعية) لإسقاط كل شخصية أو تيار يحاول أن ينتقد السلطة أو يسعى لإصلاح ما يمكن إصلاحه. الأسماء السابقة قد لا تحتاج لكثرة التدليل على استخدمها لهذه الأساليب (اللا شرعية)؛ إذ الكثير من أسوياء الناس مدرك لطبيعة الدور الذي تقوم به تلك الأسماء، التي لا تحاسب على تشويه أعراض الناس، ودون أن تجد أي رادع قضائي، ولا بأي نوع من المحاسبة، بل لا زالت جميع تلك الأسماء تتجاوز الأنظمة والقوانين الصريحة التي تمنع من المساس بقادة الدول، أو شق الوحدة الوطنية أو الإساءة لسمعة الدولة خارجيًّا.
ولا أدل على ذلك من موقف مدير جامعة الإمام د.سليمان أبا الخيل الذي تجاوز كل الأعراف الدبلوماسية، وهاجم بافتراء صريح حكومة دولة إسلامية، ورئيسها، متجاوزًا القوانين التي لم يمض على إعلانها إلّا أقل من شهرين، في تجريم الاعتداء على رؤوساء الدول الأخرى، لأجل إثبات ملائكية الدولة، وصفاء عقيدتها.
بعض المطبلين لهم مواقف تجاه النظام السياسي في المملكة، ولهم مواقف معادية للإسلاميين، فالتقت إرادة الدولة مع الكره الدفين ضد الخطاب الديني عمومًا؛ فبعض المثقفين الكبار كتركي الحمد قبل أن ينخرط في سلوك التطبيل، تحت ذريعة: عدو عدوي صديقي، وعدد كبير ممن يصنف ضمن التيار الليبرالي، أصبحوا ضمن ما يعرف بالليبروجامية.
والمعروف أن الجامية من أكبر صناع التطبيل السياسي داخل المملكة وخارجها؛ فالمصطلح الجديد [ليبرو جامية] الذي أطلقه المغردون على الليبرو السعوديين في أواخر 2011م، يشير بوضوح إلى التحول الجديد الذي حدث داخل صفوف الليبراليين السعوديين. لعل المحامي عبد الرحمن اللاحم واحدًا ممّن التصق بهم هذا التعبير: "ليبرو جامي"، فلا يخلو له مقال أو تعليق من تحريض للسلطة، ضد أي ناشط إصلاحي أو حقوقي، حيث انقلب اللاحم على كل تاريخه الحقوقي والإصلاحي السابق.
الدعاة والعلماء والخطباء وطريقتهم الخاصة في التطبيل
كذلك ثمة شريحة من المنسوبين للمشيخة، تمارس التطبيل، والتشبيح أحيانًا، تمارسه باسم المصلحة العامة والأمن والاستقرار، أو باسم الواجب الشرعي وعقيدة أهل السنة والجماعة، وبعضهم يمارسه ليدفع عن نفسه ضررًا متوقعًا.
الشيخ عبد الرحمن السديس، وهو إمام وخطيب الحرم المكي، يعتبر من أشهر خطباء التطبيل المكشوف، فلا تكاد تخلو له خطبة من الخطب على منبر الحرم الشريف لا يمارس فيها هذا النشاط، ويستغله للتعبير عن ولائه في كل مناسبة ومع كل قرار، بل وصل الأمر إلى علاقاته الشخصية معهم؛ ففي حادثة أثارت الاستياء الشديد على مواقع التواصل الاجتماعي، تحدث السديس في خطبة له على منبر الحرم عن إنسانية ولاة الأمر وهم يواسونه في موت أبيه.
المغردون بدورهم لم يقفوا أمام مهزلة التطبيل التي وصلت إلى استغلال المنبر، فأنشأوا هشتاق: #السديس_يظن_ان_الحرم_المكي_ملك_له وعبروا فيه عن استيائهم الشديد، وتحسرهم على وظيفة وقيمة منبر الحرم الشريف.
لم يقف ثناء السديس على ولاة الأمر في خطب الجمعة والعيد فقط، فاقتحم عالم الصحافة، ونشر عدة مقالات بث فيها الثناء اللامنطقي واللاعقلاني، خصوصًا في عناوينه ذات السجع الغريب، مثل مقاله بمناسبة تعيين الأمير أحمد وزيرًا للداخلية، الذي عنون له: الاختيار الأحمد لسمو الأمير أحمد، وبعد مضي أشهر عدة تم إقالة الأمير أحمد وتعيين نائبه الأمير محمد بن نايف وزيرًا للداخلية، فكتب السديس مقالة أخرى وعنون له: الأمر الرائف بتعيين الأمير محمد بن نايف.
الدكتور سليمان أبا الخيل الذي أشرنا له في بداية التقرير، مدير أكبر جامعة إسلامية في المملكة "جامعة الإمام"، من أشهر دعاة التطبيل، وأكثرهم انخراطًا في الثناء الخارج عن المعقولية؛ فهو يشبّه المملكة -مثلًا- بدولة الخلافة، ويراها النموذج الإسلامي المتكامل الجامع لكل شيء، فلم يبقَ ملهوف فوق أية أرض وتحت كل سماء إلا وبذلت له.
بعض الدعاة والمثقفين الإسلاميين يمارس التطبيل لجناح ليتقي شرّ جناح آخر في السلطة. ويعتبر الدكتور محسن العواجي والشيخ سليمان الدويش من أشهر مَن مارس أسلوب ما يمكن تسميته (التطبيل الاتّقائي) لوزير الداخلية الأمير نايف وابن الأمير محمد بن نايف. فالدكتور محسن في عدة مناسبات امتدح فيها الأمير نايف، بصورة مبالغة، ووصف ابنه بالبطل. مع علم الدكتور العواجي بالجانب الحقوقي الخطير والمؤلم حول ملف المعتقلين وما يتعرضون له.
وفي آخر لقاء للشيخ سليمان الدويش، الذي تعرض للتعذيب والسجن في عام 1425ه بسبب قصيدته الشهيرة في حرم أحد الأمراء المسؤولين الكبار، أعلن في برنامج عبد الله المديفر (لقاء الجمعة) توبته واستغفاره من القصيدة، وهذا موقف صحيح يشكر عليه ولا إشكال فيه، ولكنه ذهب إلى الطرف مباشرة، وأخذ يتحدث بإسهاب متكلف ومبالغ عن الجوانب الإنسانية في شخصية ذلك الأمير المسؤول.
ورغم محاولات الدكتور محسن والشيخ سليمان ممارسة (الاتقاء بالتطبيل) لجناح في السلطة ضد آخر، إلا أن محاولاتهما باءت بالفشل؛ فالداخلية قامت بسجن الدكتور محسن بعد مقاله: غازي القصيبي أم يحيى البرمكي؟ التاريخ يعيد نفسه، في مارس 2006م، والداخلية التي يطبل لها الدويش ويرى أن (تطبيله) هو ما يدين به الله تعالى ولا يقصد بذلك تزلفًا أو تقربًا، قامت بسجنه وإحالته للمحكمة وحكم عليه بعشرة أشهر.
كذلك الدكتور عبد العزيز العسكر، أستاذ أصول الدين في جامعة الإمام، كان من أبرز وأشهر من يمارس سلوك (التطبيل)، بل و(التشبيح) أيضًا، تم عزله من منصبه، ولم تشفع له (حسناته) السابقة.
الألقاب وظاهرة التطبيل
من المهم الوقوف على ظاهرة الألقاب التي أطلقت على الولاة والمسؤولين، فهي تضعنا أمام حجم المبالغة في التدليس والخداع الذي يمارسه المطبلون، والتي لا ترضي المسؤولين وربما قد تحرجهم، كلقب: (ملك العرب)، (قائد الأمة الإسلامية)، (خليفة المسلمين)، (شمس العدل)، (هداية الحيارى)، (أسد السنة)... إلخ.
الوعاظ وظاهرة التطبيل
حتى الوعاظ الذين قد يظهر على بعضهم علامات الصدق والإخلاص والتجرد، إلا أن لهم من المبالغات في المديح والثناء المفرط، ما يؤكد أن ظاهرة التطبيل قد عمت وأصبحت إشكالية ثقافية كبيرة وواسعة النطاق. فالواعظ المعروف الشيخ صالح بن عواد المغامسي، وهو شيخ فاضل يستفيد منه الناس كثيرًا في التفسير والمواعظ الأخلاقية والتربوية، ألقى كلمة أمام الملك نيابة عن أهالي منطقة المدينة، تجاوز فيها حدود المنطق والعقل؛ حيث جعل الملك المتفضل على الناس بالعطاء والخيرات، وقد كان لهذا التفضل والإنعام أثرًا في التلاحم مع الدولة ورد كيد المرجفين. كما شبّه سحابة كرم الملك بمطر بغير رعد، فلم يُبق بسبب هذا الكرم واديًا إلا رواه، ولا ذا عطش إلا سقاه... إلى آخر كلامه. ثم يقول: "تخرج من قصرك ليلًا تزور بيوت المساكين والفقراء ثم تصبح عليك وقار الدين ومهابة الملك". ثم ختم حديثه وهو يبكي من هيبة وجلالة الملك:
وللمغامسي كلمة أخرى تحدث فيها عن شوق مدينة رسول الله لعبادة الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله-، فكان مما قال: "لقد اشتاقت مدينة رسول الله لصلواته وتعبده، واشتاقت رياض الحكم لسياسته وحنكته".
الإعلام الرسمي وظاهرة التطبيل
عند قراءة المشهد الإعلامي الرسمي، سنشهد الحجم الهائل لظاهرة التطبيل؛ فحملات التبرعات للمتضررين في أنحاء العالم العربي والإسلامي على سبيل المثال، تحولت من حملات إنسانية تحثّ الناس على الإنفاق والأجر في الآخرة، إلى حملات دعائية تطبيلية للملك بصورة أيضًا مبالغة جدًّا وخارج منطق المعقول. حيث تحرص القنوات الإعلامية الرسمية على استضافة الأسماء الأشهر والأكثر مديحًا وتطبيلًا من شيوخ ووعاظ وكتّاب وإعلاميين، فيصطف عادة في تلك الحملات الشيخ سعد البريك، والشيخ خالد الشايع، والدكتور سليمان أبا الخيل، مع ثلة من الكتّاب والإعلاميين، وتبدأ الحملة بالثناء العاطر على الملك ونائبيه وبقية المسؤولين، وبين كلّ فاصل وآخر يقوم المطبل بذكر الجوانب الإنسانية للملك وتصبح القضية الجوهرية للحملة إنسانية الملك ونوابه. ويكون الثناء في الغالب في قالب يظهر تمنّن الدولة على الناس، وتفضلها عليهم، وليس كواجب متعيّن عليها. وعمومًا، المطبل يتحدث دائمًا عن قيام الدولة بواجباتها وكأنّها تفضل ومنّة منها؛ فخدمة الحرمين -مثلًا- تفضّل وكرم من القيادة، حتى ليخيل للسامع أن المسؤول يصرف من ماله الخاص وليس من موازنة الدولة.
لعل من أشهر المطبلين الإعلاميين الذين ظهروا في قنوات إسلامية غير مصنفه على الجامية أو الحكومية، الإعلامي عبد العزيز قاسم، في برنامجه بقناة دليل (البيان التالي)، وبرنامجه بقناة فور شباب. فعلى قناة دليل الفضائية، وعبر حلقة عنون له: خفايا وأسرار عن محمد بن نايف، تحدث قاسم في مقدمة (تطبيلية) غير إطار المنطق والواقعية عن الأمير محمد بن نايف، وحاول أن يظهر حب الشعب السعودي الجارف للأمير، ويسميه الجنرال الشاب، ويفرد له في حلقة خاصة تتحدث عن مواهب الأمير الشاب. وعن خفايا وأسرار ومواهب وذكاء وقدرات وعبقرية الأمير، وكل هذا مع ضيفه (الإصلاحي) محسن العواجي.
ولكي لا يظن بأن الحلقة للردح والتطبيل، يتمّ التعقيب بعد كل جملة تطبيل بأن القصد هو قول الحق، وقد رجى الدكتور محسن المستمع الكريم بأن يعتبر جميع ما سيقوله محسن في الحلقة من أوصاف وتبجيل ورفع لمقام الوزير، إنما هو من قول الحق، وألا يتصور بأن محسن يطبل أو يجامل أو يتزلف، بل حتى الأمير لا يرضى أن يقال فيه ما ليس فيه.
في موقف آخر، أراد قاسم أن يكذّب ويطعن في ادعاءات الإصلاحيين والحقوقيين، عن معناة الناس في سجون الداخلية وظلم السلطات الأمنية لهم، فكتب مقالة شهيرة، عن زيارته لبعض السجون في المملكة، حيث وجدها أشبه بفنادق الخمسة نجوم، وأن القائمين عليها أكثر الناس إنسانية واحترامًا لحقوق الإنسان. وقد أثارت تصريحاته استياءً واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي (عادة لا يكون التعبير عن الاستياء والرد على خطاب التطبيل والتشبيح إلا في مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنه المساحة الوحيدة للتعبير الحرّ والمستقل عن السلطة).
التطبيل والمصالح الشخصية
الكثير من المطبّلين يعلم أن التطبيل أحد أهم الوسائل التي ينال بها الدعم لمشروعه الخاص، أو تسهيل ترقيته لمنصب، أو حصوله على درجة وظيفية، أو قربه من مسؤول، أو قبول شفاعته... إلخ. وبالتالي، يصبح التطبيل مرهونًا ببقاء ذلك الدّعم أو ذلك المنصب؛ فإذا توقف التطبيل أو تأخّر أو لم يكن وفق مزاج المسؤول، فقد يؤدي إلى التقليل من الدعم، أو ربما إلى إيقاف الدعم أو سحب المنصب.
والشعراء هذه ساحتهم
ولعلّ من ذلك شهرة الشاعر الكبير خلف بن هذال، الذي أصبح أرفع قائد عسكري في القوات المسلحة، وذلك ليس بسبب المعارك التي خاضها وانتصر فيها، وإنما بسبب القصائد (التطبيلية)؛ وهذا يعني أن ظاهرة التطبيل قد أثّرت حتى في المعايير العسكرية المهنية للترقيات.
وكذلك الشاعر الشاب ياسر التويجري، حيث يصور جلوسه ومثوله بين يدي الملك، وكأنه في مقام تضرع عند الكعبة فيقول: سيدي أي شرف شرفتني وأي مرقى صعب أرقيتني، بسماحك لي بالمثول بين يديك... والأمة شاخصة أبصارها تتضرع لله وهي تدعو لك. ومما جاء في قصيدته:
أبسألك يا لمليك الأب وش تستفيد
دام إن ما فيه مجد إلا رفعت علمه
أخذت حكمت علي وإقدام ابن الوليد
وأخذت من كل واحد فالصحابة سمه
ما أفنيت وقتك على جمع الذهب والعبيد
ولا طردت الأله ولا حضنت الأمه
الإعلام الجديد لم يدع ظاهرة التطبيل تمرّ دون أن يساهم بشكل فعّال في تحطيمها وتفكيكها وإسقاطها، عبر السخرية اللاذعة من هذه الظاهرة. ففي بداية ثورة تويتر، كان رد الإعلام الجديد على التطبيل موجعًا وقاسيًا، وقد تجلى ذلك في عدد من الهشتاقات الساخرة كان من أشهرها هشتاق: #طال_عمرك، استطاع المغردون أن يغردوا بكفاءة عالية جدًّا أظهرت ضياع جهود التطبيل التي امتدت لسنوات طويلة وهي تغذي الناس في الإعلام الرسمي ومنابر الدولة الرسمية عن صورة الدولة الأبوية الحانية الملائكية، فإذا بتلك الصورة يتم تمزيقها في أقل من يوم.
بعد هذه الجولة السريعة في ظاهرة التطبيل، يرد السؤال الهام عن الفرق بين الثناء المحمود والتطبيل المذموم؟
من الفروق التي تميز الثناء عن التطبيل ما يلي:
أن الثناء يأتي عرضًا ومتناسبًا مع الحدث ومحدودًا وعلى فعل حقيقي له نتائج ملموسة.
أن الثناء يكون عادة على الإحسان في فعل زائد عن الواجب، فهو لرد الجميل، وليس على واجب متعين.
أن الثناء الصادق لا يكون إلا على أعمال حقيقية وليس على مشاريع وهمية، وعلى تعيينات لأشخاص ليسوا أكفاءً في محل المسؤولية.
أن الثناء لا يقع في محله إلا إذا كان نتيجة لأعمال متكاملة، فما قيمة الثناء على مسؤول أو على مشروع لا رقابه عليه، ولو أخطأ فهو فوق القانون؟
أن ذكر الجوانب الإنسانية لظالم غشوم ينتهك الحقوق، تطبيل مكشوف، ونفاق ظاهر، وتزيين للباطل، ولو ادعى المطبل أن هذا من الإنصاف، فالإنصاف الصحيح يكون بالإنكار عليه في ظلمه، والمطالبة بمحاسبته، فإذا أثنى عليه مع الإنكار فقد يكون ذلك إنصافًا مقبولًا.
أن مما يميز الثناء عن التطبيل؛ أن التطبيل يكون في الغالب على إدارات سيئة أثبتت فشلها، وعلى مسؤولين جاء بهم للمنصب نسب أو جاه أو علاقة بالملك...
لثناء الدائم تطبيل رخيص، فالمطبل لا يقف عند الثناء في كل المناسبات، وبأنواع من المبالغات المذمومة والتكلف الممجوج، فما مناسبة تأكيد التزام الدولة بتطبيق الشريعة والعقيدة السمحة في افتتاح مشروع للمياه أو بناء طريق مثلًا؟ وما مناسبة الثناء والدعاء لولي الأمر في كل خطبة من خطب الجمعة، وفي دعاء القنوت؟ وهل يجوز شرعًا التعيين في الأدعية المخصوصة بالصلاة أو خطب الجمعة؟
وماذا يعني رفض تعيين الخطيب الذي يرفض الدعاء لولي الأمر؟
أن مما يؤكد ما يقوم به كثير من المداحين تطبيلًا: أنّ النظام السياسي يقوم على الحكم المطلق، وجميع الأدوات التشريعية بيد الحاكم كما جاء في النظام الأساسي للحكم؛ فمسؤولية ولي الأمر مسؤولية مباشرة عن كل الفساد والتقصير والفقر؛ فكل السلطة بيده، فما يقع من فساد وتقصير وإهمال وخطأ لا يمكن أن يكون في كل أحواله غير مقصود أو لا يحاسب عليه ولا يسأل عنه، لأن طبيعة النظام حكم مطلق، وحكم شمولي، فمن الطبيعي أن ينسب له التقصير لا إلى حاشيته، فإذا توجه النقد لغيره، وخص بالثناء؛ فهو تطبيل صريح، وإذا تطبع المادح على الإبصار بعين واحدة؛ فهو الثناء السافر الذي كان سببًا لكتابة هذا التقرير
من موقع التقرير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.