لم تكن أزمة فيلم "حلاوة روح" هى الأولى ولن تكون الأخيرة بالطبع فى مضمار الفن وحرية الإبداع، لكن السؤال الذى يجب أن نسأله لأنفسنا قبل أن نتبارى دفاعا أو هجوما، هو: هل ثمة سينما بالفعل فى مصر أم أنها مجرد حلاوة روح؟ ربما تكون هناك تجارب سينمائية جادة، لكن الحقيقة التى يجب ألا نخجل من الاعتراف بها هى أننا لا نمتلك الآن إنتاجا سينمائيا يرقى لتاريخ مصر الفنى، وهذا الأمر مرده للعديد من الأسباب والملابسات يأتى على رأسها تحكم رأس المال الطفيلى فى العملية الإنتاجية – إذ دخل إلى حقل الإنتاج السينمائى أشخاص لا يسعون لشيء إلا للثراء والكسب السريع دونما أرضية فنية أو فكرية تؤهلهم لفهم خطورة ومسئولية الإنتاج السينمائى – وانعدام دور الدولة فى هذا المضمار، وأيضا مستوى الوعى المتراجع وانخفاض مستوى الذوق العام وتشوه ذائقة المتلقى الذى لطالما تعاقبت عليه حقبا رأى فيها تجارب سينمائية أكثر ابتذالا من هذا الفيلم الذى فرض سؤالا مهما على الساحة الفنية يدور حول مساحة الحرية التى يجب أن يلتزم بها الفن، هذا السؤال الذى اختلفت الإجابة عنه مع اختلاف الحقبة التى يسأل فيها، ففى الوقت الذى يتربص فيه تيار اليمين المتطرف بالفنون نظرا لدورها فى رفع الوعى وفى التصدى لعمليات التشوية الفكرى الذى يبرع فيه هذا التيار، نجد أن من بين صناع السينما من يعطى المسوغ لهؤلاء كى يصبوا جام كبتهم وإرهابهم على الفن والفنانين، وربما لو كان الظرف السياسى مختلفا الآن لوجدنا سيلا من قضايا الحسبة وغيرها موجهه لصناع الفيلم، أو لغيره من شتى أنواع الفنون. إن الفن الحقيقى هو الذى يعكس آلام وآمال الطبقة العريضة من المجتمع ويرصد ويحلل ما يمور به من مشكلات وتحديات، الفن يجب أن يعرى مسالبنا كى نتمكن من معالجتها ، و يجب أن يساعد الإنسان على الرقى والسمو وأن يتخلص بقدر المستطاع من الشق البدائى فى تكوينه، ذلك الشق الذى يدفعه دوما لأن يكون صداميا دمويا، فالفن يسعى بشكل أساسى لإرساء قيم الخير والحق والعدل والجمال. إننا نعيش الآن على تراث السينما المصرية التى تم انتاجها فى الفترات الذهبية للفن السابع فى مصر، ولولا أن بيننا أمثال داوود عبد السيد ومحمد خان وخيرى بشارة ورأفت الميهى وغيرهم قليلين من الأجيال التالية لأعلنا إفلاسنا السينمائى، والحقيقة أن فيلم حلاوة روح فجر أيضا إشكالية تمت مناقشتها كثيرا وعلى مدار سنوات طويلة، ربما منذ بدء الإنتاج السينمائى فى مصر سنة 1927، وهى الإشكالية الخاصة بالاقتباس والتمصير، حيث كنا نعتمد فى بداية فن السينما فى مصر على نقل التجارب الأجنبية وتمصيرها، ولقد شاهدنا عدة تجارب ناجحة كانت فى الأصل مقتبسة أو منقولة عن تجارب أجنبية ،وكان الفيصل فى الأمر هو حرفية من يقوم بالاقتباس ومدى تكييفه التجربة لتكون ملائمة للمشاهد المصرى وبرعت فى هذا المجال أسماء مثل عبد الحى أديب ووحيد حامد ومصطفى محرم، وهذا ما لم يفلح فيه فريق عمل " حلاوة روح".