منذ فشل فكرة اعلان الاتحاد بين دول الخليج التي حاولت المملكة السعودية القيام بها في ديسمبر الماضي، إلى محاولة عزل قطر من خلال سحب سفراء كل من السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة، تسقط فكرة النظر الى الخليج ككتلة متراصّة أو ككيان سياسي بسياسات خارجية موحدة أعلن عن قيام مجلس التعاون الخليجي عام 1980، أي مباشرة بعد نجاح الثورة الإسلامية في ايران، وكان الهدف المعلن له حماية شعوب دول مجلس التعاون الخليجي من التطورات السياسية والعسكرية التي تحدث في المنطقة، أما غير المعلن فهو الردّ على التحديات التي خلقتها نجاح الثورة الإسلامية وإحتوائها. ومنذ ذلك الوقت ولغاية التطورات التي حصلت في العالم العربي بعد الانتفاضات، كانت السياسات الخارجية لدول الخليج متناسقة نوعًا ما، تسيطر عليها "الشقيقة الأكبر" السعودية. ولكن ما أن حلّ الخراب في معظم الدول العربية التي حصلت فيها "ثورات وانتفاضات"، حتى بدأ تقاطع المصالح الخليجية يفترق، وظهر الخلاف جليًا بعد التباين الحاصل بين الإخوان المسلمين والوهابيين في ظل أحلام كل من الفريقين بحكم العالم السنّي بمفرده. واليوم تبدو السعودية الخاسر الأكبر من سياسة المحاور الخليجية، فقد كانت سياستها الخارجية أقوى بقدرتها على التأثير والنفوذ على خمس دول أصغر منها، تدور في فلكها "نظريًا". أما المستفيدان إقليميًا، فهما ايران وتركيا؛ حيث تجد الأخيرة لها في الدعم القطري المستمر للإخوان المسلمين حليفًا خليجيًا ثابتًا خاصة في ظل الاضطرابات التي تحصل في الداخل التركي، والتوتر في العلاقة مع الأميركيين. أما إيران، فتبدو المستفيد الأكبر على الإطلاق، إذ خففت سياسة المحاور الخليجية من قدرة الخليجيين على احتواء إيران أو عزلها، فسلطنة عمان تتعاون معها وكان لها الباع الأكبر في تأمين "منتدى" للمفاوضات بين الأميركيين والإيرانيين، وهي كانت الأجرأ بالمجاهرة برفض قيام اتحاد خليجي يجعل من المملكة العربية السعودية قائدة لمجموعة من ست دول وتكريس هيمنتها على الخليج، هذا بالاضافة الى أن زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الأخيرة الى مسقط، أشار الى أن العلاقات بين الدولتين اللتين تسيطران على مضيق هرمز، واللتين تتشاطران النظرة حول الحل في سوريا، ستكون أعمق وأمتن من ذي قبل، هذا بدوره انفصالاً أكبر لعُمان عن الدول الخليجية العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية. أما العزلة التي يحاول الخليجيون فرضها على قطر فستؤدي حتمًا الى زيادة التقارب بينها وبين ايران كونها النافذة المفتوحة لها خليجيًا، وهو ما سيؤدي الى تغيير سياسة قطر الخارجية تجاه سوريا، وبالتالي تفكيك أكبر للجبهة الخليجية ضد سوريا، ما يسهم في إراحة النظام السوري على أبواب انتخابات رئاسية قادمة، يضاف الى انجازات عسكرية للجيش السوري في يبرود واللاذقية وغيرها من المناطق. هذا ناهيك عن أن العراقوسوريا باتتا -كدولتين- تجدان في الدعم الإيراني ملاذًا من الهجمات الإرهابية المدعومة من بعض الدول الخليجية. أما لبنان، وبالرغم من كل المحاولات التي قام بها المستقبل وحلفاؤه لإحتواء حزب الله، ومنها ضمّ رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى صفوفهم، إلا أن المعركة حول البيان الوزاري وقدرة المقاومة على فرض وجهة نظرها في النهاية، أثبت بما لا يقبل الشكّ أن المقاومة وحلفاؤها ما زالوا ممسكين بكثير من المفاصل السياسية الأساسية في البلاد، وقبولهم بالتنازلات لصالح حكومة وحدة وطنية لا يعني أنهم فقدوا القرار على السيطرة على النتائج السياسية في البلاد، وهو ما يعزز الموقف الايراني بالتشارك مع السعوديين. ويبقى للسعودية نفوذها الهام في مصر كدولة عربية إقليمية وازنة وهامّة، كما يبقى دورها هامًا وتشاركيًا مع ايران في القضية الفلسطينية؛ فللسعودية دور في مساعي التوصل الى اتفاق فلسطيني اسرائيلي لتحقيق التسوية المقترحة أميركيًا، بينما تدعم إيران المقاومة الفلسطينية التي تشهد تراجعًا لدور حركة حماس الإخوانية "الملتزمة بالتهدئة"- كما صرح مسؤولوها في غزة- لصالح حركة الجهاد الاسلامي المدعومة من إيران، والتي قامت بالتصعيد مؤخرًا بقصف المستوطنات الإسرائيلية بالصورايخ. وهكذا، يبدو أن الصراعات العربية العربية في الخليج، مع ما يدخل إليها من عوامل مستجدة من الانفتاح الإيراني الغربي، وعلاقة الأميركيين المستجدة مع إيران، ستكون بلا شكّ لصالح الإيرانيين وكل من العراقوسوريا في حربيهما على الإرهاب، أما الخلاف المستتر الإخواني الوهابي، والذي برز الى العلن، فقد بات يهدد مجلس التعاون الخليجي بالتفكك والانهيار، لصالح نظام أمني اقليمي كانت قد اقترحته إيران سابقًا، كما سيؤدي في النهاية إلى عزل المجموعات الإرهابية التي تقاتل في سورياوالعراق، بسبب تبدّل توجهات السياسة الخارجية القطرية، والسياسة السعودية الجديدة بمكافحة الإرهاب.