فى مجتمعنا المصرى اعتدنا أن تتغير مواقف الكثيرين وتتحول انتماءاتهم وفقا لمقتضيات الحال، أو وفقا للجهة أو التيار الذى ينتمى إليه الشخص المتحول، وهناك أمثلة عديدة وصارخة تدلل على مقدار العبث الذى يلف حياتنا والذى يفوق تجارب الكتابة العبثية فى مجال المسرح والتى ظهرت فى نهاية أربعينيات القرن العشرين كرد فعل على وحشية ودموية الحرب العالمية وما خلفته من مآس . لكن المحير والمحزن فى آن واحد هو تلك النغمة التى أصبحت تتردد بكثرة هذه الأيام والتى تسعى للنيل من مصداقية ثورة يناير 2011، وللأسف الشديد بدأت هذه الموجة عقب 30 يونيه 2013، وكأنما يريد هؤلاء أن ينتصروا ليونية على حساب يناير؟! مع أن الواقع يبرهن على أن ثورة الشعب المصرى الجارفة كانت فى 25 يناير، لكن نتيجة الصفقات التى أبرمت بين تيار اليمين المتطرف بقيادة جماعة الإخوان الإرهابية المدعومة بالولايات المتحدةالأمريكية وبين من كانوا يديرون البلاد وقتها، تم تسليم الثورة للجماعة التى لم تدخر جهدا فى سبيل إقصاء المختلف معها وتكفير المعارض لها، ولم يجد الشعب المصرى سوى الخروج على دولة المرشد وكانت الموجة الثورية العظيمة فى 30 يونية 2013 والتى صححت المسار وأعادت الثورة للمصريين، وتجلى فى ذلك دور المؤسسة العسكرية الوطنية التى انتصرت للإرادة الشعبية وحافظت على دعائم الدولة المصرية التى كانت الجماعة ومن لف لفها تسعى بدأب لتفكيكها، ولعل ما يحدث فى سيناء كان الخطوة الأولى على هذا الطريق ،ومؤخرا يسعى اللئام من فلول نظام مبارك وعبيد السلطة فى كل مرحلة وبعض الطامحين إلى العطايا والمناصب، لتلطيخ ثورة يناير وتشويه نضال المصريين ضد نظام مبارك و الذى كانت إرهاصاته منذ نهاية التسعينيات على شكل مجموعة احتجاجات هنا أو هناك، ثم تبلور واتضح بجلاء عند الخروج عقب مسرحية انتخابات الرئاسة 2005 وما تبعه من تأسيس حركة كفاية ثم الجمعية الوطنية للتغير، ثم توالت التحركات الشعبية حتى انفجر بركان الغضب فى وجه نظام مبارك الذى كان قد بلغ مرحلة من الترهل والوهن جعلته لا يصمد أمام الغضب الشعبى إلا لأيام معدودات ، ما تزال ألغاز العديد من الجرائم التى ارتكبت فيها لم تحل حتى الآن . إن 25 يناير ثورة شعبية عظيمة كان وقودها دماء المصريين، كما أن 30 يونيه هى الموجة الثورية الأعظم التى صححت مسار الثورة الأم، فعلى من يسعون لاغتيال ثورة يناير ونفاق السلطة الحالية أو الآتية أن يراجعوا أنفسهم وأن يرفعوا أيديهم عن مصر وثورتها، وعليهم أن يعرفوا أنهم بمساعيهم تلك إنما يخدمون أهداف الجماعة الإرهابية التى تعيث فى مصر فسادا وتفجيرا وتخريبا منذ أطيح بها بعدما اتضح لنا مدى قبحها وسوء طويتها، وعليهم أن يدركوا أيضا أن السباق الرئاسى الذى بدأت ملامحه ليس صراعا بين يناير ويونيه كما يروج الإخوان ومن يناصرونهم، لكنه سباق وطنى يعكس حالة الحراك السياسى الذى يشهدها المجتمع المصرى الذى يكافح من أجل بناء مستقبل يليق به وبالدماء الزكية التى أريقت فى سبيل التغيير.