فى مصر المحروسة ظاهرة تستحق التوقف أمامها للبحث والدراسة وهى علاقة الأحزاب السياسية بالسلطة القائمة مهما اختلفت الرؤى أو تباينت بينهما، فمنذ إرهاصات وضع لبنة حياة نيابية مع تشكيل المجلس العالى فى المرحلة التى سعى فيها محمد على وولده إبراهيم لتمثل خطى التجربة السياسية الغربية، ونحن نرى دور السلطة/ النظام فى تكوين الأحزاب على الساحة السياسية، وعلى الرغم من بديهية أن تكون المنافذ السياسية حرة ومستقلة ومناوئة دوما للسلطة وساعية لكل ما من شأنه أن يخدم الحراك السياسى، فلقد أتى علينا فى مصر زمن رأينا فيه كيف كانت الأحزاب السياسية التى كانت تقدم نفسها للرأى العام بقناع معارض، رأينا كيف كانت بوابات خلفية للنظام ولأجهزته المختلفة كى يبسطوا المزيد من سيطرتهم على الشارع السياسى، ولقد رأينا مهزلة سياسية مكتملة الأركان فى انتخابات الرئاسة المصرية عام 2005 عندما أراد مبارك أن يؤطر لحلم التوريث الذى كان الشغل الشاغل للعائلة الحاكمة ولرعاياها وأذرعها فى طول البلاد وعرضها، حينئذ رأينا أن معظم الكيانات الهشة، التى كانت بمثابة دكاكين سياسية أسسها وأشرف على وضع أسطوات نظام مبارك، رأيناها تقبل تمثيل دور الكومبارس فى هذه التمثيلية الهابطة التى كانت أبلغ إشارة على بداية النهاية لهذه الحقبة المظلمة فى تاريخنا الحديث والمعاصر، ولم تكن مفاجأة أن يخرج علينا رئيس إحدى هذه الكيانات الكرتونية، وهو حزب الأمة، بتصريحات مفادها أنه وهو المرشح فى انتخابات الرئاسة سوف يكون صوته لمبارك!! وكان الرجل أكثر المشاركين فى هذا العرض المسرحى السياسى صدقا مع نفسه ومع الأخرين، ودلل على أن أحزابنا لم تكن على مستوى مسئولية حمل أمانة العمل السياسى فى بلد كمصر، كيف لا ونحن قد شهدنا فى السبعينيات من القرن المنصرم فصلا عبثيا من فصول حياتنا الحزبية والسياسية المصرية، حيث قرر السادات أن يصنع ديكورا حزبيا يمكنه من تقديم نفسه للغرب ولأمريكا على أساس أنه حاكم ديمقراطى يمتلك رؤية سياسية مستقبلية لوذعية فذة فقرر أن يقسم الأدوار الرئيسية، فحدد هو أن يكون هناك حزب يقدم نفسه على أساس أنه يمثل اليمين السياسى، فكان حزب الوفد طبعة السبعينيات، وحزبا آخر يمثل اليسار فكان التجمع، ثم حزب ثالث يمثل الوسط فكان حزب مصر الذى أصبح اسمه فيما بعد الحزب الوطنى الديمقراطى، وتخير السادات أن يكون هذا الحزب هو الناطق باسمه والمعبر عن سياساته، واستمر الأمر على هذه الوتيرة العبثية فى فترة مبارك وشهدنا كيف تكونت عشرات الدكاكين السياسية التى تعد بوابات خلفية للحزب الوطنى، الذى أفسد حياتنا السياسية منذ ثمانينيات القرن العشرين وحتى اليوم، وكانت تيارات اليمين المتطرف – وعلى رأسهم جماعة الاخوان – تعقد الصفقات فى كل حقبة بما يلائم معطياتها ويخدم أهدافها. ولهذا فليس مستغربا أن تظل الأحزاب السياسية تحرص دائما على أن تظلها السلطة بظلها وأن تنعم عليها بين الحين والآخر بالعطايا – السياسية والمادية – كلما استدعى الأمر تقديم فواصل هزلية سياسية لا تخدم أحدا سوى التكريس لبقاء النظام بنفس أدواته وبنفس قصوره عن احتواء الروح المصرية المتوقة للتغيير.