مع كل ساعة تمر، يعلن التراث الثقافي وداعه لأرض مصر، عله يجد من يقدره في متاحف برلين أو لندن، فعشرات السنوات وهو على هذه الحال "تهميش وإهمال وإتجار غير مشروع"، بين حكومة مغيبة ومسؤولين جهلوا قيمة ما يملكون، فتركوا المغتصبين يفعلوا ما يشاءون بتراثنا، فلا أحد ينسى حادثة متحف "ملوي" بالمنيا، الذي نهُب لثلاثة أيام متواصلة وأسفر عن سرقة 1050 قطعة أثرية، والحكومة المصرية تكتفي بمشاهده الحادث عبر التلفاز، إلى أن تدخلت منظمة "اليونسكو" وشكلت لجنة لرصد المسروقات. فالتراث الثقافي المصري ثروة حضارية، تعاني يوميًا من الاتجار غير المشروع، وهو ما دفع مجموعة من خبراء التراث والآثار لاطلاق أول مباردة وطنية لإنقاذ مستقبل التراث المصري؛ مكونة من ثلاثين عضوًا ينتمون لمختلف أشكال التراث الثقافي "المادي واللامادي والطبيعي والحضاري والبيئي"، منهم: الدكتور خالد عزب، رئيس قطاع المشروعات بمكتبة الإسكندرية، الدكتور مونيكا حنا، دكتوراه في الآثار المصرية- جامعة برلين، الدكتور أحمد مرسي، أستاذ التراث اللامادي ومدير مشروع أرشيف المأثورات الشعبية، الدكتور نسرين اللحام، خبير تراث بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، مطالبين بإنشاء هئية عليا للحفاظ على التراث المصري. شدد الدكتور محمد صفي الدين أبو العز، رئيس الجمعية الجغرافية وزير الشباب بحكومة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، على ضرورة الحفاظ على استمرارية التراث المصري، قائلاً: مصر من أبرز الدول المالكة للتراث الحضاري، وبفضله استطاعت أن تحتل مركزًا مرموقًا بين دول العالم، وما يتعرض له الآن من تهميش وإقصاء ما هو إلا إرهصات يعقبها علو وشموخ، وشباب مصر قادرٍ على إنقاذ تراثه. من جانبة قال الدكتور طارق سعيد توفيق، أستاذ بقسم الآثار المصرية، بكلية الآثار جامعة القاهرة، أن المبادرة قامت برصد السلبيات التي يواجهها التراث المصري، فكان غياب الإدارة المنهجية لمؤسساته، وقصور التوثيق والتأمين اللازم لمفرداته، وضعف الموارد المالية اللازمة لصيانته واستدامته، والتدهور المادي والفكري، ونقص الخبرات اللازمة للتتعامل مع التراث، وغياب التشريعات الموجودة والفاعلة لحمايته، وغياب البعد التعليمي والتثقيفي والأمني والسياحي المناسب لقيمة أدوات التراث، من أبرز المعوقات التي توصلت إليها المبادرة. فيما اقترحت الدكتورة مونيكا حنا، تأسيس جهاز «طوارئ» تابع لوزارة الآثار، لمتابعة سرقة التراث المصري بشكل يمكننا من تفادي أقل الخسائر الممكنة، منددة بنزيف المباني المعمارية التارخية، بسبب القصور التشريعي الذي يفرق بينها وبين المباني الأثرية التي يحكمها قانون ثانٍ. وشددت «حنا» على ضرورة إعادة هيكلة جهاز شرطة السياحة والآثار، قائلة: وزارة الآثار تملك 12 ألف عامل أمن غير مدربين على التعامل مع التعديات التي تتعرض لها المواقع الآثرية، ففي شمال محافظة الشرقية، تم التعدي على 190 فدان أثري، والشرطة لم تتصد لهم، لذا يجب تدريب هؤلاء الأمناء أو إعادة هيكلة الجهاز بالكامل. ومن جانبها أكدت الدكتورة نسرين لحام، على ضرورة اتباع المنهج العلمي لوضع استراتيجيات للحفاظ على التراث الثقافي، مشيرة إلى ضرورة تكاتف المؤسسات الحكومية والخاصة منظمات المجتمع المدني، لانقاذ التراث المصري من خلال مشروعات تثقفية وإنتاجية وربطهم بالموقع أو المتحف حتى يكونوا خط الدفاع الأول له، مع إدخال التراث في المناهج التربية الوطنية بالمدراس للتوعية بأهمية التراث والحفاظ عليه. أما الدكتور خالد عزب، رأى أن ما يعانية التراث المصري من تهميش وإقصاء يرجع إلى قانون الخديوي «توفيق» الصادر عام 1881، والذي مازلنا نأخذ به حتى اليوم، مشيرًا أن القانون لم يفصل بين إدارة الآثار واقتصادياتها، قائلاً: «هذا القانون المعوق الأكبر في الحفاظ على تراثنا، موضحًا أن مصر بفضل هذا القانون لازالت تعتمد على التذكرة كمصدر وحيد لميزانية الآثار، لذا حان الوقت لتعديل هذا القانون كي يتلائم مع القرن ال 21». وأضاف «عزب»، أن الحفاظ على التراث الحضاري لمصر، يبدأ من القصر الرئاسي، مطالبًا المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية، بفتح قصر عابدين بالقاهرة، أمام الزائرين، وايضًا قصر المنتزه بالإسكندرية، الذي لم يتم استخدامه سوى مرة واحدة منذ عام 1981، مؤكدًا أنها سيحققان دخلاً عظيماً لمصر، لمكانتهما التاريخية.