نزار قباني في اعتقادنا، شاعر غير عادي لأمرين جوهريين، يسبقان ما سواهما: أولهما: أنه أكثر شعراء العرب جماهيرية واحتفاء من جانب الجمهور إلى جانب اعتداد النقد والنخب، ربما منذ "شوقي". وثانيهما: أنه شاعر بقدر ما ركز على قضايا وجدانية عاطفية واجتماعية، وعلى الأخص بل على التحديد المرأة ومجمل ما يتعلق بأحوالها حتى أنه أطلق عليه إن استحساناً أو استهجاناً! (شاعر المرأة)، بمقدار ذلك فإنه شاعر ركز فيما بعد خصوصاً بعد نكسة 1967، وقصيدته الشهيرة بكل ملابساتها "هوامش على دفتر النكسة"، على قضايا وطنية وسياسية، إنه من وقتها وإلى أن رحل في 30/4/1998، (عن 75 عاماً) شاعر سياسي حتى النخاع، وشاعر قضايا الأمة العربية بامتياز، قضاياها الحيوية (من استبداد إلى تخلف إلى استعمار). وكل هذا استعرضه مسلسل "نزار قباني" الذي أخرجه باسل الخطيب، منذ مولده، إلى مرحلته شاباً (التي أداها الممثل تيم الحسن) وفيها رأينا نزار دبلوماسياً وشاعراً وعاشقاً للمرأة، باحثاً أبداً عن جمال المرأة في شعرية الكون، وباحثاً عن شعرية عربية مجددة يكتبها ويستلهمها من المرأة، عبر جمال وروح وتكوين وخصوصية المرأة. والحق أنه بمسلسل "نزار قباني" للمخرج المقتدر باسل الخطيب سنة 2005 اقتحمت الدراما السورية. إلى جانب ميادين الدراما التاريخية والاجتماعية. مجال تجسيد السيرة الشخصية لرموز مهمة ومؤثرة في تاريخننا الحديث وحياتنا المعاصرة. فبهذا المسلسل أكدت دراما التليفزيون السورية توفيقها في هذا المجال كما أكدت تفوقها في دراما التاريخ وغيرها. وقد قدم هذا المسلسل بإتقان سيرة الشاعر السوري والعربي الكبير نزار قباني (مارس 1923 إبريل 1998)، في مسلسل طويل على مدار شهر وهو شاعر غير عادي، عاش عصراً غير عادي، وكان هذا كله بعض ثراء المسلسل الذي أنجز تأليفه وتصويره وتمثيله بمهارة وفنية عالية. قدم هذه الحالة أو الصورة ل "نزار"، وليس كما قال البعض كزير نساء في نوع من التسرع أو عدم التدقيق. كذلك فإن العصر الذي "تحرك" فيه قباني كان عصراً غير عادي بدوره! وهذا ما عرض له المسلسل وبحث وتقصى في ملفاته: من انقلابات سوريا العسكرية، على يد مخابرات الدول الكبرى، إلى نكبة فلسطين 48 العربية إلى ثورة يوليو المصرية العربية إلى وحدة مصر وسوريا ثم الانفصال حتى نكسة 67 والمقاومة المصرية والعربية وحرب الاستنزاف (أصبح عندي الآن بندقية) فعبور 73 وصولاً إلى زمن الانحدار الطويل الذي عاشه نزار وعاشته الأمة بكل جوارحها، وهو الانحدار المرير الذي عاشته الأمة عقب حرب 73 وأملها الذي سرعان ما انطفأ. وحلت بعده مشاهد التردي المحزنة الكبرى: من الحرب الأهلية اللبنانية (فقد نزار في خضمها زوجته وحبيبته وصديقته بلقيس، قتلت في بيروت 1982) حتى احتلال بيروت، ومن كامب ديفيد إلى محاولات تصفية القضية الفلسطينية التي لا تتوقف حتى الآن. بل تشهد المزيد من هوان لو عايشه نزار اليوم لا ندري ماذا كان يمكنه أن يقول بعد أن هتف وأنشد قصيدته ذائعة الصيت كاملة المرارة: (متى يعلنون وفاة العرب!). نزار بين تيم الحسن.. وسلوم حداد تيم الحسن ممثل بارع تمكن في أداء المرحلة الأولى من حياة وشخصية نزار قباني، لكن سلوم حداد في أداء المرحلة الثانية والأخيرة بدا كمن لا يمثل أصلاً!. فكأنما هو (نزار) نفسه، كنا معه بإزاء نزار ذاته!. روحه، وعمقه، وأعصابه، إنه هو!. ولعل ذلك لم يتحقق من قبل، في سجل الدراما العربية إلا في مرات نادرة، منها عدد من مشاهد فيلم "ناصر 56″ على يد أحمد زكي، ومنها عديد من مشاهد فيلم "أيام السادات" على يد الممثل نفسه، ومنها حلقات ومشاهد على الأخص بالنصف الأخير من مسلسل "أم كلثوم" بأداء الممثلة صابرين. ومسلسل "نزار قباني" به مجموعة من الشخصيات المعروفة، التقى بها الشاعر الكبير في الواقع، وحاول المسلسل تجسيدها بممثلين، منهم: توفيق الحكيم ومحمد عبد الوهاب وسهيل إدريس وأنور المعداوي بل وبينهم جمال عبد الناصر وكذلك الرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر وغيرهم… وقد وفق المسلسل في محاولة تجسيد "عبد الوهاب"، وكان الإقناع بالشخصية الأصلية أقل في حالة "الحكيم"، بينما أخفق تماماً في حالة "جمال عبد الناصر"، لأن المسلسل حاول تقديم شخص يقترب من ملامح قائد ثورة يوليو قدر الإمكان، لكن الممثل الذي أداه لم يقترب من الروح وجوهر أو عمق الشخصية، لم يكن مقنعاً على الإطلاق. وقد اشتكت عائلة "نزار" من أمور في المسلسل، بينها أن بعض الشخصيات في عائلته لم تكن على نحو ما قدمه المسلسل بالضبط، وهم أدرى بالطبع لكن بالنسبة لنا كمشاهدين فإننا نرى أن المخرج باسل الخطيب والمؤلف قمر الزمان علوش والممثلين قدموا تلك الشخصيات بالاحترام والتفهم الواجبين، فزوجته الأولى "زهرة" السورية في إطار تكوينها أو ظرفها الذي قدمت من خلاله كان من الطبيعي أن تغار وأن يختلف نمطها وحياتها معه، وزوجته الثانية "بلقيس الراوي" العراقية أيضاً في إطار تكوينها وظرفها الثقافي والاجتماعي كان من الطبيعي أن تكون الأكثر تفهماً والقدر على المشاركة. تحية إلى اسم وإسهام الشاعر العربي الكبير في ذكراه، شاعر الحب والثورة، والأمة في قضاياها الحياتية الكبرى.