لعلكم تتفقون معي أو تعطونني ظهوركم ، حينما أدلو بدلوي في قضية قومية تخص الشأن المصري بمجمله ، وهو رسالة الفن السينمائي المصري ، التي تحول مصارها منذ فتره من الزمن ، وأقدمت علي خلع ميثاق الشرف الأخلاقي وتركه جانباً ، ونزلت عن قضبان الإلتزام بأخلاقيات وعادات وقيم الوطن العزيز، وما اعتاد عليه المصريون من مشاهدة واستمتاع بالفنون السينمائية الرائعة التي تألقت في زمن الفن الجميل ، والتي كانت ولاتزال تحمل معني هادف ومضمون جاد وحقيقة واقعة ملموسة نعيشها وتؤثر فينا كما أثرت في قدامي الأجيال ، حتي تحولت رسالة فن السينما تلك الأيام ، وباتت تحمل كثير من المعاني الزائفة ، والمفاهيم المعكوسة ، وصارت تعاني من حالة عدم قبول شعبي ، عكس ما كان موجوداً من قبل في سالف الزمن . بل لم يعد للفن طريقاً واضحاً أو مسلكاً مرجواً يحاكي من خلاله أحوال المجتمع المصري ، ويرسم صوراً حقيقية لهيئة ومعاناة الفلاحين والبسطاء وفرقة الأرزقية مفتولي العضلات الذين يستخدمون قواهم البدنية في كسب الرزق ، وتراهم يستعينون بأقل الكلمات العامية عند الدعاء وتري كيف صورت السينما هؤلاء العامية من بسطاء الشعب وهم فرحون بالرزق القليل الذي يأتيهم رغم المشقة التي يتكبدونها وتستوجب صفتي القوة والصبر . ولنا أن نتمعن في تلك الصور الذي أبدعتها أفلام الخمسينيات ، حينما ركزت علي الحالة الصعبة التي عاني منها المواطن الكادح والموظف محدود الدخل كثير المسئوليات والنفقات كما أجادت تجسيده أفلام الثمانيات وما بعدها من خلال إنتاج الكثير من الأعمال السينمائية المهتمه بالواقع والباحثة في حال المصريين . ونحن اليوم قد أصابنا الحزن والأسي عندما نشاهد طغيان سلاح المال وتصدُره المشهد الفني والسينمائي ، ويزداد الوجوم والحسرةعلي وجوهنا عندما نجد لغة الاغراء والعُري قد تجرأت وصار كل الهدف المطلوب من أفلام الإغراء الساخنه هو أن يجلب المال مالاً ، ولعلك تري ذلك واضحاً في طوابير الراغبين والمتشوقين والمتلهفين المتعطشين جنسياً وهم واقفون أمام شبابيك دور السينما التي إمتلئت عن آخرها ، بكل هؤلاء المساكين فكرياً وجنسياً والشغوفين لمشاهدة ذلك النوع من الأفلام التي تحتوي علي أوضاعاً مخلة ، ومشاهد جنسية مشتعلة ، وربما وسوست لهم أنفسهم أن مشاهدة اللقطات الخليعة ستطفئ شيئاً ممن يكبتوه داخل تلك أنفسهم المظلومة لعدم القدرة علي الزواج ، حتي أكاد أجزم لك بأن الفن ما عاد رسالة ذات قوة مؤثرة في السلوك القويم أو متحدثة عن قيم مجتمع ووطن كما كانت قديماً ، بل صار معظم أدوار الفن والسينما الحالية هو اللعب علي أوتار شهوات الشباب المتزوج والأعزب معاً ، والأخلاق المصرية التي يحسدوننا عليها صارت في أجازة مفتوحة لمن لا يريد أخلاق . كانت الهرولة والعجلة الشديدة لتحقيق كسب أكثر وثراء أوسع في أقل وقت ممكن ، عاملاً مهماً وراء إقناع الفتيات الحسناوات ذوات الوجوه السينمائية المقبولة ، لقبول مثل ذلك الذي الفن الهابط ، خاصةً لو كانت تلك الفتيات من أرباب المقومات الأنثوية الطاغية التي تساعدهم في القيام بأدوار الإغراء بإتقان وإحتراف ، زاعمين بأن ذلك هو الفن بعينه ، رغم أن رسالة الفن – أساساً – بعيدة كل البعد عما يهدف لهدم الاخلاق أو يسعي لإفشال الأجيال الجديدة التي إتخذت الأدب والعلم والحياء عنواناً لها !! كانت مناسبة جيدة جداً أن نتعرض لقضية أفلام الإغراء الجنسي عندما أدهشتنا السينما المصرية بإنتاج كارثة إسمها فيلم " حلاوة روح " ذلك الفيلم المأساوي أخلاقياً ، والذي كاد أن يضرب بسمعة وكيان الفن المصري النظيف ، بعدما تسبب في هزه عنيفة لأصحاب الذوق العام والآداب السامية حينما تداولته دور السينما المصرية للجمهور ، ولكن سرعان ما غضبت عليه الجماهير الرافضة للمساخر الجنسية والاباحية التي تنتشر في معظم أجزاء الفيلم ، وقد تناولته أقلام النقد بشكل لاذع جدا ، وسطًر النقاد صفحات كثيرة تبدي رفضهم الشديد لما جاء بالفيلم من أفكار شاذه عن عادات وأخلاق المصريون . كان فيلم " حلاوة روح " بمثابة اللطمة المدوية علي وجة المنادون بالقيم والمبادئ والعادات الطيبة ، عندما قدًم الفيلم المنبوذ للشعب المصري نموذجاً سئياً وأحمقاً يسئ – بالفعل – لضحالة حجم وقيمة ما تخرجة السينما الحالية من أفلام هابطة ، وما لحق بها من حالة تجرد من الأدب وتجرؤ علي حدود ذلك الأدب الممتزج بالحياء المصري المعتاد . وعندما يهاجم " حلاوة روح " الأخلاق والحياء كان لابد من وقفه قوية للحفاظ علي ما تبقي لنا من أخلاق وقيم والتي نعدها جزءاً لا يتجزأ من معالم الحارة المصرية وسكانها أولاد البلد أصحاب الشهامة والمروءة ، الذين تغلي دمائهم وتغضب أعصابهم وتنفلت منهم عفوياً إذا ما رأوا ما يؤذي أخلاقهم أو يهدد بهدم حدود الأدب الذي يزينهم رجالاً ونساءً . لقد فكرت كثيرا في نفسي عن سر تسمية "حلاوة روح " بهذا الإسم ، وتسائلت عن أي حلاوة يتحدث عنها كاتب الفيلم ، حتي تسمح له نفسه أن يضيف إليها كلمة لها قدسيتها مثل كلمه " روح " لتصبح عنواناً لفيلم كان سبباً في إزهاق روح الفن المصري ، وكادت أن توشك رسالة الفن والفنان علي الإحتضار . ونحن كم عهدنا الفن طريقاً مستقيماً ، يتناول شتي هموم وأحزان وأفراح وضحكات المصريين ، بعيداً عن الإسفاف الذي نراه تلك الأيام ، وكذلك تداول الجنس علناً وجهراً في المشاهد الخليعة مثلما هو ظاهر في " حلاوة روح " وكل ذلك – كذباً وافتراءً – ينسبوه بإسم الفن ، حتي تسبب كل من شارك في صنع مثل هذا الفيلم الكارثي في إشعال شهوات الباحثون عن المتعه والمزاج العقلي والجسدي ، دون وجود أي رادع ديني أو ضمير مستيقظ يحمي الأخلاق من الضياع ، ويحافظ علي براءة الأطفال والناشئين من البعثرة والاندثار . كانت الطامة الكبري ، عندما نكتشف أن بطل فيلم" حلاوة روح " هو طفل في الحادية عشر من عمره ، بل لم يبلغ الحُلم أو الرشد ليعي الحلال كاملاً من الحرام ، حيث نجح مسئولي الفيلم الذين فيهم مثل في سن والديه ، أن يستخدموه ويوجهوه ليكون آلة رخيصة القدر والقيمة ، ويضللوا به بإسم الشهره والفن والمال ، ويقنعوه بأن يصور مشاهد جنسية ساخنه جداً ، ويظهر في أوضاع شبة عارية ، وكأنه يضاجع إمرأة ليل عديمة الحياء ، ويظهران في أكثر من مشهد وموضع و كأنهما كتله واحده لا تتجزأ ، تلك المشاهد الصعبة علي تجرمها حقوق الطفل والطفولة والإنسان ، وتكون النهاية أن يُضرب ببطل الفيلم ، المثل الأدني لأقرانه في الانحطاط وإنعدام الأدب وغياب التربية المنزلية والمدرسية ، ولكي يُنظر إليه بعين إحتكار ممن هم من نفس جيله وعمره . وكان لنا جميعاً أن نندهش وننفجر نفسياً عندما نسمع مخرج الفيلم وهو يزعم أن ما قدمه من بضاعة رخيصة الثمن ، قليلة الآداب ، ويقول بأن ذلك فناً وله أهدافه ، ولكن أي فن تقبله المجتمعات السامية وهو يقدم فيلماً يحتوي علي ألفاظ تداعب الناحية الجنسية ، وتكاد الآذان أن يصيبها الصمم عن سماعها من هول الجرأة وجمود العين الذي أصاب فننا المصري الذي كنا نراه راقياً وواضحاً يوماً ما !! فاجئنا مخرج " حلاوة روح " بنصيحة غريبة جداً عندما طلب منا بأن نقوم أنفسنا أولاً ونصًلح من سلوكنا ، بدلاً من أن يسعي – هو - لوقف المهزلة التي أخرجها وأساءت لجموع المحترمين في مصر ، وعندما يقف الفنان الجميل محمد صبحي ، ويعلنها بقوه وثقة عمياء أنه كان سيعتزل الفن إذا لم يتوقف عرض فيلم " حلاوة روح " ، وهذا الفنان الذي باع كبير في عالم الفن الجميل ، وصاحب الادوار الرائعة والمحفورة في ذاكرة المشاهد والعاشق لفنه ، ها هو صبحي يرفض أن يكون الجنس والعري والسفالة جزءاً ملتصقا برسالة الفنان ، التي هي ساميه وقيًمة بقيمة ما تقدمه من أعمال . عندما تتدخل مؤسسة مجلس الوزراء المصري بشأن أزمة فيلم " حلاوة روح " فهذا شيئ يبكي القلب ، أن تتدخل ثاني أكبر مؤسسة في الدولة للنظر في أمر هيِن مثل هذا ، وتنشغل به عن الازمات التي تواجه الوطن الحبيب ، فهذا شيئ عجاب !! هل تشكلت الوزارة الجديدة ليقود محلب حل أزمات الأفلام والمسلسلات وغير ذلك ، ويترك قطاعات الدوله تتهالك وتتصدع وتنهار ؟!! ماذا يقول الأب لأبنائه وبناته عندما يُسأل الأب عن تلك المشاهد الجنسية الفاضحة ، وبماذا سيرد المعلم بالمدرسة علي طلابه وطالباته إذا وُجه له سؤالأً عن العُري الذي صار واقعاً ملموساً في السينما والتليفزيون المصري ، ألا يعلم صانعوا مشاهد الإغراء ومخرجوها ومنتجوها أن كثرة من شباب مصر وفتياتها ، بل ونسائها صاروا علي حافة الانحراف الأخلاقي ، ووسوست لهم عقولهم بالمضي في طريق الهاوية التي تتصدرها دوافع الجري والبحث وراء الجنس وشهواته والسبب سينما الإغراء الجنسي التي لم يعد لها هدف إلا جمع الأموال والثراء والشهره لفريق العمل ، بغض النظرعن النظر عن الالتزام بميثاق الشرف والاخلاق التي عهدها المصريون طوال سنواتهم . وبالفعل لقد باتت خطورة أفلام العُري والاغراء في السينما المصرية ، أمر صعب وقضية مجتمعية وقومية بالغة الخطورة ، وربما يحتاج الحديث في ذات الأمر الي مجلدات وكتب بل وموسوعات حتي يتيقظ الغافلون من غفلتهم ويكونوا علي وعي بما يقدمون من ضرر نفسي وجسدي وفكري شامل بما تحتويه منتجاتهم السينمائية من ترويج للذة الجنسية ، وعندما يدعون الكاذبون والمفترون علي الفن الراقي بأن القبلات الحارة والاحضان الساخنه ، والتحرشات ، والتراشق بالألفاظ البزيئة في المشاهد السينمائية ، وابراز ايحاءات جنسية مخجلة ، ولايزالوا يدعون أن ذلك فناً وله أهدافه المكملة للأخلاق ، والأخلاق منها براء ، فعلينا إذن أن نترك هذا العبث والاستخفاف بالعقول ، ولنبحث عن فن آخر يرتقي بنا ونرتقي به ، ويعلمنا ويرشدنا ويترك فينا آثراً وقيمة ، ويحافظ علي أولادنا وبناتنا من الميل نحو الهاوية ، إذا اتجهوا إلي التقليد الأعمي رغبةً في الاشباع الجنسي ، مثلما انتشر في المدارس والجامعات المصرية ، وانتقل من الزواج سراً إلي الزواج العرفي ، ومن ثم صار يمارس الجنس بدون زواج أساساً ، لأن الراغبين دائما يدعمون رغباتهم من خلال وسائل الإعلام و ما يبحثون عنه في السينما والتليفزيون والفضائيات ، ولذا لابد من قوانين صارمة صادقة لوقف عرض مثل تلك النوعية من الأفلام ، التي هزت كيان الشباب المصري ، وأضعفت كرامة مؤيدوا العري والاسفاف ، والحق دائما واحد ويفرض ذاته ولا يتخفي ولا يقبل التزييف، وصدق الشاعر قولاً وفكراً عندما كتب " إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ، فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا !!