إن فكرة أو هاجس الهلال الشيعي، أمريكية غربية تقوم على تخويف الجناح السني من أن إيران بعد احتلال أمريكا للعراق، تريد الارتباط بعراق شيعي أو جنوبه على الأقل وتصله جغرافيا بالعلويين في سوريا ثم بجماعة أمل وحزب الله في سهل البقاع بالجنوب اللبناني، بقصد احتواء أو تطويق الدول السنية وانتشار النفوذ السياسي الإيراني من خلال هذا الهلال. وسوق الأمريكيون شأنهم شأن القوى الاستعمارية هذا الطرح من خلال المقربين لهم من القوى والزعامات ووسائل الإعلام العربية، كما ساندت إسرائيل هذا التوجه. ونشرت بعض الصحف الإسرائيلية بأن صاحب هذه الفكرة هو الملك عبد الله الثاني بن الحسين ملك الأردن، كما روّج لها بعض أصحاب الأقلام والسياسيين في مصر والسعودية، منتهجين أسلوبا يوحي في ظاهره ببعد نظر أصحابه وتمتعهم بالحصافة السياسية. وجاء طرح الأمريكيين وحلفائهم لهذه الفكرة بعد مرحلة من التوافق الاستراتيجي بينهم وبين إيران التي تتزعم المحور الشيعي طوال الحرب الباردة، وخلال الحقبة التي أعقبتها في مراحل الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق السنيتين، ثم استدارت هذه السياسة، بعد أن أصبحت أمريكا القطب الأوحد في العالم لتحقيق استراتيجيتها في الهيمنة، وبخاصة على منطقة الشرق الأوسط ذات الموارد النفطية، ولتتيح الفرصة للنفوذ الإسرائيلي الذي يتولى الدور البوليسي الأكبر على المصالح الغربية، دون أن ينافسه أي قطب إسلامي، سنيا كان أم شيعيا. وبالتالي جاء دور الارتكاز على المحور السني لضرب المحور الشيعي، بعد أن فعلت ذلك مع المحور الشيعي عند احتلال البلاد السنية. وطرح الفكرة، أو الترويج لها عربيا، يرجع إلى ملك الأردن عبد الله الثاني، الذي حذّر من المثلث أو الهلال الشيعي، ويمتد من إيران عبر البحرينوجنوبالعراق وشرق السعودية وجنوبسوريا حتى سهل البقاع في الجنوب اللبناني. وشارك الرئيس المصري في هذا الطرح، حين ذكر أن ولاء العناصر الشيعية في البلاد العربية يتجه إلى إيران، أي أن ولاءهم المذهبي يفوق انتماءهم الوطني. إذا نظرنا إلي التاريخ سنجده لا يحتوي على مراحل صراع مذهبي بين الشيعة والسنة إلا خلال فترات محدودة، وكان البعد المذهبي فيها هو الظاهر، في حين كانت الأطماع السياسية وغيرها هي التي تشكّل السبب الرئيس في كافة مراحل الصدام، أما أن يراها البعض بأنها نوع من التصرف السياسي من قبل أقلية شيعية تسلك مسلك الأقليات في مساحات توسعها من خلال إحساسها بأن مكاسبها السياسية والجغرافية مسألة مؤقتة تفرضها الموازين الدولية، فهذا أمر لا تقبله الظروف السياسية المعاصرة، ولا حتى تغذيه الجذور التاريخية. وما دامت المسألة سياسية، فيرى البعض أنه ليس هناك ما يدعو للحديث عن وجود كماشة سنية تحيط بالهلال الشيعي المزعوم جغرافيا متمثلة في تركيا من الشمال وجزء من سوريا ثم فلسطين ومصر والسعودية في الجنوب والغرب، فكلها بلدان تلاقت فيها المذاهب والطرق الصوفية والارتباط بآل البيت وأفكار شيعية إلى جانب السنية، كما هو الحال في التنوع المذهبي والنوعي داخل إيران الشيعية، فكلهم مسلمون. فالأتراك تسود بينهم طرق صوفية متجذرة في تاريخهم، كالطريقة القلندرية، التي وفدت مع العثمانيين من وسط آسيا قبل تأسيس دولتهم السياسية، والبكتاشية، وهي طريقة صوفية سائدة بينهم وفي أوساط مسلمي شرق أوربا حتى الآن، وتحتوي علي الكثير من التجاوزات التي تقرّبها للشيعة، كالتوسل بآل البيت والأولياء الصالحين، أي وجود الواسطة الدينية وغير ذلك، بل إن إحدى الطرق الصوفية المنتشرة بين قطاع كبير من الأتراك، وهي الطريقة الجلالية أو المولوية، تعود في أصولها إلى بلاد فارس موطن مؤسسها جلال الدين الرومي، مما يدعو إلى قربها فيما ترتكز عليه من طقوس وعادات من العناصر الصوفية والشيعية في إيران أكثر من قربها من المذهب السني، بنفس قدر انتماء مؤسس الدولة الصفوية إسماعيل الصفوي لجذور عرقية تركية، قبل أن يرتبط بالمذهب الشيعي ويؤسس الدولة الفارسية، ولعل ذلك يؤكد أن هذه الأمور في مجموعها، تمثل خليطا إسلاميا، يدعو إلى صعوبة مسايرة دعاة التفريق المذهبي. ومع أن الفكرة في الأصل ترجع إلى أنطون سعادة زعيم الحزب القومي السوري، وأن العرب سبق أن رفضوها لارتباطها في زمن طرحها بأطماع استعمارية، إلا أن إعادة طرحها من قبل سياسي سعودي ملم بخفايا السياسة وينتمي في نفس الوقت لدولة سنية سلفية هي المنوطة بزعامة الجناح السني أو قيادة محور الكماشة السنية المقابلة للهلال الشيعي، يؤكد إدراكه للأبعاد السياسية الأمريكية الإسرائيلية التي تحاول، كما يري البعض، حصار المسلمين داخل هذا الطرح أو هذه الأفكار. على أن هناك فريقا آخر ما زال رهين الدفع الأمريكي حول ضرورة تعاون الجناح السني بزعامة مصر والسعودية، للوقوف أمام النفوذ الإيراني أو الهلال الشيعي، وهو الذي دعا وزيرة الخارجية الأمريكية للتركيز عليه في اجتماعها مع بعض وزراء الخارجية العرب في أسوان في جنوب مصر، أو الدعوة إلى اجتماع الدول السنية في باكستان، وهي محاولة كما سبق التوضيح لتوظيف البعد المذهبي لأغراض سياسية لخدمة الأهداف الأمريكية الإسرائيلية في المقام الأول وربما الأخير. ويتبارى الأمريكيون ومعهم البريطانيون في تهريب نفط البصرة، وتسعى إيران إلى نيل حصتها منها أو علي الأقل حرمان عدوها من أطماعه من هذه الثروة المهدرة، وتعتمد في ذلك علي ميليشيات شيعية مسلمة يصعب السيطرة عليها. ولهذا لجأ الأمريكيون إلي إثارة البعد المذهبي لاستعداء السنة عليهم حتى يتفرغوا وحلفاؤهم البريطانيين لسرقة منتظمة أو منظمة لهذه الثروة لتعويض نفقات الحرب التي قامت من أجلها وبسببها، ولفتح الباب أمام الشركات الأمريكية التي لعبت دورا في إدارة عجلة الحرب. جامعة بنى سويف مدير العلاقات العامة بجمعية الاثريين المصريين فرع القاهرة [email protected]