بعيدا عن التحليلات السياسية المعمقة للفوز الأردوغانى "الكاسح" فى الانتخابات البلدية ،وتداعياته المحلية والدولية والإقليمية ،هناك تزامن عجيب بين الصورتين توقيتا ومعنى. أردوغان الستينى يقف فى الشرفة أمام آلاف من جماهيره ،جهورى الصوت ،مقدما خطابا حماسيا/ شعبويا يلهب أتباعه ،مهاجما الغرب الذى يراه متآمرا عليه ،وهو الذى أراق ماء وجهه للانضمام للاتحاد الأروبى،مهاجما سوريا التى يتآمر هو عليها ،ثم مصر ليشد أزر أتباعه من الأخوان المسلمين مطالبا إياهم بالصمود فى وجه "الانقلاب" . بتحليل مضمون أولى لصورة الرجل الواقف فى شرفته منتشيا بالنصر، يبدو الانطباع الأول أنه "دكر" بالمعنى الدارج الذى يتوسله المصريون جميعا الآن ،كذلك يجىء خطابه وهو يسمى أعدائه اسما اسما –رغم عدم ديبلوماسية الأمر ولا قانونيته- متناسبا مع ما تتخيله الذهنية الشرقية عن الزعيم الذى لا يخاف أحدا ،ويحسب له الجميع ألف حساب!! لم يحاول أردوغان أن يستعير مفردات الغرب الأروبى ولا الأمريكى فى التعبير عن انتصارته أو عداواته ،لقد أدى كما ينبغى لسلطان عثمانى أن يؤدى ،لأسباب كثيرة شعورية ولا شعورية من أهمها أن يمايز نفسه عن العلمانيين المتغربنيين الذين ترفضهم الذائقة التركية المحافظة خاصة بعد الأصولية العلمانية الفجة التى أتبعوها. بالأمس أغرقت صورة للمشير "السيسى" وهو يركب دراجته وسائل الإعلام بكل أنواعها ، وسواء كان ثمن الدراجة 30 ألف جنيها أم ثلاثة الاف ،فإن الثابت فى الأمر أنه كان يتجول بحراسة أمنية مشددة . اللافت للنظر أن الرجل قد بدأ حملته ،على الطريقة الغربية المحضة وإن لم يتقنها القائمون عليها . يستدعى هذا التوجه لمخاطبة الرأى العام الغربى ، التساولات ،والمخاوف أيضا فلطالما ،حرص حكام هذا البلد على رضا الأجنبى على حساب بلدهم والنتيجة كانت إما احتلال عسكرى أو اقتصادى أو الاثنين معا. لا يمكن لمن يتجول بحراسة أمنية مشددة ،أن يدعى قربا من الناس ،ولا يمكن لأحد أن ينكر أن المصريين يتوقون للرجل يتحدث كما يتحدثون هم ، وليس بطريقة مصطنعة النعومة بشكل يخلو من المصداقية ، لا يمكنها فى يوم من الأيام أن تلغى تاريخا عسكريا للرجل ، ثم من يتجرأ بالإفتراء على المصريين بالقول أنهم سيكرهون المشير " عبد الفتاح السيسى " إذا حكم كرجل عسكرى . الخصم وقد أعلن العداوة الصريحة لنا يقدم نموذجا شعبى يرضى أبناء بلده وذوق منطقته ،فإلى متى سيكتب علينا استعارة طرق الآخر الفاشلة ،والإكتفاء بالاستماع إلى "كدابى الزفة" من المرتزقة ،إلى أن تقع الواقعة ونخسر أمام خصم ليس بالهين ولا بالسهل هم لن يستسلموا،وأدوات معركتنا بالية.