عندما نتحدث عن الاقتصاد، يصبح كل شيء تقريبًا قيد الانتظار حتى عودة الاستقرار السياسي إلى مصر: السياحة، الاستثمار، البورصة، حتى استعادة الأموال التي استولى عليها نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. امتد الركود الذي تسبب فيه الاضطراب السياسي وعجز مؤسسات الدولة إلى التعاون المشترك بشأن الإجراءات القانونية في قضايا استعادة الأصول، فقد أهدرت ملايين الجنيهات من أجل استرداد الأموال المنهوبة والمهربة إلى الخارج، وأنفقت هذه الأموال على سفريات وأتعاب الوفود والخبراء الذين سافروا من مصر إلى دول أوروبا؛ لأجل تحصيل أموال مصر التي هربها رجال نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. يرجع عاصم عبد المعطي وكيل الجهاز المركزي للمحاسبات السابق ورئيس المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد عدم حصول مصر على الأموال المهربة في الأمد القصير إلى أسباب كثيرة، منها عدم وجود إرادة سياسية فاعلة لاسترداد الأموال حتى الآن، لافتًا إلى أنه رغم قيام ثورتين في 2011 و2013، إلا أن الفساد المستشرين ما زالت مستشريًا في البلاد، فضلاً عن لجوء بعض الساسة قبل 30 يونيو الماضي إلى خداع الشعب من خلال وجود قدرات لديهم لاسترداد هذه الأموال من الخارج؛ بهدف الشو الإعلامي على حساب العمل الجاد. وأوضح أن أحد الوزراء سافر في عهد الإخوان إلى الخارج بعد ملء الفضائيات والصحف بقدرته على استرداد ثروة آل مبارك، إلا أن زيارته في النهاية لم تسفر عن شيء سوى تحميل ميزانية الدولة لنفقاته ومصروفات السفر والإقامة في الخارج، فضلاً عن عدم قدرة القائمين على الجانب السياسي والاقتصادي والمصرفي على تحديد حجم تلك الأموال المهربة حتى الآن، ووسائل تهريبها للخارج، والقائمين على تهريبها، سواء كانوا الفاسدين أو أعوانهم الذين يطلق عليهم "أصحاب الجلباب"، أي من يهربون الأموال من الباطن. وأضاف عبد المعطي أن "البلد لا يوجد بها إدارات معنية فاعلة لاسترداد تلك الأموال، والترويج لوجود مثل هذه الإدارات عارٍ من الحقيقة، ونذكر منها "وحدة غسيل الأموال بالبنك المركزي" و"الكسب غير المشروع" والأجهزة الرقابية المعنية في هذ الشأن". وتابع وكيل الجهاز المركزي للمحاسبات السابق ورئيس المركز المصري للشفافية ومكافحة الفساد أن عدم وجود أحكام قضائية نهائية وباتة يتم بمقتضاها استخدام تلك الأحكام لدى الدول المعنية في استرداد تلك الأموال رغم مرور ما يزيد على ثلاث سنوات أدى إلى تلاعب الدول المعنية بالتهريب بالإدارة المصرية في هذا الشأن؛ لعدم وجود نية سابقة لرد تلك الأموال على المدى القصير القادم؛ نظرًا لاستفادتهم من هذه الأرصدة. وأكد أن الزيادة المبالغ فيها في المطالب المادية للمكاتب المتخصصة في استرداد الأموال الدولية، والتي قد يصل حجم أجور تلك المكاتب لما يقرب من نصف قيمة المبالغ المهربة للخارج، وضعف القدرات الفنية، وتخبط الجهات المعنية المصرية، وتشابك وتضارب المصالح فيما بينها، فضلاً عن السفريات التي تحملتها الموازنة العامة للدولة من نفقات سفر الوفود المرافقة والمسئولين والسياسيين لم تسفر عن شيء، كل هذا أدى إلى تحميل الموازنة مبالغ ضخمة دون أن يكون لها أي فائدة أو مقابل. فيما يرى مصيلحي عليوة وكيل أول وزارة بالجهاز المركزي للمحاسبات أن الحكومات المتعاقبة استمرت في التعتيم وعدم الشفافية، ولم تصارح الشعب بما يجرى في هذا الملف منذ اليوم الأول لخلع مبارك؛ حيث أوهموا المصريين بأمور عديدة، وبعدها صمتوا، وكأنهم لم يعدوا بشيء. وتابع "لا يوجد مسئول يقول حقائق، والمسئولية المغيبة تؤدي لعدم رجوع الحق؛ ولذلك سيظل هذا الملف ضائعًا، ولا يسند لمن هم أهل ثقة والقادرين على تقديم أي جديد فيه، لا سيما أن الدول التي أودعت أسرة مبارك ثروتها لديهم هي بالفعل مستفيدة من هذه الأموال ولها دور فعال في تقوية اقتصادهم". وأضاف عليوة أنه إذا لم يأتِ الرجل الذي لديه نية وإرادة حقيقة وصادقة لتقدُّم مصر، فسيظل النظام كما هو منذ 50 عامًا لأجل غير مسمى، مؤكدًا "نحتاج الابن البار الذي يكون لديه نية وإدارة قبل الإدارة.. نحتاج قائدًا يضع استرداد الأموال على رأس أولوياته، فمصر فيها خير، ولكن الأموال مبددة ومنهوبة عن قصد؛ لتجويع وتضييع هذا الشعب".