شهدت الدورة السابعة عشر لمهرجان سالونيك الدولي للأفلام التسجيلية "14 : 23مارس "،غيابا واضحا للمشاركة المصرية الخالصة سواء إنتاجيا أو إخراجيا، رغم ما يتمتع به المهرجان من تعدد برامجي واضح حيث تصل برامجه إلى عشرة أقسام تضم كل منها قائمة طويلة من الأفلام المشاركة من كل أنحاء العالم. غياب المشاركة المصرية لا يعني أن مصر لم تكن حاضرة في خاطر العديد من التجارب التسجيلية المشاركة خلال أقسام المهرجان، هذا الحضور الذي يشعرك بأن الحراك السياسي الحادث خلال السنوات الأخيرة جعل من غير المنصف أو الممكن أن يتم إغفال هذه الكتلة الملتهبة من الأرض، وما تفرزه يوميا من أخبار وتداعيات وتراكمات أصبحت تمثل غواية لكاميرات وأفكار التسجيليين في العالم. في فيلمها"نصيب"قدمت المخرجة اليونانية "نينا ماريا باساليديو"، تشريحا اجتماعيا وإنسانيا دقيقا لوضع المرأة في البلاد التي غزتها الدراما التركية وعلى رأسها مصر والإمارات وبلغاريا واليونان نفسها-صاحبة التاريخ الدموي مع تركيا- بل وذهبت إلى القاهرة لتلتقي بمختلف شرائح النساء اللاتي يتابعن الدراما التركية بشغف وتأثر وعلى رأسهم أحد الناشطات التي تعرضت لأزمة كشوف العذرية الشهيرة وكيف أن متابعتها للدراما التركية-خاصة مسلسل فاطمة- حفزها كثيرا لتحريك دعوى قضائية ضد المشير طنطاوي قبل عامين تماما كما فعلت بطلة المسلسل فاطمة ضد مغتصبيها البرابرة، وكذلك التقت بعدد من الناشطات السياسيات اللاتي تحدثن عن دور الدراما التركية في تحفيز وجدان المرأة في مصر عبر مختلف النماذج التي قدمتها مثل نور وفاطمة وحياة وهي بطلة إحدى المسلسلات التي تزوجت في سن الخامسة عشر من رجل في السبعين بالإضافة إلى مشاهدات عاديات ممن اعتبرن إن مسلسل"نور"هو الحياة كما يجب أن تكون. ولا يخلو فيلم من الأفلام التي ورد بها ذكر مصر ضمن برامج المهرجان من اللقطات التي أصبحت البصمة البصرية للمجتمع المصري في السينما العالمية"ميدان التحرير"وإن كان لا يفوت المشاهد المتابع أن عدد من الأفلام تم تصويرها في فترة حكم المجلس العسكري وهو ما يمكن رصده عبر الشعارات والجرافيتي المصور في الشوارع. وفي مقابل أزمة كشوف العذرية التي تحدث عنها فيلم"نصيب" ، تطالعنا علياء المهدي صاحبة أشهر صور الأحتجاج النسائي بعد ثورة يناير، في الفيلم النمساوي السويسري"تمرد يومي" للأخوين رياحي، والذي يشبه من حيث البناء البصري والثيمي فيلم"نصيب"حيث تم تصويره في عدد كبير من البلدان التي شهدت خلال الأعوام الثلاثة الماضية عشرات من حركات الاحتجاج السلمي والتمرد الشعبي، حيث تجول المخرجين ما بين أمريكا وأسبانيا وأوكرانيا وألتقى مع ناشطين سياسين من مصر وتركيا وسوريا حول مفهوم التمرد السلمي والمظاهرات التي لا تعتمد على العنف بل على أساليب التظاهر المتحضرة. ويلقي الفيلم في نظرة مكثفة الضوء على عدد من الحركات السلمية المؤثرة في المجتمع السياسي الدولي خلال السنوات الأخيرة على رأسها"احتلوا وول ستريت"،و"فيمينن"،وهي الحركة التي أسستها صحفية أوكرانية ضد المتاجرة الجنسية بنساء أوكرانيا ثم تحولت إلى واحدة من أشهر حركات التمرد السلمي في العالم حيث يتظاهر أعضائها من النساء عاريات احتجاجا على مواقف وقرارات سياسية وشخصيات عامة، وقد انضمت إليهم النموذج المصري لتلك الحركة علياء المهدي، ويصور الفيلم وقفتها الشهيرة أمام السفارة المصرية في سويسرا إبان حكم الإخوان عندما تظاهرت عارية تحمل علم مصر وغلاف أسود مكتوب عليه القرآن في احتجاج على سيطرة التيار الديني على المجتمع المصري. أما في الفيلم التركي"أصوات من جيزيه" فقد انطلق مخرجي الفيلم الخمسة في رصدهم لأحداث ميدان "تقسيم" الشهيرة بتركيا احتجاجا على تجريف أشهر حديقة عامة بإسطنبول من واقعة احتلال المصريين لميدان التحرير في2011عشية الثورة واعتبار فكرة احتلال الميادين أو التجمع الشعبي المليوني في ميدان واحد للمطالبة بالحقوق السياسية والإعلان عن التمرد ورفض النظام والتي سجلها التاريخ الحديث باسم مصر، هي الفكرة التي كانت وراء أحداث "تقسيم"،حيث سعى الأتراك لتقليد النموذج المصري عندما واجهتهم شرطة "أردوغان" بعملية قمع وحشية لتظاهراتهم السلمية ضد تجريف الحديقة، وقام المخرجون بوضع لقطات أرشيفية لميدان التحرير في بداية الفيلم ، ثم تعاملوا مع اللقطات الحية لعمليات القمع التركي للمتظاهرين بنفس الروح والأسلوب البصري الذي كان يتم تغطية الأحداث في مصر من خلاله وذلك في محاولة لعقد مقارنة بصرية لصالح النموذج المصري سياسيا طوال الوقت.