عادت التصريحات التي تتهم الشعب بأنه غير مؤهل لممارسة الديموقراطية، للساحة السياسية مرة آخري، وبدأ الكثيرون يرددون مثل هذه الكلمات دفاعاً عن النظام الفردي في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بل زادوا على ذلك أن الأحزاب غير مؤهلة لخوض الانتخابات بنظام القائمة، ووصفوها بالضعيفة الغير قادرة ربما على تبني برامج، قبل حتى الوصول إلى الناخب. وتناسي نفس الأشخاص الذين يطلقون هذه الكلمات، أمرين الأول، أن هذه التصريحات سبق وأطلقها أحمد نظيف أخر رئيس وزراء في عهد المخلوع مبارك، قبل ثورة 25 يناير التي أطاحت بهم، والثاني، أن نفس الشعب الذي تغنوا بقدرته على الفرز، وانحيازه لمصالحه ووعيه الذي يسبق وعي النخب في كثير من الأحيان، بات في نظرهم غير مؤهل ويحتاج لفترة زمنية قبل أن يستطيع التعامل مع نظام القائمة، ليصبح فجأة شعباً غير الشعب، وثورة غير الثورة، ومستقبل يتحكم فيه رجال الأعمال. ويبرر من يدافعون عن النظام الفردي أو على أقل غلبة نسبته في النظام الانتخابي، وجهة نظرهم، بأن الشعب المصري لا ينتخب على أساس البرامج، وأن القبلية تتحكم في توجيه الأصوات الانتخابية، ويزعمون أن القائمة ستكون بوابة لعودة الإخوان إلى البرلمان. على الرغم من أن النظام الفردي يثبت فكرة العصبية القبلية ولا يعمل على تغييرها، ويؤخر اندماج الريف والصعيد بشكل خاص في الحياة السياسية كما يفتح النظام الفردي الباب واسعاً لنفوذ المال السياسي، وبدلاً من تنافس البرامج الانتخابية، سيظل تنافس الإنفاق في الحملات الانتخابية، من رصف طرق، وبناء مساجد، ودفع مصاريف طلاب الفقراء لكسب أصواتهم، فيما تمثل رشاوي انتخابية واضحة تستغل الفقر والبطالة وضيق العيش، في السيطرة على برلمان، لتشريع مزيد من قوانين وسياسات الإفقار، والنهب. يزعمون أن نظام القائمة ربما يعيد تنظيم للإخوان للسيطرة على مقاليد الحكم، ويرفضون ذكر نتائج الانتخابات الماضية، التي فاز الإخوان فيها ب 222 مقعدا، بما يمثل 47 % من عضوية البرلمان، مقسمة، إلى 115 عضوا فازوا بنظام القائمة في انتخابات على ثلثي أعضاء مجلس الشعب ، و107 بالنظام الفردي على الثلث فقط، بما يعني أن النتيجة التي حققها الإخوان في الانتخابات على النظام الفردي أعلى بكثير من ما حققوه في القوائم، وبما يعني أيضاً أنهم لولا وجود نسبة الفردي لما حصلوا على الأغلبية ومثلوا الجناح الرئيسي في برلمان ما بعد ثورة 25 يناير. أضف إلى ذلك أنه حال تبني النظام الفردي، فإنه في كثيرا من الأحيان يفوز مرشح بنسبة 51% من أصوات الناخبين في دائرته، وبالتالي يعبر عن هذه النسبة في البرلمان بينما، يحرم من اختاروا سياسات أخري، وبرنامجاً أخر من التعبير عن رأيهم أو المشاركة في الحكم، بينما يضمن نظام القائمة وصول كل الأراء إلى دوائر صنع القرار. ويبدو أن هناك صراع خفي يمارسه رجال الأعمال وفلول نظام مبارك للعودة للمشهد السياسي، لضمان مصالحهم من خلال تبني النظام الفردي كبوابة خلفية يدخلون منها إلى البرلمان، ولا يمكن فصل هذا المشهد من مسلسل الأحداث التي يشهدها الوطن، عن قرار رفع أسعار الغاز المنزلي، في توجه يبدو عام لإلغاء الدعم الموجه للفقراء رغم استمرار توجيهه لمصانع رجال الأعمال كثيفة استهلاك الطاقة كثيفة الربحية، التي تبيع لنا المنتجات بالأسعار العالمية.